الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                قال البخاري - رحمه الله -: 423 433 - ثنا إسماعيل بن عبد الله: حدثني مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم

                                التالي السابق


                                هذا الحديث نص في المنع من الدخول على مواضع العذاب، إلا على أكمل حالات الخشوع والاعتبار، وهو البكاء من خشية الله وخوف عقابه الذي نزل بمن كان في تلك البقعة، وأن الدخول على غير هذا الوجه يخشى منه إصابة العذاب الذي أصابهم.

                                [ ص: 434 ] وفي هذا تحذير من الغفلة عن تدبر الآيات فمن رأى ما حل بالعصاة ولم يتنبه بذلك من غفلته، ولم يتفكر في حالهم، ويعتبر بهم فليحذر من حلول العقوبة به، فإنها إنما حلت بالعصاة لغفلتهم عن التدبر وإهمالهم اليقظة والتذكر.

                                وهذا يدل على أنه لا يجوز السكنى بمثل هذه الأرض، ولا الإقامة بها، وقد صرح بذلك طائفة من العلماء، منهم: الخطابي وغيره، ونص عليه أحمد .

                                قال مهنا: سألت أحمد عمن نزل الحجر: أيشرب من مائها ويعجن به؟ قال: لا، إلا لضرورة، ولا يقيم بها.

                                وعلى هذا: فيتوجه أن من صلى بها لغير ضرورة، ولم يكن في صلاته على حالة الخشوع والخشية التي رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الدخول عليها أن لا تصح صلاته، على قياس قول من قال: إن الصلاة في المقبرة وأعطان الإبل لا تصح، إلا أن يفرق: بأن النهي هنا عن الدخول لا يخص الصلاة، بخلاف النهي عن الصلاة في المقبرة والأعطان، فيتخرج حينئذ الصلاة فيها على الصلاة في الأرض المغصوبة ، كما سبق ذكره.

                                وأحمد - في رواية - مع جماعة من أهل الظاهر: يوجبون الإعادة على من صلى في أرض غصب، وكذلك إسحاق - في رواية عنه - إذا كان عالما بالنهي.

                                وأما الوضوء من مائها: فقد صرح طائفة من الظاهرية بأنه لا يصح، ويتخرج على قواعد الإمام أحمد وأصحابه على الخلاف عندهم في الوضوء بالماء المغصوب .

                                وقد ورد النهي عن الوضوء بخصوصه في حديث خرجه الطبراني في " أوسطه " من رواية ابن إسحاق : حدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ، [ ص: 435 ] عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر واستقى الناس من بئرها، ثم راح فيها، فلما استقل أمر الناس ألا يشربوا من مائها، ولا يتوضئوا منه، وما كان من عجين عجن بشيء من مائها أن يعلف به، ففعل الناس.

                                وروى يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن العباس بن سهل بن سعد - أو عن العباس بن سعد - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر ونزلها استقى الناس من بئرها، فلما راحوا منها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: " لا تشربوا من مائها شيئا، ولا تتوضئوا منه للصلاة، وما كان من عجين عجنتم به فاعلفوه الإبل، ولا تأكلوا منه شيئا ".

                                وهذا مرسل.

                                وقد خرج البخاري حديث ابن عمر هذا في " قصص الأنبياء " من " كتابه " هذا من حديث عبد الله بن دينار ونافع وسالم ، عن ابن عمر . وفي رواية عبد الله ونافع : أنهم نزلوا الحجر . وفي حديث سالم : أنه مر بالحجر وتقنع بردائه، وهو على الرحل.

                                وخرج مسلم حديث سالم ، وفيه: ثم زجر فأسرع حتى خلفها.

                                وحمل أبو الحسين ابن المنادي من متقدمي أصحابنا النهي عن دخولها وعن شرب مائها على الكراهة دون التحريم. والله أعلم.



                                الخدمات العلمية