الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2631 2 - حدثنا علي بن عبد الله ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثني منصور ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " ولكن جهاد ونية " إلى آخره ، وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني . ويحيى بن سعيد هو القطان [ ص: 80 ] وسفيان هو الثوري ، والحديث مضى في كتاب الحج في باب : لا يحل القتال بمكة ، فإنه أخرجه هناك بأتم منه عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور إلى آخره ، ومضى الكلام فيه هناك ، ولنتكلم أيضا بعض شيء .

                                                                                                                                                                                  فقوله : " لا هجرة " يعني : من مكة ، وأما الهجرة عن المواضع التي لا يتأتى فيها أمر الدين فهي واجبة اتفاقا . وقال الخطابي : كانت الهجرة على معنيين ; أحدهما : أنهم إذا أسلموا وأقاموا بين قومهم أوذوا ، فأمروا بالهجرة إلى دار الإسلام ليسلم لهم دينهم ويزول الأذى عنهم ، والآخر : الهجرة من مكة ، لأن أهل الدين بالمدينة كانوا قليلا ضعيفين ، وكان الواجب على من أسلم أن يهاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن إن حدث حادث استعان بهم في ذلك ، فلما فتحت مكة استغنى عن ذلك ، إذ كان معظم الخوف من أهلها ، فأمر المسلمون أن يقيموا في أوطانهم ويكونوا على نية الجهاد مستعدين لأن ينفروا إذا استنفروا . وقال الطيبي : كلمة " لكن " تقتضي مخالفة ما بعدها لما قبلها ، أي أن المفارقة عن الأوطان المسماة بالهجرة المطلقة انقطعت لكن المفارقة بسبب الجهاد باقية مدى الدهر ، وكذا المفارقة بسبب نية خالصة لله عز وجل كطلب العلم والفرار لدينه ، انتهى . وذكر غير واحد من العلماء أن أنواع الهجرة خمسة أقسام ; الأول : الهجرة إلى أرض الحبشة . الثاني : الهجرة من مكة إلى المدينة . الثالث : هجرة القبائل إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم . الرابع : هجرة من أسلم من أهل مكة . الخامس : هجرة ما نهى الله عنه . وبقي من الهجرة ثلاثة أنواع أخر ; وهي الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة ، وهجرة من كان مقيما ببلاد الكفر ولا يقدر على إظهار الدين فتجب عليه الهجرة ، والهجرة إلى الشام في آخر الزمان عند ظهور الفتن ، على ما رواه أحمد في مسنده من رواية شهر ، قال : سمعت عبد الله بن عمر ، سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : " لتكونن هجرة بعد هجرة إلى مهاجر أبيكم إبراهيم عليه السلام " . الحديث ، ولما روى الترمذي حديث ابن عباس هذا قال : وفي الباب عن أبي سعيد وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن حبشي ; أما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد في مسنده من رواية أبي البختري الطائي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لما نزلت هذه الآية : إذا جاء نصر الله والفتح قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها وقال : " الناس حيز وأنا وأصحابي حيز ، وقال : لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " . قلت : الحيز بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة وفي آخره زاي ، والمعنى : الناس في ناحية وأنا وأصحابي في ناحية . وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه البخاري على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وأخرجه أبو داود والنسائي . وأما حديث عبد الله بن حبشي فأخرجه أبو داود والنسائي من رواية عبيد بن عمير عن عبد الله بن حبشي الخثعمي " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل ؟ قال : طول القنوت . قيل : فأي صدقة أفضل ؟ قال : جهد المقل . قيل : فأي الهجرة أفضل ؟ قال : من هجر ما حرم الله عليه . الحديث

                                                                                                                                                                                  قلت : وفي الباب عن جماعة آخرين ، وهم : عبد الرحمن بن عوف ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وفضالة بن عبيد ، وزيد بن ثابت ، ورافع بن خديج ، ومجاشع بن مسعود ، وغزية بن الحارث - وقيل : الحارث بن غزية - وعبد الله بن وقدان السعدي ، وجنادة بن أبي أمية ، وعبد الله بن عمر ، وجابر بن عبد الله ، وثوبان ومحمد بن حبيب النصري ، وفديك وواثلة بن الأسقع ، وصفوان بن أمية ، ويعلى بن مرة ، وعمر بن الخطاب ، وأبو هريرة ، وابن مسعود ، وأبو مالك الأشعري ، وعائشة ، وأبو فاطمة رضي الله تعالى عنهم .

                                                                                                                                                                                  أما حديث عبد الرحمن بن عوف فأخرجه أحمد والطبراني من رواية مالك بن يخامر عن ابن السعدي ، أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : " لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل " ، فقال معاوية وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الهجرة خصلتان ; إحداهما تهجر السيئات ، والأخرى تهاجر إلى الله ورسوله ، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة " . ورواه البزار مقتصرا على حديث عبد الرحمن بن عوف ومعاوية وحده ، رواه أبو داود والنسائي بلفظ " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث فضالة بن عبيد فأخرجه ابن ماجه من رواية عمرو بن مالك عن فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم : " المهاجر من هجر الخطايا والذنوب " .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث زيد بن ثابت ورافع بن خديج ، فأخرجه أحمد في مسنده من رواية أبي البختري عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث فيه : " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " ، فقال له مروان : كذبت .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 81 ] وعنده رافع بن خديج وزيد بن ثابت ، وهما قاعدان معه على السرير ، فقال أبو سعيد : لو شاء هذان لحدثاك . فرفع عليه مروان الدرة ليضربه ، فلما رأيا ذلك قالا : صدق .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث مجاشع بن مسعود ، فأخرجه أحمد في مسنده من رواية يحيى بن إسحاق عن مجاشع بن مسعود ، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بابن أخ له ليبايعه على الهجرة ، " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا بل على الإسلام ، فإنه لا هجرة بعد الفتح " .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث غزية بن الحارث ، فأخرجه الطبراني في الكبير من رواية عبد الله بن رافع ، عن غزية بن الحارث ، أنه سمع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : " لا هجرة بعد الفتح ، إنما هي ثلاث : الجهاد والنية والحشر " .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث عبد الله بن وقدان السعدي ، فأخرجه النسائي من رواية بشر بن عبيد الله ، عن عبد الله بن وقدان السعدي ، قال : وفدت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم - كلنا نطلب حاجة وكنت آخرهم دخولا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إني تركت من خلفي وهم يقولون إن الهجرة قد انقطعت . قال : " لن تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار " .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث جنادة بن أمية فأخرجه أحمد من رواية أبي الخير أن جنادة بن أبي أمية حدثه أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال بعضهم : إن الهجرة قد انقطعت ، فاختلفوا في ذلك ، قال : فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، إن ناسا يقولون إن الهجرة قد انقطعت ؟ " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد " .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه أحمد في مسنده في رواية شهر ، قال : سمعت عبد الله بن عمر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لتكونن هجرة بعد هجرة إلى مهاجر أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام " .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه ابن منيع في مسنده عن حجاج عن أبي الزبير عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ " المهاجر من هجر ما نهى الله عنه " .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث ثوبان فأخرجه البزار في مسنده من رواية أبي الأشعث الصنعاني عن ابن عثمان عن ثوبان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار " .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث محمد بن حبيب النصري فأخرجه البزار أيضا من رواية أبي إدريس الخولاني عن ابن السعدي عن محمد بن حبيب النصري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ الذي قبله .

                                                                                                                                                                                  أما حديث فديك ، فأخرجه الطبراني في الكبير من رواية الزهري عن صالح بن بشير بن فديك ، أن جده فديكا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أقم الصلاة ، وآت الزكاة ، واهجر السوء واسكن من أرض قومك حيث شئت ، وهذا مرسل ، فإن صالح بن بشير لم يسنده إلى جده ، وإنما روى القصة من عنده مرسلة " .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث واثلة بن الأسقع ، فأخرجه الطبراني أيضا من رواية عمرو بن عبد الله الحضرمي ، عن واثلة بن الأسقع ، قال : خرجت مهاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " ما حاجتك ؟ قلت : الإسلام ، فقال هو خير لك . قال : وتهاجر ؟ قلت : نعم . قال : هجرة البادية أو هجرة الباتة . قلت : أيهما أفضل . قال : هجرة الباتة وهجرة الباتة أن تثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهجرة البادية أن ترجع إلى باديتك ، الحديث " .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث صفوان بن أمية فأخرجه النسائي من رواية عبد الله بن طاوس عن أبيه عن صفوان بن أمية ، قال : قلت : يا رسول الله ، إنهم يقولون إن الجنة لا يدخلها إلا من هاجر . قال : " لا هجرة بعد فتح مكة ، لكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا " . .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث يعلى بن أمية ، فأخرجه النسائي أيضا من رواية عبد الرحمن بن أمية ، عن يعلى بن أمية ، قال : جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي أمية ، فقلت : يا رسول الله بايع أبي على الهجرة . " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبايعه على الجهاد وقد انقطعت الهجرة " .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث عمر رضي الله تعالى عنه فأخرجه الأئمة الستة ، وهو حديث الأعمال بالنيات ، الحديث ، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ... .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الطبراني بإسناد رجاله ثقات . وأما حديث أبي مالك الأشعري فأخرجه الطبراني أيضا من رواية عطاء الخراساني عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إن الله أمرني أن آمركم بخمس كلمات ; عليكم بالجهاد ، والسمع والطاعة والهجرة ، الحديث .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فأخرجه مسلم من رواية عطاء عنها قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهجرة فقال : " لا هجرة بعد الفتح " . وأما حديث أبي فاطمة فأخرجه النسائي من رواية كثير بن مرة ، أن أبا فاطمة حدثه [ ص: 82 ] أنه ، " قال : يا رسول الله ، حدثني بعمل أستقيم عليه وأعمله . قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك بالهجرة ، فإنه لا مثل لها " .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية