الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 537 ] 75، 76 - باب

                                الأسير والغريم يربط إلى سارية المسجد

                                فيه حديثان:

                                أحدهما:

                                قال:

                                449 461 - ثنا إسحاق بن إبراهيم: ثنا روح ومحمد بن جعفر، عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة " - أو كلمة نحوها - " ليقطع علي الصلاة، فأمكنني الله منه، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي .

                                قال روح: " فرده خاسئا ".

                                والثاني:

                                قال:

                                450 462 - ثنا عبد الله بن يوسف: ثنا الليث: حدثني سعيد بن أبي سعيد، أنه سمع أبا هريرة قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " أطلقوا ثمامة" فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله

                                [ ص: 538 ]

                                التالي السابق


                                [ ص: 538 ] دل هذان الحديثان: على ربط الأسير إلى سارية من سواري المسجد ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في زمانه سجن يسجن فيه الأسارى، ولهذا لما ندم أبو لبابة على ما قال لبني قريظة ربط نفسه بسارية من سواري المسجد.

                                وفي بعض نسخ "كتاب البخاري " في هذا الباب زيادة:

                                وكان شريح يأمر بالغريم أن يحبس إلى سارية المسجد.

                                وروي ذلك عن علي - أيضا -:

                                قال يعقوب بن شيبة : ثنا عبيد بن يعيش : ثنا صيفي بن ربعي الأنصاري ، عن أبيه: حدثني مشيخة الحي ، أن عليا استعمل رجلا على عمل، فأتاه، فسأله عن المال، فلم يرفع إليه ما أراد. قال: فشده على أسطوانة من أساطين المسجد، فقال: أد مال الله.

                                وربط الأسير، إن كان من الكفار فربطه من مصالح الدين، وقد أمر الله تعالى به بقوله: حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء

                                وإن كان من المسلمين على دين له أو حق ليخرج منه فهو من مصالح المسلمين المحتاج إليها؛ لحفظ أموالهم واستيفاء حقوقهم، وهو من جنس القضاء في المسجد، وأمر الخصوم بإنصاف بعضهم لبعض، والخروج من الحقوق اللازمة لبعضهم بعضا، وقد سبق أن القضاء في المسجد جائز.

                                وهم النبي صلى الله عليه وسلم بربط الشيطان هو من عقوبات العصاة المتمردين المتعرضين لإفساد الدين، وليس من جنس إقامة الحدود بالضرب والقطع حتى تصان عنه المساجد، إنما هو حبس مجرد، فهو كحبس الأسارى من الكفار.

                                وبقية فوائد الحديثين تذكر في مواضع أخر - إن شاء الله تعالى.



                                الخدمات العلمية