الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3424 124 - حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن عبد الله بن أبي حسين، حدثنا نافع بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيك ما رأيت، فأخبرني أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأوحي إلي في المنام أن انفخهما فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان بعدي، فكان أحدهما العنسي والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: " فأولتهما كذابين " إلى آخره لأن فيه إخبارا عنه صلى الله عليه وسلم بأمر قد وقع بعضه في أيامه، وبعضه بعده فإن العنسي قتل في أيامه ومسيلمة قتل بعده في وقعة اليمامة، قتله وحشي قاتل حمزة رضي الله تعالى عنه. (فإن قلت): قال: يخرجان بعدي ومسيلمة خرج بعده، وأما العنسي فإنه خرج في أيامه. قلت: معنى قوله: بعدي يعني بعد ثبوت نبوتي أو بعد دعواي النبوة.

                                                                                                                                                                                  وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة الحمصي، وعبد الله بن أبي حسين هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي مر في البيع، ونافع بن جبير بن مطعم مر في الوضوء.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن أبي اليمان أيضا، وأخرجه مسلم في الرؤيا عن محمد بن سهل عن أبي اليمان به، وأخرجه الترمذي فيه عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن أبي اليمان بقصة الرؤيا دون قصة مسيلمة وقال: غريب. وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن منصور، عن أبي اليمان.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه). قوله: " قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي: على زمنه، وكان قدومه في سنة تسع من الهجرة وهي سنة الوفودات. قال ابن إسحاق: قدم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة بن حبيب وقال ابن هشام: هو مسيلمة بن ثمامة ويكنى أبا ثمامة، وقال السهيلي: هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن همان بن ذهل بن الدؤل بن حنيفة، ويكنى أبا ثمامة، وقيل: أبا هارون، وكان قد تسمى بالرحمن، وكان يقال له رحمن اليمامة، وكان يعرف أبوابا من النيرنجات فكان يدخل البيضة في القارورة وهو أول من فعل ذلك، وكان يقص جناح الطير ثم يصله ويدعي أن ظبية تأتيه من الجبل فيحلب لبنها. قال الواقدي: وكان وفد بني حنيفة بضعة عشر رجلا عليهم سلمى بن حنظلة، وفيهم طلق بن علي وعلي بن سنان، ومسيلمة بن حبيب الكذاب فأنزلوا في دار رملة بنت الحارث، وأجريت عليهم الضيافة فكانوا يؤتون بغداء وعشاء، مرة خبزا ولحما، ومرة خبزا ولبنا، ومرة خبزا وسمنا، ومرة تمرا ينثر لهم، فلما قدموا المسجد وأسلموا وقد خلفوا مسيلمة في رحالهم، ولما أردوا الانصراف أعطاهم جوائزهم خمس أواق من فضة، وأمر لمسيلمة بمثل ما أعطاهم لما ذكروا أنه في رحالهم فقال: أما أنه ليس بشركم مكانا، فلما رجعوا إليه أخبروه بما قال عنه قال: إنما قال ذلك لأنه عرف أن الأمر لي من بعده، وبهذه الكلمة تشبث قبحه الله حتى ادعى النبوة. وقال ابن إسحاق: ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم، وقال: إني اشتركت معه [ ص: 152 ] في الأمر، ثم جعل يسجع لهم السجعات مضاهيا للقرآن فأصعقت على ذلك بنو حنيفة، وقتل في أيام أبي بكر الصديق في وقعة اليمامة، قتله وحشي قاتل حمزة كما ذكرناه، وكان عمره حين قتل مائة وخمسين سنة. قوله: " فأقبل إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم " تألفا له ولقومه رجاء إسلامهم، وليبلغ ما أنزل إليه. وقال القاضي عياض: يحتمل أن سبب مجيئه أن مسيلمة قصده من بلده للقائه فجاءه مكافأة. قال: وكان مسيلمة حينئذ يظهر الإسلام، وإنما ظهر كفره بعد ذلك. قوله: " ومعه ثابت بن قيس بن شماس " خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يجاوب الوفود عن خطبهم. قوله: " وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم " الواو فيه للحال. قوله: " لن تعدو أمر الله فيك " أي: خيبتك فيما أملته من النبوة وهلاكك دون ملكك، أو فيما سبق من قضاء الله تعالى وقدره في شقاوتك، ويروى: لن تعد بحذف الواو للجزم، والجزم بلن لغة حكاها الكسائي. قوله: " ولئن أدبرت " أي: عن طاعتي " ليعقرنك الله " أي: ليقتلنك ويهلكك، وأصله من عقر الإبل ضرب قوائمها بالسيف وجرحها، وكان كذلك قتله الله عز وجل يوم اليمامة. قوله: " وإني لأراك " بضم الهمزة أي: لأظنك الشخص الذي رأيت في المنام في حقك ما رأيته.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فأخبرني أبو هريرة " أي: قال ابن عباس: أخبرني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره. وفي مسلم: " وإني لأراك الذي أريت قبل ما أريت " وهذا ثابت يجيبك عني، ثم انصرف عنه فقال ابن عباس: فسألت عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وإني لأراك الذي أريت " فأخبرني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين. الحديث وهذا يعد من مسند أبي هريرة دون ابن عباس، فلذلك ذكره الحافظ المزي في مسند أبي هريرة. قوله: " سوارين من ذهب " بضم السين وكسرها. وقال النووي: قال أهل اللغة: أسوار أيضا بضم الهمزة وفيه ثلاث لغات، وفي التوضيح قوله: " من ذهب " للتأكيد؛ لأن السوار لا يكون إلا من ذهب، فإن كان من فضة فهو قلب.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فأهمني شأنهما " أي: أحزنني أمرهما. قوله: " أن انفخهما " أي: انفخ السوارين وهو أمر من النفخ، فلما أمر بالنفخ نفخهما، وتأويل نفخهما أنهما قتلا بريحه " أي: أن الأسود ومسيلمة قتلا بريحه. والذهب زخرف يدل على زخرفهما ودلا بلفظهما على ملكين لأن الأساورة هم الملوك، وفي النفخ دليل على اضمحلال أمرهما، وكان كذلك. قوله: " فأولتهما " أي: السوارين.

                                                                                                                                                                                  قوله: " يخرجان بعدي " قال النووي: أي: يظهران شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة، وإلا فقد كانا في زمنه. انتهى. وقد ذكرنا أن المراد بعد دعواي النبوة أو بعد ثبوت نبوتي. قوله: " فكان أحدهما " أي: أحد السوارين في التأويل العنسي بفتح العين المهملة وسكون النون وبالسين المهملة، وهو نسبة الأسود الصنعاني الذي ادعى النبوة وقيل: اسمه عبلة بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة ابن كعب، وكان يقال له: ذو الخمار؛ لأنه زعم أن الذي يأتيه ذو الخمار قتله فيروز الصحابي الديلي بصنعاء، دخل عليه فحطم عنقه، وهذا كان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه على الأصح والمشهور، وبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة بذلك، ثم بعده حمل رأسه إليه وقيل: كان ذلك في زمن الصديق رضي الله تعالى عنه، والعنسي نسبة إلى عنس قال الرشاطي: اسمه زيد بن مالك بن أدد، ومالك هو جماع مذحج، قال ابن دريد: العنس الناقة الصلبة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " والآخر " أي: السوار الآخر في التأويل مسيلمة الكذاب. قوله: " اليمامة " بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميمين وهي مدينة باليمن على أربع مراحل من مكة شرفها الله ومرحلتين من الطائف قيل: سميت بذلك باسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام يقال: هو أبصر من زرقاء اليمامة، فسميت اليمامة لكثرة ما أضيف إليها، والنسبة إليها يمامي.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية