الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                الحديث الثالث:

                                396 404 - حدثنا مسدد: ثنا يحيى، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمسا، فقالوا: أزيد في الصلاة؟ قال: " وما ذاك؟ " قالوا: صليت خمسا، فثنى رجليه، فسجد سجدتين .

                                التالي السابق


                                قد بين البخاري في أول الباب وجه الاستدلال بحديث سجود السهو على أن السهو عن استقبال القبلة لا يبطل الصلاة، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم من ركعتين [ ص: 323 ] في الظهر وأقبل على الناس بوجهه ثم أتم ما بقي، وهذا إشارة منه إلى حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين .

                                وقد خرجه البخاري في " أبواب سجود السهو " لكن ليس عنده أنه أقبل على الناس بوجهه، وإنما فيه: أنه قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها.

                                وفي " صحيح مسلم " أنه أتى جذعا في قبلة المسجد فاستند إليها.

                                وهذا يدل على أنه ولى ظهره إلى القبلة واستقبل الناس بوجهه، إلا أن يكون استند إليها وظهره إلى الناس ووجهه إلى القبلة.

                                وإنما يعرف لفظ: " ثم أقبل على الناس بوجهه " في حديث ابن مسعود الذي خرجه البخاري هاهنا.

                                وقد خرجه النسائي من طريق شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، ولفظه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الظهر، ثم أقبل عليهم بوجهه، فقالوا: أحدث في الصلاة حدث؟ قال: " وما ذاك؟ " فأخبروه بصنيعه، فثنى رجليه، واستقبل القبلة، فسجد سجدتين، ثم سلم.

                                ولكن هنا لم يكن قد بقي عليه غير سجدتي السهو، على تقدير أن يكون زاد في الصلاة ; فإن إبراهيم شك: هل كان زاد فيها أو نقص، كذا في " صحيح مسلم " التصريح بأن هذا الشك من إبراهيم .

                                وفي صحيح مسلم - أيضا - عن عمران بن حصين ، قال: سلم [ ص: 324 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر، ثم قام فدخل الحجرة ، فقام رجل بسيط اليدين، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضبا، فصلى الركعة التي كان ترك، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم.

                                ودخوله الحجرة يلزم منه الانحراف عن القبلة بالكلية ; لأن الحجرة كانت عن يساره.

                                ومقصود البخاري : أن استدبار القبلة والانحراف عنها في الصلاة سهوا عن غير تعمد لا تبطل به الصلاة، كما دل عليه حديث سجود السهو، وقد نص عليه أحمد وغيره، فيستدل بذلك على أن من صلى إلى غير القبلة عن غير تعمد أنه لا تبطل صلاته بذلك، ولا إعادة عليه، والله أعلم.

                                ورواية النسائي لحديث ابن مسعود يستدل بها على أن من نسي سجود السهو حتى سلم ثم ذكر فإنه يسجد، وإن كان قد صرف وجهه عن قبلته، وهو قول الجمهور، خلافا للحسن وابن سيرين في قولهما: لا يسجد حينئذ.

                                وقصة ذي اليدين يستدل بها على أن كلام الناسي لا يبطل ; كما هو قول الشافعي ، وأحمد في إحدى الروايات عنه.

                                وعلى أن العمل الكثير في الصلاة نسيانا يعفى عنه، وهو رواية عن أحمد ، وقول للشافعي .

                                واستدل به بعضهم: على أن من سلم من نقصان فإنه يبني على ما مضى من صلاته، وإن طال الفصل، وهو قول الأوزاعي وغيره.

                                وسيأتي ذكر ذلك مفصلا في موضعه - إن شاء الله تعالى.



                                الخدمات العلمية