الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2644 14 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة رضي الله عنه ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ، ولا أجد ما أحملهم عليه ، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله ، والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث ، فإن فيه تمني الشهادة ، وهذا السند بعينه قد مضى غير مرة . وأبو اليمان الحكم بن نافع . وهذا الحديث روي عن أبي هريرة من وجه ، ومضى في كتاب الإيمان في باب : الجهاد من الإيمان .

                                                                                                                                                                                  قوله : " والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم " وفي رواية أبي زرعة وأبي صالح : " لولا أن أشق على أمتي " ، ورواية الباب تفسر المراد بالمشقة المذكورة ، وهي أن نفوسهم لا تطيب بالتخلف ، ولا يقدرون على التأهب لعجزهم عن آلة السفر من مركوب وغيره وتعذر وجوده عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وصرح بذلك في رواية همام ولفظه " ولكن لا أجد سعة فأحملهم ، ولا يجدون سعة فيتبعوني ، ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي " . قوله : " عن سرية " أي : قطعة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو ، وجمعه السرايا ، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر ، وخيارهم من الشيء السري النفيس . قوله : " والذي نفسي بيده لوددت " ووقع في رواية أبي زرعة بلفظ " ولددت أني أقتل " بحذف القسم . قوله : " أني أقتل في سبيل الله " استشكل بعضهم صدور هذا اليمين من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مع علمه بأنه لا يقتل ، وأجاب ابن التين بأن ذلك لعله كان قبل نزول قوله تعالى : والله يعصمك من الناس واعترض عليه بأن نزول هذه الآية كان في أوائل ما قدم المدينة ، وقد صرح أبو هريرة بسماعه من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكان قدومه في أوائل سنة سبع من [ ص: 96 ] الهجرة ، وأجاب بعضهم بأن تمني الفضل والخير لا يستلزم الوقوع . قلت : أو هو ورد على المبالغة في فضل الجهاد والقتل فيه ، وسيجيء عن أنس في الشهيد " أنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة " ، وروى الحاكم بسند صحيح عن جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أصحاب أحد قال : " والله لوددت أني غودرت مع أصحابي بفحص الجبل " ، وفحص الجبل ما بسط منه ، وكشف من نواحيه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمنى من أفعال الخير ما يعلم أنه لا يعطاه ، حرصا منه على الوصول إلى أعلى درجات الشاكرين وبذلا لنفسه في مرضاة ربه وإعلاء كلمة دينه ورغبته في الازدياد من ثواب ربه ولتتأسى به أمته في ذلك ، وقد يثاب المرء على نيته ، وسيأتي في كتاب التمني ما يتمناه الصالحون مما لا سبيل إلى كونه . وفيه إباحة القسم بالله على كل ما يعتقده المرء بما يحتاج فيه إلى يمين وما لا يحتاج ، وكذا ما كان يقول في كلامه " لا ومقلب القلوب " ، لأن في اليمين بالله توحيدا وتعظيما له تعالى ، وإنما يكره تعمد الحنث . وفيه أن الجهاد ليس بفرض معين على كل أحد ، ولو كان معينا ما تخلف الشارع ولا أباح لغيره التخلف عنه ، ولو شق على أمته ، إذا كانوا يطيقونه هذا إذا كان العدو لم يفجأ المسلمين في دارهم ولا ظهر عليهم ، وإلا فهو فرض عين على كل من له قوة . وفيه أن الإمام والعالم يجوز لهما ترك فعل الطاعة إذا لم يطق أصحابه ونصحاؤه على الإتيان بمثل ما يقدر عليه هو منها إلى وقت قدرة الجميع عليها ، وذلك من كرم الصحبة وآداب الأخلاق . وفيه عظم فضل الشهادة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية