الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                1148 1205 - حدثنا بشر بن محمد، ثنا عبد الله، قال يونس: قال الزهري: أخبرني أنس أن المسلمين بينا هم في الفجر يوم الاثنين، وأبو بكر يصلي بهم، ففجأهم النبي - صلى الله عليه وسلم- قد كشف ستر حجرة عائشة، فنظر إليهم وهم صفوف، فتبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبيه، وظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم- يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهم المسلمون أن يفتتنوا فرحا بالنبي - صلى الله عليه وسلم- حين رأوه، فأشار بيده أن أتموا، ثم دخل الحجرة، وأرخى الستر، وتوفي ذلك اليوم صلى الله عليه وسلم .

                                التالي السابق


                                وقد تقدم حديث سهل بن سعد في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم- على المنبر، وأنه كان يقوم عليه، ثم ينزل فيسجد في الأرض.

                                وقد سبق - أيضا- في " أبواب صلاة الكسوف" من حديث ابن عباس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- مد يده في صلاة الكسوف، كأنه يتناول شيئا، ثم تكعكع، أي: تأخره.

                                وخرج مسلم من حديث جابر ، في صلاة الكسوف، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- تأخر [ ص: 382 ] في صلاته، فتأخرت الصفوف خلفه، حتى انتهى إلى النساء، ثم تقدم وتقدم الناس معه، حتى قام في مقامه.

                                وروى برد بن سنان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت: جئت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي في البيت، والباب عليه مغلق، فمشى حتى فتح لي، ثم رجع إلى مكانه، ووصفت الباب في القبلة .

                                خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي ، وهذا لفظه.

                                وقال: حسن غريب.

                                واستنكره أبو حاتم الرازي والجوزجاني ; لتفرد برد به.

                                وبرد شامي قدري، وثقه ابن معين ، وقال أحمد : صالح الحديث، وقال أبو زرعة : لا بأس به، وقال أبو حاتم : كان صدوقا.

                                وقد تقدم في " باب: الركوع دون الصف" حديث أبي بكرة ، أنه ركع دون الصف، وأنه مشى حتى دخل في الصف.

                                خرجه أبو داود بهذا اللفظ.

                                وتقدم فيه عن جماعة من الصحابة بأنهم فعلوا ذلك، منهم: زيد بن ثابت .

                                وروي عن أبي بكر الصديق ، وعن خلق من التابعين، ومن بعدهم.

                                وعن سعيد بن جبير وعطاء ، أنهما رخصا في أن يركع قبل أن يصل إلى صفوف النساء، ثم يمشي.

                                وكل هذا يدل على أن المشي اليسير في الصلاة لا تبطل به الصلاة، وأنه قول جمهور السلف.

                                [ ص: 383 ] وكذلك أبو برزة مشى في صلاته إلى فرسه لما انفلتت، فأخذها.

                                وخرج البخاري حديثه فيما بعد.

                                وقد قال أحمد : إذا فعل كفعل أبي برزة فصلاته جائزة.

                                وقال حرب : قلت لأحمد : يفتح الباب - يعني: في الصلاة- حيال القبلة؟ قال: في التطوع.

                                ولعله أراد أنه لا يكره في التطوع خاصة، ويكره في الفريضة.

                                وأكثر أصحابنا على أن ذلك يرجع فيه إلى العرف، فما عد في العرف مشيا كثيرا أبطل، وما لم يعد كثيرا لم يبطل، وكذلك سائر الأعمال في الصلاة.

                                ومنهم من جعل الثلاث في حد الكثرة، فلم يعف إلا عن المرة والمرتين.

                                وللشافعية في الضربتين والخطوتين وجهان.

                                ومن الحنفية من قدر المشي المبطل بما جاوز محل السجود.

                                وما دلت السنة عليه، مع اتباع السلف فيه أولى.

                                قال أصحابنا: وإنما يبطل العمل الكثير إذا توالى، وما شك فيه لم يبطل; لأن الأصل دوام الصحة، فلا يزول بالشك في وجود المنافي.

                                وما تفرق من ذلك، وكان إذا جمع كثيرا لم يبطل; لأنه صلى الله عليه وسلم تكرر منه حمل أمامة في صلاته ووضعها، وقد سبق حديث أمامة والكلام عليه بما فيه كفاية.

                                ومذهب الشافعية كمذهب أصحابنا في ذلك كله، في الرجوع إلى العرف على الصحيح عندهم، مع قولهم: إن الثلاث في حد الكثرة بغير خلاف، وفي الثنتين وجهان.

                                وأصحابنا يخالفونهم في هذا خاصة، ويقولون: ما لم يكن المشي [ ص: 384 ] والضرب يسمى كثيرا عرفا فهو غير مبطل.

                                وهذا كله في العامد، فأما الناسي والجاهل، فأكثر أصحابنا والشافعية أن عمله الكثير يبطل كعمده.

                                ومن الشافعية من قال: فيه وجهان، أصحهما: لا يبطل، كالكلام.

                                وكذلك حكى بعض أصحابنا رواية عن أحمد ، أنه لا يبطل عمل الساهي وإن كثر.

                                وقال: هي أصح.

                                واستدل بما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم- في خبر ذي اليدين ، حين سلم ساهيا، ثم لما ذكر بنى على صلاته، وسيأتي الحديث في موضعه من الكتاب إن شاء الله تعالى.



                                الخدمات العلمية