الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                565 [ ص: 293 ] 33 - باب

                                ما يصلى بعد العصر من الفوائت ونحوها

                                وقال كريب ، عن أم سلمة : صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر ركعتين ، وقال : ( شغلني ناس من عبد القيس عن الركعتين بعد الظهر ) .

                                التالي السابق


                                هذا الحديث أسنده في أواخر ( كتاب الصلاة ) في ( الإشارة باليد في الصلاة ) ، وفي ( المغازي ) في ( باب : وفد عبد القيس ) من طريق عمرو بن الحارث ، عن بكير ، أن كريبا مولى ابن عباس حدثه ، أن ابن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة أرسلوا إلى عائشة ، فقالوا : اقرأ عليها السلام منا جميعا ، وسلها عن الركعتين بعد العصر ؛ فإنا أخبرنا أنك تصليها ، وقد بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها . قال ابن عباس : وكنت أضرب مع عمر الناس عنهما . قال كريب : فدخلت عليها ، وبلغتها ما أرسلوني ، [ فقالت : سل أم سلمة ، فأخبرتهم ، فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني إلى عائشة ] ، فقالت أم سلمة : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عنهما ، وإنه صلى العصر ثم دخل علي ، وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار ، فصلاهما ، فأرسلت إليه الخادم ، فقلت : قومي إلى جنبه ، فقولي : تقول أم سلمة : يا رسول الله ، ألم أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين ؟ فأراك تصليها ، فإن أشار بيده فاستأخري ، ففعلت الخادم ، فأشار بيده فاستأخرت عنه ، فلما انصرف قال : ( يا بنت أبي أمية ، سألت عن الركعتين بعد العصر ، إنه أتاني أناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم ، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر ، فهما هاتان ) .

                                [ ص: 294 ] وخرجه مسلم - أيضا .

                                قال الدارقطني في ( العلل ) : هو أثبت هذه الأحاديث وأصحها .

                                يشير إلى الأحاديث التي فيها ذكر عائشة وأم سلمة .

                                وقد روي عن أم سلمة من وجه آخر ، أنها لم تر النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاها غير تلك المرة .

                                خرجه الإمام أحمد ، حدثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بعد العصر قط إلا مرة ، جاءه ناس بعد الظهر ، فشغلوه في شيء ، فلم يصل بعد الظهر شيئا حتى صلى العصر . قالت : فلما صلى العصر دخل بيتي فصلى ركعتين .

                                وخرجه النسائي - بمعناه .

                                وهذا - أيضا - إسناد صحيح .

                                وخرجه بقي بن مخلد في ( مسنده ) من رواية ابن أبي لبيد ، عن أبي سلمة ، قال : قدم معاوية المدينة ، فأرسل إلى عائشة . فسألها عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين بعد العصر ؟ فقالت : ما أدري ، سلوا أم سلمة ، فسألوا أم سلمة - فذكرت الحديث .

                                وهذه الرواية تدل على أن عائشة لم يكن عندها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيء .

                                ورواه الحميدي ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي لبيد ، به ، وفي حديثه : أن عائشة قالت : لا علم لي ، ولكن اذهب إلى أم سلمة .

                                [ ص: 295 ] وكذا رواه الشافعي - أيضا - عن سفيان .

                                وخرجه النسائي - أيضا - من حديث أبي مجلز ، عن أم سلمة ، وفيه : قالت : فركعهما حتى غابت الشمس ، ولم أره يصليهما قبل ولا بعد .

                                وقد سبق بتمامه .

                                وهذا يدل على أنه صلاهما بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب ، وحينئذ فلا يبقى إشكال في ذلك .

                                وخرج الإمام أحمد من طريق عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب : حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، أنه كان عند مروان ، فأرسل إلى عائشة : ما ركعتان يذكرهما ابن الزبير عنك ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصليهما بعد العصر ؟ فأرسلت إليه : أخبرتني أم سلمة ، فأرسل إلى أم سلمة ، فقالت : يغفر الله لعائشة ، لقد وضعت أمري على غير موضعه ، ثم ذكرت قصة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لهما ، وقالت أم سلمة : وما رأيته صلاهما قبلها ولا بعدها .

                                وقد روي عن أم [ سلمة ] ، أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - : أفنقضيهما إذا فاتتا ؟ قال : ( لا ) . وسيأتي فيما بعد ، إن شاء الله تعالى .

                                وقد روي عن أم سلمة ما يخالف هذا ، إلا أن إسناده لا يصح : من رواية محمد بن حميد الرازي ، عن هارون بن المغيرة ، عن ابن سعيد ، عن عمار الدهني ، عن عبد الملك بن عبيدة بن ربيعة ، عن جدته أم سلمة ، أنها أمرت بالركعتين بعد العصر ، وإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصليهما إذا صلى مع الناس وهو [ ص: 296 ] جالس ، مخافة شهرتها ، وإذا صلاها في بيته صلاها قائما .

                                قال محمد بن حميد : كتب عني أحمد بن حنبل هذا الحديث .

                                محمد بن حميد ، كثير المناكير ، وقد اتهم بالكذب ، فلا يلتفت إلى تفرده بما يخالف الثقات .



                                الخدمات العلمية