الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3192 42 - حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة الأصلية ظاهرة، وأحمد بن صالح أبو جعفر المصري وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أحمد بن صالح، وعن سعيد بن تليد، وأخرجه مسلم في الإيمان وفي الفضائل عن حرملة بن يحيى، وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن حرملة بن يحيى ويونس بن عبد الأعلى.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه): قوله: "نحن أحق بالشك" وسقط في بعض الروايات لفظ الشك، ومعناه نحن أحق بالشك في كيفية الإحياء لا في نفس الإحياء، وعن الشافعي وغيره أن الشك مستحيل في حق إبراهيم - صلى الله تعالى عليه وسلم - ولو كان الشك متطرقا إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكنت أنا أحق به من إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وقد علمتم أن إبراهيم لم يشك، فإذا لم أشك أنا ولم أرتب في القدرة على الإحياء فإبراهيم أولى بذلك، وقيل معناه أن هذا الذي تظنونه شكا فليس بشك، فلو كان شكا لكنت أنا أولى به ولكنه ليس بشك، ولكنه تطلب لمزيد اليقين، وقال عياض: يحتمل أنه أراد أمته الذين يجوز عليهم الشك أو أنه قاله تواضعا مع إبراهيم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إذ قال" أي حين قال قوله: "ويرحم الله لوطا" ولوط - صلى الله عليه وسلم - هو ابن هاران بن آزر، وهو ابن أخي إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وكان ممن آمن بإبراهيم، وهاجر معه إلى مصر، ثم عاد معه إلى الشام، فنزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام فلسطين، ونزل لوط الأردن، ثم أرسله الله إلى أهل سدوم وهي عدة قرى، وقال مقاتل: وبلادهم ما بين الشام والحجاز بناحية زغر، وكانت اثنتي عشرة قرية وتسمى المؤتفكات من الإفك، وكانوا يعبدون الأوثان ويأتون الفواحش، ويسافد بعضهم بعضا على الطريق، وغير ذلك من المفاسد، وذكر الله لوطا في القرآن في سبعة عشر موضعا، وهو اسم أعجمي، وفيه العلمية والعجمة، ولكنه صرف لسكون وسطه، وقيل اسم عربي من لاط لأن حبه لاط بقلب إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - أي تعلق ولصق.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لقد كان يأوي إلى ركن شديد" وهو إشارة إلى الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد وقال الطيبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لأن كلامه يدل على إقناط كلي ويأس شديد من أن يكون له ناصر ينصره، وكأنه - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - استغرب ذلك القول وعده نادرا منه؛ إذ لا ركن أشد من الركن الذي كان يأوي إليه، وقال الزمخشري: معناه إلى قوي أستند إليه وأمتنع به فيحميني منكم، شبه القوي العزيز بالركن من الجبل في شدته ومنعته، وقال النووي - رحمه الله تعالى - يجوز أنه نسي الالتجاء إلى الله في حمايته الأضياف، أو أنه التجأ إلى الله فيما بينه وبين الله وأظهر للأضياف العذر وضيق الصدر.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف" وقد لبث سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لأجبت الداعي" يعني لأسرعت إلى الإجابة إلى الخروج من السجن، ولما قدمت العذر قال الله تعالى: فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك الآية وصفه رسول الله عليه الصلاة والسلام بالصبر؛ حيث لم يبادر إلى الخروج، وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - ذلك تواضعا لا أنه كان في الأمر منه مبادرة وعجلة لو كان مكان يوسف، والتواضع لا يصغر [ ص: 268 ] كبيرا، بل يزيده إجلالا وقدرا، وقيل هو من جنس قوله: "لا تفضلوني على يونس" وقيل: إنه كان قبل أن يعلم أنه أفضل من الجميع، والله أعلم وأحكم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية