الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2742 110 - حدثنا قتيبة قال : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التقى هو والمشركون فاقتتلوا ، فلما مال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم ، وفي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه ، فقال : ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجز فلان ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما إنه من أهل النار ، فقال رجل من القوم : أنا صاحبه ، قال : فخرج معه كلما وقف وقف معه ، وإذا أسرع أسرع معه ، قال : فجرح الرجل جرحا شديدا ، فاستعجل الموت ، فوضع نصل سيفه بالأرض ، وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل على سيفه ، فقتل نفسه ، فخرج الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : أشهد أنك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : وما ذاك ؟ قال : الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار ، فأعظم الناس ذلك ، فقلت : أنا لكم به ، فخرجت في طلبه ، ثم جرح جرحا شديدا ، فاستعجل الموت ، فوضع نصل سيفه في الأرض ، وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه ، فقتل نفسه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك : إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ، وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس ، وهو من أهل الجنة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن الصحابة لما شهدوا برجحان هذا الرجل في أمر الجهاد كانوا يقولون إنه شهيد لو قتل ، ثم لما ظهر منه أنه لم يقاتل لله ، وأنه قتل نفسه علم أنه لا يطلق على كل مقتول في الجهاد أنه شهيد قطعا لاحتمال أن يكون مثل هذا ، وإن كان يعطى له حكم الشهداء في الأحكام الظاهرة .

                                                                                                                                                                                  ويعقوب بن عبد الرحمن بن محمد ، وقد مضى عن قريب ، وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي ، وأخرجه مسلم في الإيمان ، وفي القدر جميعا عن قتيبة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " التقى هو والمشركون " كان ذلك في غزوة خيبر ، وقد أعاد هذا الحديث بعين هؤلاء [ ص: 181 ] الرجال وعين هذا المتن في باب غزوة خيبر ، وقال ابن الجوزي : كان في يوم أحد ، قوله : " وفي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل " واسمه قزمان ، وهو معدود في المنافقين ، وكان تخلف يوم أحد فعيره النساء وقلن له : ما أنت إلا امرأة ، فخرج ، فكان أول من رمى بسهم ، ثم كسر جفن سيفه ، ونادى : يا آل الأوس قاتلوا على الأحساب ، فلما خرج مر به قتادة بن النعمان ، فقال له : هنيئا لك الشهادة ، فقال : إني والله ما قاتلت على دين ، ما قاتلت إلا على الحفاظ ، ثم قتل نفسه ، فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ، قوله : " لا يدع لهم شاذة " بشين وذال معجمتين ، والفاذة بالفاء وتشديد الذال المعجمة . قال الخطابي : الشاذة هي التي كانت في القوم ، ثم شذت منهم ، والفاذة من لم يختلط معهم أصلا ، فوصفه بأنه لا يبقي شيئا إلا أتى عليه ، وقال الداودي : الشاذة والفاذة ما صغر وكبر ويركب كل صعب وذلول ، ويقال : أنث الكلمتين على وجه المبالغة ، كما قالوا : علامة ونسابة ، وقيل : أنث الشاذة ; لأنها بمعنى النسمة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ما أجزأ " بجيم وزاي وهمزة يعني ما أغنى ولا كفى ، وقال القرطبي : كذا صحت فيه روايتان رباعيا ، وفي ( الصحاح ) : أجزأني الشيء كفاني ، وجزا عني هذا الأمر ، أي : قضى ، قوله : " وذبابه " ذباب السيف طرفه الذي يضرب به ، وقال ابن فارس : ذباب السيف حده ، قوله : " بين ثدييه " قال ابن فارس : الثدي للمرأة والجمع الثدي يذكر ويؤنث ، وتندوة الرجل كثدي المرأة ، وهو مهموز إذا ضم أوله فإذا فتح لم يهمز ، ويقال : هو طرف الثدي ، قوله : " ثم تحامل " أي : مال يقال : تحاملت على الشيء إذا تكلفت الشيء على مشقته ، قوله : " فيما يبدو " أي : فيما يظهر .

                                                                                                                                                                                  قال الكرماني : فإن قلت : القتل هو معصية والعبد لا يكفر بالمعصية فهو من أهل الجنة ; لأنه مؤمن . قلت : لعل رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - علم بالوحي أنه ليس مؤمنا أو أنه سيرتد ، حيث يستحل قتل نفسه ، أو المراد من كونه من أهل النار أنه من العصاة الذين يدخلون النار ، ثم يخرجون منها ، انتهى . قلت : لو اطلع الكرماني على أنه كان معدودا في المنافقين أو على قوله : " ما قاتلت على دين " لما تكلف بهذه الترديدات .

                                                                                                                                                                                  وفيه صدق الخبر عما يكون وخروجه على ما أخبر به الشارع ، وهو من علامات النبوة ، وفيه زيادة تطمين في قلوب المؤمنين ، ألا ترى أن الرجل حين رأى أنه قتل نفسه قال حين أخبر به الرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم - : أشهد أنك لرسول الله ، وفيه أن الاعتبار بالخواتيم وبالنيات .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن الله يؤيد دينه بالرجل الفاجر .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية