الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2651 21 - حدثنا محمد بن سعيد الخزاعي ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن حميد ، قال : سألت أنسا حدثنا عمرو بن زرارة ، قال : حدثنا زياد ، قال : حدثني حميد الطويل ، عن أنس رضي الله عنه ، قال : غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر ، فقال : يا رسول الله ، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين ، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع ، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون ، قال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال : يا سعد بن معاذ ، الجنة ورب النضر ، إني أجد ريحها من دون أحد . قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع . قال أنس : فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه ، قال أنس : كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه إلى آخر الآية ، وقال : إن أخته وهي تسمى الربيع كسرت ثنية امرأة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص ، فقال أنس : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها . فرضوا بالأرش وتركوا القصاص ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للآية التي هي ترجمة من حيث إنها نزلت في المذكورين فيه ، وهو ظاهر .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم ستة ; الأول : محمد بن سعيد بن الوليد ، أبو بكر الخزاعي ، بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وبالعين . الثاني : عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي ، بالسين المهملة . الثالث : حميد الطويل . الرابع : عمرو بن زرارة ، بضم الزاي وتخفيف الراءين بينهما ألف ، ابن واقد الهلالي . الخامس : زياد ، بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف ، ابن عبد الله العامري البكائي ، بفتح الباء الموحدة وتشديد الكاف وبالهمزة بعد الألف ، قال ابن معين : لا بأس به في المغازي خاصة ، مات سنة ثلاث وثمانين ومائة . السادس : أنس بن مالك .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع ، وبصيغة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه السؤال ، وفيه القول في ثلاثة مواضع . وفيه أن شيخه محمد بن سعيد يلقب بمردويه ، وأنه من أفراده ، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في غزوة خيبر ، وهو ومحمد بن سعيد وحميد وعبد الأعلى بصريون ، وزياد كوفي ، وعمرو بن زرارة نيسابوري . وفيه أن زيادا لم يذكر منسوبا في أكثر الروايات ، وهو صاحب ابن إسحاق وراوي المغازي عنه ، وليس له ذكر في البخاري غير هذا الموضع . وفيه طريقان الأول فيه رواية عبد الأعلى بتصريح حميد له بالسماع من أنس ، فأمن من التدليس ، الثاني فيه سياق الحديث ، والحديث رواه مسلم من رواية ثابت عن أنس قال أنس : غاب عمي - الذي سميت به - لم يشهد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بدرا ، قال : فشق عليه ، قال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم غبت عنه ، وإن أراني الله مشهدا بعد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ليريني الله ما أصنع ، قال : فهاب أن يقول غيرها ، قال : فشهد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم [ ص: 103 ] يوم أحد ، قال : فاستقبل سعد بن معاذ فقال له أنس : يا أبا عمرو أين ، فقال : واها لريح الجنة ، أجده دون أحد ، قال : فقاتلهم حتى قتل ، قال : فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية ، قال : فقالت أخته عمتي الربيع بنت النضر فما عرفت أخي إلا ببنانه ، ونزلت هذه الآية رجال صدقوا الآية ، قال : وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه . وأخرجه الترمذي والنسائي أيضا .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " غاب عمي أنس بن النضر " قد مر في رواية مسلم ، " قال أنس : غاب عمي الذي سميت به " ، والنضر بالنون والضاد المعجمة . قوله : " أول قتال " لأن غزوة بدر هي أول غزوة غزا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، وهي في السنة الثانية من الهجرة . قوله : " لئن الله أشهدني " أي : أحضرني ، واللام في " لئن " مفتوحة ، دخلت على أن الشرطية لا جزاء له لفظا وحذف فعل الشرط فيه من الواجبات ، والتقدير : لئن أشهدني الله . قوله : " قتال المشركين " منصوب بقوله " أشهدني " . قوله : " ليرين الله " جواب القسم المقدر لأن اللام للقسم ونون التأكيد فيه ثقيلة وما قبلها مفتوحة ، وفي رواية مسلم " ليريني الله " كما مر ، وفي رواية " ليراني الله " بالألف ، وفي التلويح وضبط أيضا بضم الياء وكسر الراء ، ومعناه : ليرين الله الناس ما أصنع ويبرزه لهم . وقال القرطبي : كأنه ألزم نفسه إلزاما مؤكدا ولم يظهره مخافة ما يتوقع من التقصير في ذلك ، ويؤيده ما في مسلم " فهاب أن يقول غيره " ولذلك سماه الله عهدا بقوله : صدقوا ما عاهدوا الله عليه وفي رواية الترمذي كرواية البخاري .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ما أصنع " ، قال بعضهم : أعربه النووي بدلا من ضمير المتكلم . قلت : هذا لا يصح إلا في رواية مسلم ، وأما في رواية البخاري فهو منصوب على المفعولية ، وهذا القائل لم يميز بين الروايتين في الإعراب ، فربما يظن الناظر في رواية البخاري أن ما قاله النووي فيها وليس ذلك إلا في رواية مسلم ، فافهم . قوله : " وانكشف المسلمون " وفي رواية الإسماعيلي " وانهزم الناس " . قوله : " أعتذر أي من فرار المسلمين " . قوله : " وأبرأ " أي : عن قتال المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قوله : " فاستقبله " أي : فاستقبل أنس بن النضر سعد بن معاذ سيد الأوس ، وكان ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد . قوله : " الجنة " بالنصب ، أي : أريد الجنة ، وبالرفع على تقدير : هي مطلوبي . قوله : " ورب النضر " أراد به والده النضر ، قيل : يحتمل أن يريد به ابنه فإنه كان له ابن يسمى النضر ، وكان إذ ذاك صغيرا ، وفي رواية عبد الوهاب " فوالله " وفي رواية عبد الله بن بكر عن حميد عند الحارث بن أبي أسامة عنه " والذي نفسي بيده " . قوله : " ريحها " أي : ريح الجنة . قوله : " من دون أحد " أي : عند أحد ، قال ابن بطال وغيره : يحتمل أن يكون على الحقيقة ، وأنه وجد ريح الجنة حقيقة ، أو وجد ريحا طيبة ذكره طيبها بطيب الجنة ، ويجوز أن يكون أراد أنه استحضر الجنة التي أعدت للشهيد فتصور أنها في ذلك الموضع الذي يقاتل فيه ، فيكون المعنى : إني لأعلم أن الجنة تكتسب في هذا الموضع ، فاشتاق لها . قوله : " قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع " قال ابن بطال : يريد ما استطعت أن أصف ما صنع من كثرة ما أبلى في المشركين . قوله : " فوجدنا به " وفي رواية عبد الله بن بكر " قال أنس فوجدناه بين القتلى وبه " ، قوله : " أو طعنة " كلمة " أو " في الموضعين للتنويع قوله : " وقد مثل " بتشديد الثاء المثلثة من المثلة ، وهو قطع الأعضاء من أنف وأذن وغيرهما . قوله : " ببنانه " البنان الإصبع ، وقيل : طرف الإصبع . وهو الأشهر ، ووقع في رواية محمد بن طلحة بالشك " ببنانه أو بشامته " بالشين المعجمة ، والأولى أكثر والثانية أوجه . قوله : " كنا نرى " بضم النون وفتح الراء . قوله : " أو نظن " شك من الراوي وهما بمعنى واحد وفي رواية أحمد عن يزيد بن هارون عن حميد " فكنا نقول " وفي رواية أحمد بن سنان عن يزيد " فكانوا يقولون " والتردد فيه من حميد ، ووقع في رواية ثابت " وأنزلت هذه الآية " بالجزم دون الشك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وقال إن أخته " أي : أخت أنس بن النضر ، وهي عمة أنس بن مالك ، قوله : " الربيع " بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف ، وقصة الربيع هذه مضت في كتاب الصلح في باب الصلح في الدية . قوله : " لأبره " أي : لأبر قسمه ، وهو ضد الحنث .

                                                                                                                                                                                  وفي هذا الحديث من الفوائد جواز بذل النفس في الجهاد وفضل الوفاء بالعهد ولو شق على النفس حتى يصل إلى إهلاكها ، وإن طلب الشهادة لا يتناوله النهي عن الإلقاء إلى التهلكة . وفيه فضيلة ظاهرة لأنس بن النضر وما كان عليه من صحة الإيمان وكثرة التوقي والتورع وقوة اليقين .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية