الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2404 25 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : أخبرنا مالك ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن ابن محيريز ، قال : رأيت أبا سعيد رضي الله عنه ، فسألته ، فقال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من سبي العرب ، فاشتهينا النساء فاشتدت علينا العزبة ، وأحببنا العزل ، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما عليكم أن لا تفعلوا ، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " فيها " وجامع يعني بعد أن ملك من العرب سبيا ، وربيعة بفتح الراء المشهور بربيعة الرأي شيخ مالك ، ومحمد بن يحيى بن حبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ، وبالنون مر في الوضوء ، وابن محيريز هو عبد الله بن محيريز بضم الميم ، وفتح الحاء المهملة ، وسكون التحتانية ، وكسر الراء ، وسكون التحتانية أيضا ، وفي آخره زاي ومر الحديث في كتاب البيوع في باب بيع الرقيق ، فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، عن أبي محيريز : أن أبا سعيد إلى آخره ، وقد مر الكلام فيه هناك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " العزل " هو نزع الذكر من الفرج عند الإنزال ، قوله : " ما عليكم أن لا تفعلوا " يعني لا بأس عليكم إذا تركتم العزل ، قوله : " نسمة " بفتح السين وهي الإنسان أي ما من نفس كائنة في علم الله إلا وهي كائنة في الخارج لا بد من مجيئها من العدم إلى الوجود أي ما قدر الله أن يكون البتة ، وفي الحديث دليل على أن الصحابة أطبقوا على وطء ما وقع في سهمانهم من السبي ، وهذا لا يكون إلا بعد الاستبراء بإجماع من العلماء ، وهذا يدل أن السباء يقطع العصمة بين الزوجين الكافرين .

                                                                                                                                                                                  واختلف السلف في حكم وطء الوثنيات والمجوسيات إذا سبين فأجازه سعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وهذا قول شاذ لم يلتفت إليه أحد من العلماء ، واتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز وطء الوثنيات بقوله تعالى : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن وإنما أباح الله تعالى وطء نساء أهل الكتاب خاصة بقوله : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم

                                                                                                                                                                                  وإنما أطبق الصحابة على وطء سبايا العرب بعد إسلامهن لأن سبي هوازن كان سنة ثمان وسبي بني المصطلق سنة ست ، وسورة البقرة من أول ما نزل بالمدينة فقد علموا قوله تعالى : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن

                                                                                                                                                                                  وتقرر عندهم أنه لا يجوز وطء الوثنيات البتة حتى يسلمن ، وروى عبد الرزاق ، حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا يونس بن عبيد أنه سمع الحسن يقول : كنا نغزو مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أصاب أحدهم جارية من الفيء فأراد أن يصيبها أمرها فاغتسلت ثم علمها الإسلام ، وأمرها بالصلاة ، واستبرأها بحيضة ، ثم أصابها ، وعموم قوله تعالى : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن يقتضي تحريم وطء المجوسيات بالتزويج ، وبملك اليمين ، وعلى هذا أئمة الفتوى ، وعامة العلماء .

                                                                                                                                                                                  وأما العزل فقد اختلف فيه قديما ، وإباحته أظهر في الحديث عند الشافعي سواء كانت حرة أو أمة مع الإذن وبدونه ، وروى مالك عن سعد بن أبي وقاص ، وأبي أيوب الأنصاري ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس أنهم كانوا يعزلون ، وروي ذلك أيضا عن ابن مسعود ، وجابر ، وذكر مالك أيضا عن ابن عمر أنه كره العزل ، وقيل : روي عن علي رضي الله تعالى عنه القولان جميعا ، واحتج من كره العزل بأنه الوأد الخفي كما روي عن عائشة ، واتفق أئمة الفتوى على جواز العزل عن الحرة إذا أذنت فيه لزوجها .

                                                                                                                                                                                  واختلفوا في الأمة المزوجة فقال مالك وأبو حنيفة : الإذن في ذلك لمولاها ، وقال أبو يوسف : الإذن إليها [ ص: 104 ] وقال الشافعي : يعزل عنها بدون إذنها وبدون إذن مولاها .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية