الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                الحديث الثالث:

                                942 985 - ثنا مسلم: ثنا شعبة، عن الأسود، عن جندب، قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم- يوم النحر، ثم خطب، ثم ذبح، فقال: " من ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله" .

                                التالي السابق


                                في الاستدلال بهذا الحديث على الكلام في خطبة العيد نظر; لوجهين:

                                [ ص: 160 ] أحدهما: أنه ليس فيه التصريح بأن ذلك كان في الخطبة فيحتمل أنه قاله قبلها، أو بعدها.

                                وقد وقع في رواية لمسلم في " صحيحه" من هذا الحديث ما يدل على أنه قاله قبل الخطبة; فإنه قال: فلم يعد أن صلى وفرغ من صلاته سلم، فإذا هو يرى لحم أضاحي قد ذبحت قبل أن يفرغ من صلاته، فقال: " من كان ذبح... " - إلى آخره.

                                ولكن رواه غير واحد، عن شعبة ، فذكروا فيه: أنه قاله في خطبته.

                                والثاني: أن هذا لم يكن خطابا لأحد معين، ولا في الحديث أن أحدا قام إليه فخاطبه، كما في حديث البراء وحديث أنس المتقدمين.

                                وحينئذ; فيكون ذكره لهذا في الخطبة من جملة تعليم أحكام الأضاحي، ولا شك في أن الإمام له أن يعلم الناس في خطبة عيد النحر أحكام الأضاحي، وما يحتاجون إلى معرفته منها.

                                وحديث البراء وأنس يدلان على ذلك - أيضا.

                                وهذا كله مستحب، وقد نص عليه الشافعي وأصحابنا.

                                وقالوا - أيضا- يسن للإمام أن يعلم الناس في خطبة عيد الفطر حكم إخراج الفطرة.

                                وقد روي عن ابن عباس ، أنه خطب بالبصرة يوم الفطر، فعلم الناس صدقة الفطر .

                                خرجه ابن شاهين في " كتاب العيدين".

                                وفي إسناده: ضعف.

                                والصحيح: ما روى الحسن ، قال: خطب ابن عباس في آخر رمضان على [ ص: 161 ] منبر البصرة ، فقال: أخرجوا صدقة صومكم. فكأن الناس لم يعلموا، فقال: من هاهنا من أهل المدينة ؟ قوموا إلى إخوانكم فعلموهم - وذكر بقية الحديث .

                                خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي .

                                والحسن ، لم يسمع من ابن عباس ، ولم يكن بالبصرة يوم خطب ابن عباس .

                                وخرج الإمام أحمد وأبو داود ، من رواية الزهري ، قال: قال عبد الله بن ثعلبة بن صعير : خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الناس قبل الفطر بيومين، فقال: " أدوا صاعا من بر " - الحديث.

                                وفي إسناده: اختلاف كثير على الزهري .

                                واختلف في عبد الله بن ثعلبة : هل له صحبة، أم لا؟

                                وقد روى عبد الله ابن الإمام أحمد في " مسائله" بإسناده، عن الزهري عن ابن المسيب : كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يخطب قبل الفطر بيومين، ويأمرهم بأداء زكاة الفطر، فيخرجونها قبل الصلاة.

                                وروى الواقدي بأسانيد له متعددة، عن عائشة وابن عمر وأبي سعيد حديثا طويلا، فيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يخطب قبل الفطر بيومين، فيأمر بإخراج صدقة الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى.

                                ذكره عنه محمد بن سعد .

                                وذكر ابن سعد ، عنه - أيضا-: ثنا عمرو بن عثمان بن هانئ ، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز بخناصرة ، وهو خليفة، خطب الناس قبل يوم الفطر [ ص: 162 ] بيوم، وذلك يوم الجمعة، فذكر الزكاة فحض عليها، وقال: على كل إنسان صاع تمرا ومدان من حنطة. وقال: إنه لا صلاة لمن لا زكاة له، ثم قسمها يوم الفطر.

                                ويدل على أن الإمام إنما يعلم الناس حكم صدقة الفطر قبل يوم الفطر: حديث ابن عمر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة.

                                وقد خرجه البخاري في موضع آخر.

                                وفيه: دليل واضح على أنه كان يأمر بذلك قبل يوم الفطر، وإلا فكيف كان يأمر بعد الصلاة بأن تؤدى قبل الصلاة؟

                                وبقية ما دل عليه هذه الأحاديث؛ من الذبح قبل الصلاة، ومن الأمر لمن ذبح قبلها بالإعادة، ومن أحكام الجذع من الضأن والمعز موضعه غير هذا، ويأتي فيه - إن شاء الله سبحانه وتعالى.



                                الخدمات العلمية