الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 730 ] 109 - باب

                                المرأة تطرح عن المصلي شيئا من الأذى

                                498 520 - حدثنا أحمد بن إسحاق: ثنا عبيد الله بن موسى: ثنا إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، وجمع قريش في مجالسهم، إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي، أيكم يقوم إلى جزور آل فلان، فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا، فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك، فانطلق منطلق إلى فاطمة - وهي جويرية - فأقبلت تسعى، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: " اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش "، ثم سمى: " اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد ".

                                قال عبد الله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب: قليب بدر.

                                ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأتبع أصحاب القليب لعنة"


                                التالي السابق


                                قد سبق هذا الحديث بتمامه في أواخر "الوضوء" في "باب: إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته".

                                [ ص: 731 ] وخرجه هناك من طريق شعبة ويوسف بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ببعض زيادة في متنه ونقص، وفيه: "وعد السابع فلم نحفظه".

                                وفي هذه الرواية: أن السابع عمارة بن الوليد .

                                والمعروف في السير: أن عمارة بن الوليد مات في جزيرة في أرض الحبشة في يد ابن عمه عبد الله بن أبي ربيعة ، وكان النجاشي قد أمر به فنفخ في إحليله سحر، فذهب مع الوحش، ولم يقدر عليه حتى أمسكه عبد الله بن أبي ربيعة ، فجعل يقول: أرسلني، فلم يرسله فمات في يده.

                                وفي هذه الرواية - مع الرواية التي خرجها في الطهارة -: ذكر عقبة بن أبي معيط ، وقد روي أن عقبة أسر يوم بدر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قتله صبرا بين يديه، وصلبه بالصفراء في مرجعهم إلى المدينة .

                                وخرجه - أيضا - في "مبعث النبي صلى الله عليه وسلم" من طريق شعبة ، عن أبي إسحاق - مختصرا، وفي سياقه: أن عقبة بن أبي معيط هو الذي جاء بسلى الجزور، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم عليك الملأ من قريش: أبا جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف " - أو " أبي بن خلف " شعبة الشاك - فرأيتهم قتلوا يوم بدر، فألقوا في بئر، غير أمية - أو أبي - تقطعت أوصاله، فلم يلق في البئر.

                                وذكر أبي بن خلف وهم - أيضا - فإن أبي بن خلف إنما قتل يوم أحد، ومات بعد الوقعة، كما روى ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، قال: أسر أبي بن خلف يوم بدر، فلما افتدي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ص: 732 ] إن عندي فرسا أعلفها كل يوم فرقا من ذرة، لعلي أقتلك عليها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أنا أقتلك عليها، إن شاء الله". فلما كان يوم أحد أقبل أبي بن خلف تركض فرسه تلك، حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعترض رجال من المسلمين له ليقتلوه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استأخروا، استأخروا" فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بحربة في يده، فرمى بها أبي بن خلف ، فكسرت ضلعا من أضلاعه، فرجع إلى أصحابه ثقيلا، فاحتملوه حتى ولوا به، وطفقوا يقولون له: لا بأس، فقالأبي : ألم يقل لي: "بل أنا أقتلك، إن شاء الله" فانطلق به أصحابه، فمات ببعض الطريق، فدفنوه.

                                قال سعيد بن المسيب : وفيه أنزل الله: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى
                                .

                                وفي هذا الحديث أنواع من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وإجابة دعوته، وتعجيل عقوبة من أذاه، وأن العقوبة من جنس الذنب، بأن هؤلاء تواطئوا على وضع فرث الجزور على ظهره صلى الله عليه وسلم في السجود، فما مضى إلا يسير حتى قتلوا وسحبوا إلى القليب في يوم شديد الحر، وخرج فرث كل منهم وحشوته من بطنه، وكان ذلك جزاء وفاقا.

                                والمقصود من تخريج هذا الحديث في هذا الباب: أن المصلي يجوز أن تدنو منه المرأة في صلاته، وتزيل عنه الأذى، ولا يقدح ذلك في صلاته.

                                والظاهر: أن فاطمة عليها السلام إنما جاءت من ورائه، فطرحت عنه ما [ ص: 733 ] طرحوا عليه، وكانت إذ ذاك جويرية صغيرة، كما صرح به في الحديث.

                                وقد سبق الكلام على حكم النجاسة إذا أصابت المصلي في صلاته، ثم أزيلت عنه في "الطهارة" وعلى حكم تكرار الدعاء ثلاثا في "كتاب العلم".

                                والله سبحانه وتعالى أعلم.



                                الخدمات العلمية