الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  328 2 - ( حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا هشيم ح ، قال : وحدثني سعيد بن النضر ، قال : أخبرنا هشيم ، قال : أخبرنا سيار ، قال : حدثنا يزيد هو ابن صهيب الفقير ، قال : أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لإحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مناسبة إيراد هذا الحديث ومطابقته للترجمة المطلقة في قوله " وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " ( ذكر رجاله ) وهم ستة ، الأول : محمد بن سنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون العوقي بفتح العين المهملة والواو وبالقاف ، الباهلي البصري ، مر في أول كتاب العلم ، تفرد به البخاري . الثاني : هشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف ابن بشير بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة أبو معاوية الواسطي ، قال ابن عون : مكث هشيم يصلي الفجر بوضوء عشاء الآخرة قبل أن يموت بعشر سنين ، مات سنة ثلاث وثمانين ومائة ببغداد . الثالث : سعيد بن النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة أبو عثمان البغدادي ، مات بساحل جيحون . الرابع : سيار بفتح السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف ، وبالراء ابن أبي سيار ، ورد أن أبو الحكم بفتح الكاف الواسطي مات بواسط سنة اثنتين وعشرين ومائة . الخامس : يزيد - من الزيادة - بن صهيب مصغرا مخففا ، الفقير ضد الغني ، أبو عثمان الكوفي ، أحد مشايخ الإمام أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - وقيل : : له : الفقير لأنه كان يشكو فقار ظهره ولم يكن فقيرا من المال ، وفي ( المحكم ) رجل فقير مكسور [ ص: 8 ] فقار ظهره ، ويقال له : فقير بالتشديد أيضا . السادس : جابر بن عبد الله الأنصاري تقدم في كتاب الوحي .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه أن رواته ما بين بصري وواسطي وبغدادي وكوفي ، وفيه صورة " ح " إشارة إلى التحويل من إسناد إلى إسناد يعني يروي البخاري عن هشيم بواسطة شيخه . أحدهما : محمد بن سنان ، والآخر : سعيد بن النضر ، وفيه أن سيار المذكور متفق على توثيقه ، وأخرج له الأئمة الستة وغيرهم ، وقد أدرك بعض الصحابة لكن لم يلق أحدا منهم فهو من كبار أتباع التابعين ، ولهم شيخ آخر يقال له : سيار ، لكنه تابعي شامي ، أخرج له الترمذي ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وروي - يعني حديث الباب - عن أبي أمامة ، ولم ينسب في الرواة كما لم ينسب سيار هذا في هذا الحديث ، وربما لم يميز بينهما من لا وقوف له على هذا فيتوهم أن في الإسناد اختلافا وليس كذلك . ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الصلاة وفي الخمس ، وأخرجه مسلم في الصلاة عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة ، وأخرجه النسائي في الطهارة بتمامه وفي الصلاة ببعضه عن الحسن بن إسماعيل به .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لغاته ومعناه ) قوله : " أعطيت خمسا " أي : خمس خصال وعند مسلم من حديث أبي هريرة : " فضلت على الأنبياء - عليهم السلام - بست : أعطيت جوامع الكلم ، وختم بي النبيون " الحديث ، وعنده أيضا من حديث حذيفة " فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وتربتها لنا طهورا ، إذا لم نجد الماء " ولفظ الدارقطني " وترابها طهورا " وعند النسائي " وأوتيت هؤلاء الآيات آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعط أحد منه قبلي ولا يعطى منه أحد بعدي " وعند أبي محمد بن الجارود في المنتقى من حديث أنس - رضي الله تعالى عنه - " جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا " وعن أبي أمامة أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله تعالى قد فضلني على الأنبياء - أو قال أمتي على الأمم - بأربع ، جعل الأرض كلها لي ولأمتي طهورا ومسجدا ، فأينما أدركت الرجل من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره ، ونصرت بالرعب يسير بين يدي مسيرة شهر يقذف في قلوب أعدائي " الحديث ، وفي حديث ابن عباس عند أبي داود " وأوتيت الكوثر " وفي حديث علي عند أحمد " وأعطيت مفاتيح الأرض ، وسميت أحمد ، وجعل لي التراب طهورا ، وجعلت أمتي خير الأمم " وعنده أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال - صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك عام غزوة تبوك . وفي حديث السائب ابن أخت النمر " فضلت على الأنبياء - عليهم السلام - أرسلت إلى الناس كافة ، وادخرت شفاعتي لأمتي ، ونصرت بالرعب شهرا أمامي وشهرا خلفي ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت لي الغنائم " ( قلت ) السائب المذكور هو ابن يزيد بن سعيد المعروف بابن أخت نمر ، قيل : إنه ليثي كناني ، وقيل : أزدي ، وقيل : كندي حليف بني أمية ، ولد في السنة الثانية ، وخرج في الصبيان إلى ثنية الوداع ، وتلقى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - مقدمه من تبوك وشهد حجة الوداع وذهبت به خالته وهو وجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعا له ومسح برأسه وقال : نظرت إلى خاتم النبوة . وفي تاريخ نيسابور للحاكم وأحل لي الأخماس .

                                                                                                                                                                                  وإذا تأملت وجدت هذه الخصال اثنتي عشرة خصلة ، ويمكن أن توجد أكثر من ذلك عند إمعان التتبع ، وقد ذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب شرف المصطفى أن الذي اختص به نبينا - صلى الله عليه وسلم - من بين سائر الأنبياء - عليهم السلام - ستون خصلة ، ( فإن قلت ) بين هذه الروايات تعارض ؛ لأن المذكور فيها الخمس والست والثلاث ( قلت ) قال القرطبي : لا يظن أن هذا تعارض ، وإنما هذا من توهم أن ذكر الأعداد يدل على الحصر وليس كذلك فإن من قال عندي خمسة دنانير مثلا لا يدل هذا اللفظ على أنه ليس عنده غيرها ويجوز له أن يقول مرة أخرى عندي عشرون ، ومرة أخرى ثلاثون ، فإن من عنده ثلاثون صدق عليه أن عنده عشرين وعشرة فلا تعارض ولا تناقض ويجوز أن يكون الرب - سبحانه وتعالى - أعلمه بثلاث ثم بخمس ثم بست ( قلت ) حاصل هذا أن التنصيص على الشيء بعدد لا يدل على نفي ما عداه ، وقد علم في موضعه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لم يعطهن أحد قبلي " قال الداودي : يعني لم يجمع لأحد قبله هذه الخمس : لأن نوحا - عليه السلام - بعث إلى كافة الناس ، وأما الأربع فلم يعط واحدة منهن قبله أحدا ، وأما كونها مسجدا فلم يأت أن غيره منع منها ، وقد كان عيسى - عليه الصلاة والسلام - يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة ، وزعم بعضهم أن نوحا - عليه السلام - بعد خروجه من السفينة كان مبعوثا إلى كل من في الأرض لأنه لم يبق إلا من كان مؤمنا وقد كان [ ص: 9 ] مرسلا إليهم وأجيب عن ذلك بأن هذا العموم الذي في رسالته لم يكن في أصل البعثة وإنما وقع لأجل الحادث الذي حدث وهو انحصار الخلق في الموجودين معه بهلاك سائر الناس وعموم رسالة نبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم - في أصل البعثة ، وزعم ابن الجوزي أنه كان في الزمان الأول إذا بعث نبي إلى قوم بعث غيره إلى آخرين وكان يجتمع في الزمن الواحد جماعة من الرسل ، فأما نبينا - عليه الصلاة والسلام - فإنه انفرد بالبعثة فصار بذلك للكل من غير أن يزاحمه أحد .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) يقول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشفاعة : أنت أول رسول إلى أهل الأرض فدل على أنه كان مبعوثا إلى كل من في الأرض ( قلت ) ليس المراد به عموم بعثته بل إثبات أولية إرساله ، ولئن سلمنا أنه يكون مرادا فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على أن إرسال نوح - عليه الصلاة والسلام - إلى قومه ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم ( فإن قلت ) لو لم يكن مبعوثا إلى أهل الأرض كلهم لما أهلكت كلهم بالغرق إلا أهل السفينة لقوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( قلت ) قد يجوز أن يكون غيره أرسل إليهم في ابتداء مدة نوح وعلم نوح - صلى الله تعالى عليه وسلم - بأنهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه وغيرهم ، قيل : هذا جواب حسن ولكن لم ينقل أنه نبئ في زمن غيره ( قلت ) يحتمل أنه قد بلغ جميع الناس دعاؤه قومه إلى التوحيد فتمادوا على الشرك فاستحقوا العذاب ، وإلى هذا ذهب يحيى بن عطية في تفسيره سورة هود - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : وغير ممكن أن نبوته لم تبلغ القريب والبعيد لطول مدته ، وقال القشيري : توحيد الله تعالى يجوز أن يكون عاما في حق بعض الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وإن كان التزام فروع شرعه ليس عاما لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم ( قلت ) فيه نظر لا يخفى ، وأجاب بعضهم بأنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح فبعثته خاصة لكونها إلى قومه فقط لعدم وجود غيرهم لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم ، ( قلت ) وفيه نظر أيضا لأنه تكون بعثته عامة لقومه لكونهم هم الموجودين ، وعندي جواب آخر وهو جيد - إن شاء الله تعالى - وهو أن الطوفان لم يرسل إلا على قومه الذين هو فيهم ولم يكن عاما .

                                                                                                                                                                                  قوله : " نصرت بالرعب " زاد أبو أمامة " يقذف في قلوب أعدائي " كما ذكرناه وهو بضم الراء وسكون العين : الخوف ، وقرأ ابن عامر والكسائي بضم العين والباقون بسكونها ، يقال : رعبت الرجل أرعبته رعبا أي : ملأته خوفا ، ولا يقال : أرعبته ، كذا ذكره أبو المعالي ، وحكي عن ابن طلحة أرعبته ورعبته فهو مرعب ، وفي المحكم فهو رعيب ورعبته ترعيبا وترعابا فرعب ، وفي الجامع للقزاز رعبته فأنا راعب ويقال : رعب فهو مرعوب ، والاسم الرعب بالضم وفي الموعب لابن التياني رجل رعب ومرتعب وقد رعب ورعب . قوله " مسيرة شهر " ، والنكتة في جعل الغاية شهرا لأنه لم يكن بين المدينة وبين أحد من أعدائه أكثر من شهر ، قوله : " وجعلت لي الأرض مسجدا " أي : موضع سجود ، وهو وضع الجبهة على الأرض ولم يكن اختص السجود منها بموضع دون موضع ، ويحتمل أن يكون المراد من المسجد هو المسجد المعروف الذي يصلي فيه القوم فإذا كان جوازها في جميعها كان المسجد المعهود كذلك ، وقال القاضي عياض من كان قبله من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - إنما أبيح لهم الصلاة في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس ، وقيل : في موضع يتيقنون طهارته من الأرض ، وخصت هذه الأمة بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا في المواضع المستثناة بالشرع أو موضع تيقنت نجاسته . ( فإن قلت ) كان عيسى - عليه السلام - يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة ( قلت ) ذكر مسجدا وطهورا ، وهذا مختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يجوز له أن يصلي في أي موضع أدركته الصلاة فيه ، وكذلك التيمم منه ، ولم يكن لعيسى - عليه السلام - إلا الصلاة دون التيمم ، قوله : " فأيما رجل " لفظ : ( أي ) مبتدأ متضمن لمعنى الشرط ، ولفظة " ما " زيدت لزيادة التعميم ، وقوله " فليصل " خبر المبتدأ ودخول الفاء فيه لكون المبتدأ متضمنا لمعنى الشرط ، وقيل : معناه فليتيمم ، وليصل ليناسب الأمرين المسجد والطهور ، قوله : " من أمتي " يتعلق بمحذوف تقديره كائن من أمتي ، وقوله : " أدركته الصلاة " جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الجر لأنها صفة رجل ، قوله : " الغنائم " ، وفي رواية الكشميهني " المغانم " والغنائم جميع غنيمة ، وهي مال حصل من الكفار بإيجاف خيل وركاب ، والمغانم جمع مغنم ، وقال الجوهري : الغنيمة والمغنم بمعنى واحد ، قال الخطابي : كان من تقدم على ضربين : منهم من لم يؤذن [ ص: 10 ] له في الجهاد ، فلم يكن لهم مغانم ، ومنهم من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا شيئا لم يحل لهم أن يأكلوه ، وجاءت نار فأحرقته ، وقيل : المراد أنه خص بالتصرف من الغنيمة يصرفها كيف شاء ، والأول أصوب ، وهو أن من مضى لم يحل لهم أصلا . قوله " الشفاعة " هي سؤال فعل الخير وترك الضرر عن الغير لأجل الغير على سبيل الضراعة ، وذكر الأزهري في تهذيبه عن المبرد وثعلب أن الشفاعة الدعاء ، والشفاعة كلام الشفيع للملك عند حاجة يسألها لغيره . وعن أبي الهيثم أنه قال : ( من يشفع شفاعة حسنة ) أي : من يزدد عملا إلى عمل ، وفي الجامع : الشفاعة الطلب من فعل الشفيع ، وشفعت لفلان إذا كان متوسلا بك فشفعت له وأنت شافع له وشفيع . وقال ابن دقيق العيد : الأقرب أن اللام فيها للعهد ، والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف ، ولا خلاف في وقوعها ، وقيل : الشفاعة التي اختص بها أنه لا يرد فيما يسأل ، وقيل : الشفاعة لخروج من في قلبه ذرة من إيمان من النار ، وقيل : في رفع الدرجات في الجنة ، وقيل : قوم استوجبوا النار فيشفع في عدم دخولهم إياها ، وقيل : إدخال قوم الجنة بغير حساب ، وهي أيضا مختصة به - صلى الله عليه وسلم - ، قوله : " وبعثت إلى الناس عامة " أي : لقومه ولغيرهم من العرب والعجم والأسود والأحمر ، قال الله تعالى : وما أرسلناك إلا كافة للناس

                                                                                                                                                                                  ( ذكر استنباط الأحكام ) الأول : ما قاله ابن بطال فيه دليل أن الحجة تلزم بالخبر كما تلزم بالمشاهدة ، وذلك أن المعجزة باقية مساعدة للخبر ، مبينة له ، دافعة لما يخشى من آفات الأخبار ، وهي القرآن الباقي ، وخص الله سبحانه وتعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - ببقاء معجزته لبقاء دعوته ، ووجوب قبولها على من بلغته إلى آخر الزمان .

                                                                                                                                                                                  الثاني : فيه ما خصه الله به من الشفاعة ، وهو أنه لا يشفع في أحد يوم القيامة إلا شفع فيه كما ورد : " قل يسمع اشفع تشفع " ولم يعط ذلك من قبله من الأنبياء عليهم السلام . الثالث : في قوله : " فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل " يعني يتيمم ويصلي دليل على تيمم الحضري إذا عدم الماء وخاف فوت الصلاة ، وعلى أنه لا يشترط التراب إذ قد تدركه الصلاة في موضع من الأرض لا تراب عليها بل رمل أو جص أو غيرهما . وقال النووي : احتج به مالك وأبو حنيفة في جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض ، وقال أبو عمر : أجمع العلماء على أن التيمم بالتراب ذي الغبار جائز ، وعند مالك : يجوز بالتراب ، والرمل ، والحشيش ، والشجر ، والثلج ، والمطبوخ كالجص والآجر . وقال الثوري والأوزاعي : يجوز بكل ما كان على الأرض حتى الشجر والثلج والجمد . ونقل النقاش عن ابن علية وابن كيسان جوازه بالمسك والزعفران ، وعن إسحاق منعه بالسباخ ، ويجوز عندنا بالتراب ، والرمل ، والحجر الأملس المغسول ، والجص ، والنورة ، والزرنيخ ، والكحل ، والكبريت ، والتوتيا ، والطين الأحمر ، والأسود ، والأبيض ، والحائط المطين ، والمجصص ، والياقوت ، والزبرجد ، والزمرد ، والبلخش ، والفيروزج ، والمرجان ، والأرض الندية ، والطين الرطب . وفي البدائع : ويجوز بالملح الجبلي ، وفي قاضيخان : لا يصح على الأصح . ولا يجوز بالزجاج ويجوز بالآجر في ظاهر الرواية ، وشرط الكرخي أن يكون مدقوقا ، وفي المحيط : لا يجوز بمسبوك الذهب والفضة ، ويجوز بالمختلط بالتراب إذا كان التراب غالبا ، وبالخزف إذا كان من طين خالص ، وفي المرغيناني : يجوز بالذهب ، والفضة ، والحديد ، والنحاس ، وشبهها ما دام على الأرض ، وذكر الشاشي في الحلية : لا يجوز التيمم بتراب خالطه دقيق أو جص ، وحكي وجه آخر أنه يجوز إذا كان التراب غالبا . ولا يصح التيمم بتراب يستعمل في التيمم ، وعند أبي حنيفة يجوز ، وهو وجه لبعض أصحابنا ، ومذهب الشافعي وأحمد : لا يجوز إلا بالتراب الذي له غبار ، واحتجا بحديث حذيفة عند مسلم : " وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا " ، وأجيب عن هذا بقول الأصيلي : تفرد أبو مالك بهذه اللفظة . وقال القرطبي : ولا يظن أن ذلك مخصص له ، فإن التخصيص إخراج ما تناوله العموم عن الحكم ولم يخرج هذا الخبر شيئا ، وإنما عين واحدا مما تناوله الاسم الأول مع موافقته في الحكم ، وصار بمثابة قوله تعالى : فيهما فاكهة ونخل ورمان وقوله تعالى : من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فعين بعض ما تناوله اللفظ الأول مع الموافقة في المعنى على جهة التشريف ، وكذلك ذكر التربة في حديث حذيفة ، ويقال : الاستدلال بلفظ التربة على خصوصية التيمم بالتراب ممنوع ، لأن تربة كل مكان ما فيه من تراب وغيره ، وقال بعضهم : وأجيب بأنه ورد في الحديث المذكور بلفظ التراب ، أخرجه ابن خزيمة وغيره . وفي حديث علي " جعل التراب لي طهورا " أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد حسن والجواب عنه ما ذكرناه الآن على أن تعيين لفظ التراب في الحديث المذكور لكونه أمكن وأغلب [ ص: 11 ] لا لكونه مخصوصا به على أنا نقول : التمسك باسم الصعيد وهو وجه الأرض ، وليس باسم التراب فقط بل هو وجه الأرض ترابا كان أو صخرا لا تراب عليه أو غيره .

                                                                                                                                                                                  الرابع : فيه أن الله تعالى أباح الغنائم للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأمته كما ذكرنا

                                                                                                                                                                                  .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية