الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                والثاني

                                قال:

                                404 414 - ثنا علي: ثنا سفيان: ثنا الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر نخامة في قبلة المسجد، فحكها بحصاة، ثم نهى أن يبزق الرجل بين يديه، أو عن يمينه، ولكن عن يساره، أو تحت قدمه اليسرى.

                                وعن الزهري: سمع حميدا، عن أبي سعيد - نحوه

                                التالي السابق


                                ليس في هذه الرواية ذكر: " أبي هريرة "، كما في الروايتين المتقدمتين عن الزهري .

                                وفي هذه الرواية: أن سفيان بن عيينة تارة ذكر سماع الزهري له من حميد ، وتارة عنعنه.

                                وعلي شيخ البخاري ، هو: ابن المديني ، وكانت له عناية بذلك.

                                [ ص: 342 ] وأما سماع حميد له من أبي هريرة وأبي سعيد ، فقد صرح به إبراهيم بن سعد في روايته عن الزهري ، وقد خرجه البخاري فيما تقدم.

                                ودل هذا الحديث - مع غيره من الأحاديث المتقدمة -: على أن المصلي يبزق عن شماله أو تحت قدمه اليسرى .

                                وقد خرج مسلم في " صحيحه " من حديث يزيد بن عبد الله بن الشخير ، عن أبيه، أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فتنخع فدلكها بنعله اليسرى .

                                وخرجه أبو داود ، وعنده: عن يزيد ، عن أخيه مطرف ، عن أبيه، قال: أتيت رسول الله وهو يصلي، فبزق تحت قدمه اليسرى .

                                ورواه ابن المبارك عن الجريري ، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله ، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتنخم في المسجد، ثم دلكه بنعله اليسرى .

                                وخرجه الطبراني بإسناد ضعيف، وفيه: أنه كان يصلي على البلاط .

                                والبلاط: خارج المسجد.

                                وروى إبراهيم بن طهمان ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن محمد بن أبي عاصم ، عمن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي رجليه نعلان، فبزق فمسح بساقه بنعله في التراب، والمسجد يومئذ فيه التراب.

                                وخرج أبو داود من حديث الفرج بن فضالة ، عن أبي سعيد ، قال: [ ص: 343 ] رأيت واثلة بن الأسقع في مسجد دمشق بصق على البوري، ثم مسحه برجله، فقيل له: لم فعلت هذا؟ قال: لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.

                                وهذا يدل على جوازه في المسجد إذا غيبه، وهو قول بعض أصحابنا، ونص عليه أحمد في رواية أبي طالب ، قال: لا يبصق الرجل في المسجد تحت البارية، فإنه يبقى تحت البارية، وإذا كان حصى فلا بأس به ; لأنه يواري البصاق.

                                وروى عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن العطاء ، قال: لا بأس بالتنخم في الحجر إذا غيبه.

                                يعني: حجر البيت.

                                وفي " تهذيب المدونة ": ولا يبصق في المسجد فوق الحصير ويدلكه ولكن تحته، ولا يبصق في حائط القبلة، ولا في مسجد غير محصب إذا لم يقدر على دفن البصاق فيه، وإن كان المسجد محصبا فلا بأس أن يبصق بين يديه وعن يمينه وعن يساره وتحت قدمه، ويدفنه. انتهى.

                                ولعل هذا في غير الصلاة.

                                وروى أبو عبيد بإسناده عن عمر أنه حصب المسجد، وقال: هو أغفر للنخامة.

                                وقال: معناه: أستر لها وأشد تغطية.

                                قال أبو عبيد : فيه من الفقه الرخصة في البزاق في المسجد إذا دفن.

                                وقالت طائفة: لا يفعل ذلك في المسجد، بل خارج المسجد، ولا يبزق في المسجد إلا في ثوبه، أو يبزق في المسجد ويحذف بصاقه إلى خارج المسجد حتى يقع خارجا منه.

                                [ ص: 344 ] وهذا هو أكثر النصوص عن أحمد .

                                وكان أحمد يبزق في المسجد في الصلاة، ويعطف بوجهه حتى يلقيه خارج المسجد عن يساره -: نقله عنه أبو داود .

                                وقال بكر بن محمد : قلت لأبي عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل -: ما ترى في الرجل يبزق في المسجد ثم يدلكه برجله؟ قال: هذا ليس هو في كل الحديث. قال: والمساجد قد طرح فيها بواري ليس كما كانت. قال: فأعجب إلي إذا أراد أن يبزق وهو يصلي أن يبزق عن يساره إذا كان البزاق يقع في غير المسجد، يقع خارجا، وإذا كان في مسجد ولا يمكنه أن يقع بزاقه خارجا أن يجعله في ثوبه.

                                وقد ذكرنا فيما تقدم عن حذيفة أن المصلي له أن يبصق خلفه، وهذا إنما يكون بالتفات شديد بوجهه عن القبلة.

                                وقد روي هذا الحديث مرفوعا من حديث يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن طارق بن عبد الله المحاربي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا كنت في الصلاة، فلا تبزق عن يمينك ولا بين يديك، ولكن خلفك أو تلقاء شمالك أو تحت قدمك اليسرى ".

                                خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي .

                                وصححه، وقال: العمل عليه عند أهل العلم.

                                وبوب عليه النسائي : " الرخصة للمصلي أن يبزق خلفه أو تلقاء شماله ".

                                وقد أنكر الإمام أحمد هذه اللفظة في هذا الحديث، وهي قوله: " خلفك " وقال: لم يقل ذلك وكيع ولا عبد الرزاق .

                                قال الدارقطني : هي وهم من يحيى بن سعيد ، ولم يذكرها جماعة من [ ص: 345 ] الحفاظ من أصحاب سفيان ، وكذلك رواه أصحاب منصور عنه، لم يقل أحد منهم: " ابزق خلفك ".

                                وروى سليمان بن حرب عن شعبة ، عن القاسم بن مهران ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان أحدكم في صلاته فلا يبزق عن يمينه ولا عن يساره، ولا بين يديه، ولكن تحت قدمه اليسرى، فإن لم يستطع ففي ثوبه ".

                                وأخطأ سليمان في قوله: " ولا عن يساره " فقد رواه أصحاب شعبة ، عنه، وقالوا: " ولكن عن يساره تحت قدمه " -: ذكره ابن أبي حاتم .

                                وقد خرجه مسلم في " صحيحه " كذلك.

                                واستدل ابن عبد البر بحديث تنخم النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته على أن النحنحة ونحوها لا تبطل الصلاة إذا كانت لعذر. قال: لأن للتنخم صوتا كالتنحنح، وربما كان معه ضرب من النفخ عند القذف بالبصاق.

                                وقد أشار البخاري إلى ذلك في أواخر " كتاب الصلاة " - أيضا - ويأتي في موضعه - إن شاء الله تعالى.



                                الخدمات العلمية