الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  افتتح كتاب الغسل بالآيتين الكريمتين إشعارا بأن وجوب الغسل على الجنب بنص القرآن. قوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا أي اغسلوا أبدانكم على وجه المبالغة، والجنب يستوي فيه الواحد والاثنان، والجمع، والمذكر، والمؤنث؛ لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب، يقال: أجنب يجنب إجنابا، والجنابة الاسم وهو في اللغة البعد، وسمي الإنسان جنبا لأنه نهي أن يقرب من مواضع الصلاة ما لم يتطهر، ويجمع على أجناب وجنبين. وقوله: "فاطهروا " القاعدة تقتضي أن يكون أصله: "تطهروا"، فلما قصدوا الإدغام قلبت التاء طاء، فأدغم في الطاء، واجتلبت همزة الوصل، ومعناه "طهروا أبدانكم"، قلت: أصله من باب التفعل ليدل على التكلف والاعتمال، وكذلك باب الافتعال يدل عليه نحو "اطهر"، أصله من طهر يطهر، فنقل طهر إلى باب الافتعال، فصار اطهر على وزن افتعل، فقلبت التاء طاء، وأدغمت الطاء في الطاء، وفيه من التكلف ما ليس في طهر. وتمام الآية: وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون .

                                                                                                                                                                                  وفيها من الأحكام ما استنبط منها الفقهاء على ما عرف في موضعه.

                                                                                                                                                                                  والآية الثانية في سورة النساء: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا ، قوله: " [ ص: 191 ] ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " يدل على فرضية الاغتسال من الجنابة، فقال بعضهم: قدم الآية التي من سورة المائدة على الآية التي من سورة النساء لدقيقة؛ وهي أن لفظة: " فاطهروا " التي في المائدة فيها إجمال، ولفظة: " حتى تغتسلوا " التي في النساء فيها تصريح بالاغتسال، وبيان للتطهر المذكور، قلت: لا إجمال في " فاطهروا "؛ لأن معنى " فاطهروا " اغسلوا أبدانكم كما ذكرنا، وتطهر البدن هو الاغتسال، فلا إجمال لا لغة ولا اصطلاحا على ما لا يخفى.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية