الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  299 ( وقال الحكم : إني لأذبح ، وأنا جنب . وقال الله : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  الحكم بفتح الحاء المهملة وفتح الكاف ابن عتيبة بضم العين المهملة ، وفتح التاء المثناة من فوق ، وسكون الياء آخر الحروف ، وفتح الباء الموحدة الكوفي ، وقد تقدم في باب السمر بالعلم ، وهذا التعليق وصله البغوي في الجعديات من روايته عن علي بن الجعد ، عن شعبة عنه .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( إني لأذبح ) ، أي : إني لأذبح الذبيحة ، والحال أني جنب ، ولكن لا بد أن أذكر الله تعالى بحكم هذه الآية ، وهي : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وأراد بهذا أن الذبح مستلزم شرعا لذكر الله بمقتضى هذه الآية فدل على أن الجنب يجوز له التلاوة .

                                                                                                                                                                                  واعلم أن البخاري ذكر في هذا الباب ستة من الآثار إلى هنا ، واستدل بها على جواز قراءة الجنب القرآن ، وفي كل ذلك مناقشة ، ورد عليه الجمهور بأحاديث وردت بمنع الجنب عن قراءة القرآن .

                                                                                                                                                                                  منها حديث علي رضي الله تعالى عنه أخرجه الأربعة ، فقال أبو داود : حدثنا حفص بن عمر ، قال : أخبرنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة قال : دخلت على علي رضي الله تعالى عنه أنا ورجلان ، رجل منا ورجل من بني أسد ، أحسب ، فبعثهما علي بعثا . وقال : إنكما علجان فعالجان عن دينكما ، ثم قام فدخل المخرج ، ثم خرج ، فدعا بماء فأخذ منه حفنة ، فتمسح بها ، ثم جعل يقرأ القرآن فأنكروا ذلك ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجيء من الخلاء فيقرأ بنا القرآن ، ويأكل معنا اللحم ، لا يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة . فإن قلت : ذكر البزار أنه لا يروى عن علي إلا حديث عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة . وحكى البخاري عن عمرو بن مرة : كان عبد الله يعني ابن سلمة يحدثنا فنعرف وننكر ، وكان قد كبر ، ولا يتابع في حديثه ، وذكر الشافعي هذا الحديث . وقال : وإن لم يكن أهل الحديث يثبتونه . وقال البيهقي : وإنما توقف الثاني : في ثبوت هذا الحديث ; لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي ، وكان قد كبر ، وأنكر من حديثه ، وعقله بعض النكرة ، وإنما روى هذا الحديث بعد كبر ، قاله شعبة ، وذكر الخطابي أن الإمام أحمد كان يوهن حديث علي هذا ، ويضعف أمر عبد الله بن سلمة ، وذكره ابن الجوزي في الضعفاء ، والمتروكين . وقال النسائي : يعرف وينكر ، قلت : الترمذي لما أخرجه قال : حديث حسن صحيح ، وصححه ابن حبان أيضا . وقال الحاكم في عبد الله بن سلمة أنه غير مطعون فيه . وقال العجلي : تابعي ثقة . وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( لا يحجزه ) بالزاي المعجمة ، أي : لا يمنعه ، ويروى بالراء المهملة بمعناه ، ويروى : لا يحجبه بمعناه أيضا .

                                                                                                                                                                                  ومنها : حديث ابن عمر أخرجه الترمذي ، وابن ماجه ، عن إسماعيل بن عياش ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن ، وضعف هذا الحديث بإسماعيل بن عياش ، قال البيهقي : روايته عن أهل الحجاز ضعيفة لا يحتج بها ، قاله أحمد ، ويحيى ، وغيرهما من الحفاظ .

                                                                                                                                                                                  ومنها : حديث جابر رواه الدارقطني في سننه من حديث محمد بن الفضل ، عن أبيه ، عن طاوس ، عن جابر مرفوعا نحوه ، ورواه ابن عدي في الكامل ، وأعله بمحمد بن الفضل ، وأغلظ في تضعيفه ، عن البخاري ، والنسائي ، وأحمد ، وابن معين .

                                                                                                                                                                                  قلت : وربما يعتضدان بحديث علي المذكور ، ولم يصح عند البخاري في هذا الباب حديث ، فلذلك ذهب إلى جواز قراءة الجنب والحائض أيضا ، واستدل على ذلك بما صح عنده وعند غيره من حديث عائشة الذي رواه مسلم الذي ذكر عن قريب ، وقال الطبري في كتاب التهذيب : الصواب أن ما روي منه عليه الصلاة والسلام من ذكر الله على كل أحيانه ، وأنه كان يقرأ ما لم يكن جنبا أن قراءته طاهرا اختيار منه لأفضل الحالتين [ ص: 276 ] والحالة الأخرى أراد تعليم الأمة ، وأن ذلك جائز لهم غير محظور عليهم ذكر الله وقراءة القرآن .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية