الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 321 ] 17 - باب

                                إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ، ولا يتيمم

                                271 275 - حدثنا عبد الله بن محمد : ثنا عثمان بن عمر : ثنا يونس ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : أقيمت الصلاة ، وعدلت الصفوف قياما ، فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب ، فقال لنا : ( مكانكم ) ! ثم رجع فاغتسل ، ثم خرج إلينا ، ورأسه يقطر . فكبر ، فصلينا معه .

                                تابعه عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري .

                                ورواه الأوزاعي ، عن الزهري .

                                التالي السابق


                                قد خرجه البخاري في ( كتاب الصلاة ) من حديث الأوزاعي ، وفيه أيضا أنه كان جنبا .

                                وخرجه أيضا من رواية صالح بن كيسان عن الزهري ، ولم يذكر أنه كان جنبا ، لكن رجوعه إليهم ورأسه يقطر ماء يدل على ذلك .

                                وقد استدل البخاري بهذا الحديث على أن من ذكر في المسجد أنه جنب فإنه يخرج منه ليغتسل ، ولا يلزمه التيمم لمشيه للخروج .

                                ومثله من كان نائما ، فاحتلم في المسجد ، فإنه يخرج منه ليغتسل ، ولا يلزمه أن يتيمم للخروج .

                                وقد نص على هذه الصور أحمد في رواية حرب .

                                واستدل طائفة بأن الصحابة كانوا ينامون في المسجد ، يعني أنه لم يكن [ ص: 322 ] يخلو من احتلام بعضهم فيه ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه تيمم ، ولا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا منهم بذلك ، مع علمه بنومهم ، وأنه لا يكاد يخلو من محتلم منهم فيه .

                                وقد كان ابن عمر شابا عزبا ، ينام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                وأصل هذه المسألة أن الجنب هل يباح له المرور في المسجد من غير تيمم ؟ أم لا ؟ وفي المسألة قولان :

                                أحدهما وهو قول الأكثرين : إنه يباح له ذلك ، وهو قول أكثر السلف ومالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم .

                                وقد تأول طائفة من الصحابة قول الله عز وجل : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا - بأن المراد النهي عن قربان موضع الصلاة وهو المسجد في حال الجنابة ، إلا أن يكون عابر سبيل ، وهو المجتاز به من غير لبث فيه .

                                وقد روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وأنس رضي الله عنهم .

                                وفي ( المسند ) ، عن ابن عباس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سد أبواب المسجد غير باب علي . قال : فيدخل المسجد جنبا ، وهو طريقه ليس له طريق غيره .

                                [ ص: 323 ] وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن العوام أن عليا كان يمر في المسجد ، وهو جنب .

                                وبإسناده عن جابر قال : كان أحدنا يمشي في المسجد وهو جنب مجتازا .

                                وخرجه أيضا سعيد بن منصور ، وابن خزيمة في ( صحيحه ) .

                                وعن زيد بن أسلم قال : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشون في المسجد ، وهم جنب . خرجه ابن المنذر وغيره .

                                ولا يجوز العبور إلا لحاجة في أصح الوجهين لأصحابنا ، وهو قول أكثر السلف ، منهم عكرمة ومسروق والنخعي .

                                وقرب الطريق حاجة في أحد الوجهين لأصحابنا ، وهو قول الحسن . وفي الآخر : ليس بحاجة . وهو وجه للشافعية ، والصحيح عندهم أنه يجوز المرور لحاجة وغيرها .

                                والقول الثاني : لا يجوز للجنب المرور في المسجد ، فإن اضطر إليه تيمم ، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وإسحاق ورواية عن مالك .

                                وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ) .

                                [ ص: 324 ] خرجه أبو داود من حديث عائشة ، وابن ماجه من حديث أم سلمة . وفي إسنادهما ضعف .

                                وعلى تقدير صحة ذلك فهو محمول على اللبث في المسجد ; جمعا بين الدليلين .

                                وأهل هذه المقالة منهم من قال : إذا ذكر في المسجد أنه جنب ، أو احتلم في المسجد - فإنه يتيمم لخروجه ، كما قاله بعض الحنفية .

                                وحديث أبي هريرة الذي خرجه البخاري هنا حجة عليه .



                                الخدمات العلمية