الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3416 116 - حدثني محمد بن المثنى، حدثنا يحيى، عن إسماعيل، حدثنا قيس، عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى هو القطان وإسماعيل بن أبي خالد، وقيس بن أبي حازم البجلي، وخباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى ابن الأرت بفتح الهمزة والراء وبالتاء المثناة من فوق، كان سادس ستة في الإسلام، مات بالكوفة رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإكراه عن مسدد، وفي مبعث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن الحميدي، وأخرجه أبو داود في الجهاد عن عمرو بن عون وعن خالد بن عبد الله، وأخرجه النسائي في العلم عن عبدة بن عبد الرحمن، وفي الزينة عن يعقوب بن إبراهيم وابن المثنى ببعضه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وهو متوسد " والواو فيه للحال، وبردة منصوبة به وهي نوع من الثياب معروف وكذلك البرد. قوله: " ألا تستنصر " أي: ألا تطلب النصرة من الله لنا على الكفار، وهذا بيان لقوله: " شكونا " وكلمة ألا في الموضعين للحث والتحريض. قوله: " بالمنشار " بكسر الميم وسكون النون وهو آلة نشر الخشب، ويقال أيضا: الميشار بالياء آخر الحروف الساكنة موضع النون من نشرت الخشبة إذا قطعتها. قوله: " ما دون لحمه " أي: تحت لحمه أو عند لحمه. قوله: " ليتمن " بفتح اللام وبالنون الثقيلة. قوله: " من صنعاء إلى حضرموت " قال الكرماني: وصنعاء بفتح الصاد المهملة وسكون النون وبالمد قاعدة اليمن ومدينته العظمى، وحضرموت بفتح الحاء المهملة وسكون المعجمة وفتح الراء والميم بلدة أيضا باليمن، وجاز في مثله بناء الاسمين وبناء الأول وإعراب الثاني.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): لا مبالغة فيه لأنهما بلدان متقاربان.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 145 ] قلت: الغرض بيان انتفاء الخوف من الكفار على المسلمين، ويحتمل أن يراد بها صنعاء الروم أو صنعاء دمشق قرية في جانبها الغربي في ناحية الربوة. قال الجوهري: حضرموت اسم قبيلة أيضا. انتهى كلامه. قلت: قال ياقوت في المشترك: صنعاء اليمن أعظم مدنها وأجلها، تشبه دمشق في كثرة البساتين والمياه، وصنعاء قرية على باب دمشق من ناحية باب الفراديس، واتصلت حيطانها بالعقبية وهي محلة في ظاهر دمشق، قلت: قوله: لأنهما بلدان متقاربان ليس كذلك؛ لأن بين عدن وصنعاء ثلاث مراحل، وبين حضرموت والشحر أربعة أيام وبينه وبين عدن مسافة بعيدة، فعلى هذا يكون بين صنعاء وحضرموت أكثر من أربعة أيام. قوله: " أو الذئب " عطف على الاسم الأعظم، وإن احتمل أن يعطف على المستثنى منه المقدر. قوله: " ولكنكم تستعجلون " وحاصل المعنى: لا تستعجلوا؛ فإن من كان قبلكم قاسوا ما ذكرنا فصبروا، وأخبرهم الشارع بذلك ليقوى صبرهم على الأذى.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية