الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2602 16 - حدثنا أبو اليمان ، قال : أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل : وأنذر عشيرتك الأقربين قال يا معشر قريش ، أو كلمة نحوها ، اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قيل : لا مطابقة هنا بين الحديث والترجمة ; لأن الآية في إنذار العشيرة ، وقد أنذرهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تعلق له في دخول النساء ، والولد في الأقارب ، وقال بعضهم : موضع الشاهد منه ، يعني : مطابقة الحديث للترجمة ، تؤخذ من قوله : يا صفية ، ويا فاطمة ، فإنه سوى في ذلك بين عشيرته ، فعمهم أولا ، ثم خص بعض البطون ، ثم ذكر عمه العباس ، وعمته صفية ، وبنته فاطمة ، فدل على دخول النساء في الأقارب ، وعلى دخول الفروع أيضا ، وعلى عدم التخصيص بمن يرث ، ولا بمن كان مسلما ، ويحتمل أن يكون لفظ الأقربين صفة لازمة للعشيرة ، والمراد بعشيرته قومه ، وهم قريش ، وفيه نظر لا يخفى ; لأن الدلالة التي ذكرها في الموضعين ، أي : دلالة من أنواع الدلالات ، وكذلك قوله : وعلى عدم التخصيص ، وكيف وجه هذه الدلالة ، فلا دلالة هنا أصلا على ما ذكره يعرف ذلك بالتأمل .

                                                                                                                                                                                  وأخرج البخاري هذا الحديث في موضعين من التفسير بعين هذا الإسناد ، وأخرجه النسائي في الوصايا عن محمد بن خالد بن خلي ، عن بشر بن شعيب بن أبي حمزة ، عن أبيه به كذلك ، وأخرجه الطحاوي ، حدثنا يونس ، قال : حدثنا سلامة بن روح ، قال : حدثنا عقيل ، حدثني الزهري ، قال : قال سعيد ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حين أنزل عليه وأنذر عشيرتك الأقربين يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ) الحديث ، قال : الطحاوي في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمره الله عز وجل أن ينذر عشيرته الأقربين دعا عشائر قريش ، وفيهم من يلقاه عند أبيه الثاني ، وفيهم من يلقاه عند أبيه الثالث ، وفيهم من يلقاه عند أبيه الرابع ، وفيهم من يلقاه عند أبيه الخامس ، وفيهم من يلقاه عند أبيه السادس ، وفيهم من يلقاه عند آبائه الذين فوق ذلك ، إلا أنه ممن جمعته وإياه قريش ، وقد ذكرنا عن الطحاوي في أول الباب أنه ذكر في هذا الباب خمسة أقوال ، وساق دليل كل واحد منهم ، ثم ذكر أن الصحيح من ذلك كله القول الذي ذهب إليه مالك ، والشافعي ، وأحمد رضي الله تعالى عنهم ، وأبطل بقية الأقوال ، وصرح ببطلان ما ذهب إليه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه ، وما ذهب إليه أبو يوسف ، ومحمد ، فهذا الذي سلكه هو طريق المجتهدين المستنبطين للأحكام من الكتاب ، والسنة ، فلذلك ترك تقليده لأبي حنيفة ، وصاحبيه في هذه المسألة ، [ ص: 48 ] ونقل صاحب ( التلويح ) عن الإسماعيلي أنه قال : حديث أبي هريرة هذا ، وابن عباس أيضا مرسلان ; لأن الآية نزلت بمكة ، وابن عباس كان صغيرا ، وأبو هريرة أسلم بالمدينة ، وأجيب عنه بأنه يمكن أن يكونا سمعا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من صحابي آخر .

                                                                                                                                                                                  ثم إن الإجماع قام على أن اسم الولد يقع على البنين ، والبنات ، وأن النساء التي من صلبه وعصبته كالابنة ، والأخت ، والعمة يدخلن في الأقارب إذا وقف على أقاربه ، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم خص عمته بالنذارة كما خص ابنته ، وكذلك من كان في معناهما ممن يجمعه معه أب واحد ، وروى أشهب ، عن مالك أن الأم لا تدخل ، وقال ابن القاسم : تدخل الأم في ذلك ، ولا تدخل الأخوات لأم .

                                                                                                                                                                                  واختلفوا في ولد البنات ، وولد العمات ممن لا يجتمع مع الموصي ، والمحبس في أب واحد هل يدخلون بالقرابة أم لا ، فقال أبو حنيفة ، والشافعي : إذا وقف وقفا على ولده دخل فيه ولد ولده ، وولد بناته ما تناسلوا ، وكذلك إذا أوصى لقرابته يدخل فيه ولد البنات ، والقرابة عند أبي حنيفة كل ذي رحم فسقط عنده ابن العم ، والعمة ، وابن الخال ، والخالة ، لأنهم ليسوا بمحرمين ، والقرابة عند الشافعي كل ذي رحم محرم ، وغيره ، ولم يسقط عنده ابن العم ، ولا غيره ، وقال صاحب ( التوضيح ) صحح أصحابه أنه لا يدخل في القرابة الأصول ، والفروع ، ويدخل كل قرابة ، وإن بعد ، وقال مالك : لا يدخل في ذلك ولد البنات ، وقوله : لقرابتي وعقبي كقوله لولدي ، وقوله : ولدي يدخل فيه ولد البنين ، ومن يرجع إلى عصبة الأب وصلبه ، ولا يدخل ولد البنات ، وحجة من أدخل ولد البنت قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن ابني هذا سيد في الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما ) ، وقال تعالى : إنا خلقناكم من ذكر وأنثى والتولد من جهة الأم كالتولد من جهة الأب ، وقد دل القرآن على ذلك ، قال تعالى : ومن ذريته داود إلى أن قال : وعيسى ، فجعل عيسى من ذريته ، وهو ابن بنته ، ولم يفرق في الاسم بين ابنه وبين بنته ، وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما سمى الحسن ابنا على وجه التحنن ، وأبوه في الحقيقة علي رضي الله تعالى عنه ، وإليه نسبه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في العباس : ( اتركوا لي أبي ) ، وهو عمه ، وإن كان الأب حقيقة خلافه ، وعيسى عليه الصلاة والسلام جرى عليه اسم الذرية على طريق الاتساع .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( سليني ما شئت ) فيه أن الائتلاف للمسلمين وغيرهم بالمال جائز ، وفي الكافر آكد .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية