الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3220 69 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو بن دينار، قال أخبرني سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل إنما هو موسى آخر، فقال: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فقال له: بلى، لي عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي رب ومن لي به؟ وربما قال سفيان: أي رب وكيف لي به؟ قال: تأخذ حوتا فتجعله في مكتل حيثما فقدت الحوت فهو ثم، وربما قال فهو ثمه، وأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق هو وفتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فرقد موسى واضطرب الحوت فخرج فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا فأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار مثل الطاق، فقال هكذا مثل الطاق، فانطلقا يمشيان بقية ليلتهما ويومهما حتى إذا كان من الغد قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ولم يجد [ ص: 298 ] موسى النصب حتى جاوز حيث أمره الله، قال له فتاه: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا فكان للحوت سربا ولهما عجبا، قال له موسى: ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب فسلم موسى فرد عليه، فقال: وأنى بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا قال: يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، قال: هل أتبعك قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا إلى قوله: إمرا فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة كلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول، فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو نقرتين، قال له الخضر: يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر، إذ أخذ الفأس فنزع لوحا قال فلم يفجأ موسى إلا وقد قلع لوحا بالقدوم، فقال له موسى: ما صنعت؟! قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فكانت الأولى من موسى نسيانا، فلما خرجا من البحر مروا بغلام يلعب مع الصبيان فأخذ الخضر برأسه فقلعه بيده، هكذا وأومأ سفيان بأطراف أصابعه كأنه يقطف شيئا، فقال له موسى: أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض مائلا أومأ بيده هكذا، وأشار سفيان كأنه يمسح شيئا إلى فوق، فلم أسمع سفيان يذكر مائلا إلا مرة، قال: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا عمدت إلى حائطهم لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا قال النبي صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر فقص الله علينا من خبرهما. قال سفيان: قال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله موسى لو كان صبر لقص علينا من أمرهما، وقرأ ابن عباس أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا، وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين، ثم قال لي سفيان: سمعته منه مرتين وحفظته منه. قيل لسفيان: حفظته قبل أن تسمعه من عمرو أو تحفظته من إنسان؟ فقال: ممن أتحفظه ورواه أحد عن عمرو غيري سمعته منه مرتين أو ثلاثا وحفظته منه

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا طريق آخر في حديث ابن عباس، أخرجه عن علي بن عبد الله بن المديني، عن سفيان بن عيينة إلى آخره، وقد مر هذا أيضا [ ص: 299 ] في كتاب العلم في باب ما يستحب للعالم إذا سئل إلى آخره، وأخرجه عن عبد الله بن محمد المسندي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك.

                                                                                                                                                                                  ونوف بفتح النون منصرف وغير منصرف البكالي بكسر الباء الموحدة وتخفيف الكاف وباللام وهو المشهور، وقد يقال بفتح الباء وتشديد الكاف نسبة إلى بكال بن دعمي بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة بن سبأ.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كذب عدو الله" إنما قال ذلك على سبيل التغليظ لا على قصد إرادة الحقيقة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ومن لي به" أي: ومن يتكفل لي برؤيته؟

                                                                                                                                                                                  قوله: "في مكتل" بكسر الميم وهو الزنبيل.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فهو ثم" بفتح الثاء المثلثة اسم يشار به إلى المكان البعيد، وهو ظرف لا يتصرف.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثمة" أي بالتاء المثناة من فوق، كما يقال رب وربة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "مسجى" أي مغطى.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وأنى" هو للاستفهام أي من أين سلام في هذه الأرض التي أنت فيها؛ إذ أهلها لا يعرفون السلام؟!

                                                                                                                                                                                  قوله: "بغير نول" أي بغير أجرة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إلا مثل ما نقص" تشبيه في الحقارة والقلة لا المماثلة من كل الوجوه، وقيل: هذا تشبيه على التقريب إلى الإفهام لا على التحقيق.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فلم يفجأ" بالجيم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بغلام" اسمه جيسون بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وضم السين المهملة وبالنون، وقال الدارقطني بالراء بدل النون.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ملك" اسمه هدد بفتح الهاء المهملة ابن بدد بفتح الباء الموحدة وبفتح الدالين المهملتين، وقيل بضم الهاء وضم الباء.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أمامهم " أي وراءهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أو تحفظته " شك من علي بن عبد الله، يعني قيل لسفيان: حفظته أو تحفظته من إنسان قبل أن تسمعه من عمرو.

                                                                                                                                                                                  وقوله: ورواه أي "أرواه" همزة الاستفهام فيه محذوفة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية