الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3646 (وقول الله تعالى: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  وقول الله بالجر عطف على قوله " ذكر الجن ". قوله: " قل أوحي " يعني قل يا محمد أي: أخبر قومك ما ليس لهم به علم، ثم بين فقال: أوحي إلي أي: أخبرت بالوحي من الله أنه أي الأمر والشأن، وكلمة أن بالفتح مع اسمه وخبره في محل الرفع لأنه قام مقام [ ص: 309 ] فاعل أوحي استمع القرآن، فحذف لأن ما بعده يدل عليه، والاستماع طلب بالإصغاء إليه. قوله: " نفر من الجن " أي: جماعة منهم ذكروا في التفسير، وكانوا تسعة من جن نصيبين، وقيل: كانوا من جن الشيصبان وهم أكثر الجن عددا، وهم عامة جنود إبليس، وقيل: كانوا سبعة وكانوا من اليمن، وكانوا يهودا، وقيل: كانوا مشركين.

                                                                                                                                                                                  واعلم أن الأحاديث التي وردت في هذا الباب أعني فيما يتعلق بالجن تدل على أن وفادة الجن كانت ست مرات: الأولى: قيل فيها: اغتيل واستطير والتمس، الثانية: كانت بالحجون، الثالثة: كانت بأعلى مكة وانصاع في الجبال، الرابعة: كانت ببقيع الغرقد وفي هؤلاء الليالي حضر ابن مسعود وخط عليه، الخامسة: كانت خارج المدينة وحضرها الزبير بن العوام، السادسة: كانت في بعض أسفاره وحضرها بلال بن الحارث، وقال ابن إسحاق: لما آيس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خبر ثقيف انصرف عن الطائف راجعا إلى مكة حتى كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي، فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله فيما ذكر لي سبعة نفر من أهل جن نصيبين، فاستمعوا له، فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا، فقص الله خبرهم عليه فقال تعالى: وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن إلى قوله: أليم ثم قال تعالى: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن إلى آخر القصة من خبرهم في هذه السورة، (فإن قلت): في الصحيحين أن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - على الجن ولا رآهم... الحديث، (قلت): هذا النفي من ابن عباس إنما هو حيث استمعوا التلاوة في صلاة الفجر، ولم يرد به نفي الرؤية والتلاوة مطلقا، وقال القرطبي: معنى حديث ابن عباس لم يقصدهم بالقراءة، فعلى هذا فلم يعلم رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - باستماعهم ولا كلمهم وإنما أعلمه الله تعالى بقوله: قل أوحي إلي أنه استمع ويقال: عبد الله بن مسعود أعلم بقصة الجن من عبد الله بن عباس فإنه حضرها وحفظها، وعبد الله بن عباس كان إذ ذاك طفلا رضيعا فقد قيل: إن قصة الجن كانت قبل الهجرة بثلاث سنين، وقال الواقدي: كانت في سنة إحدى عشرة من النبوة، وابن عباس كان في حجة الوداع قد ناهز الاحتلام، وقيل: يجمع بين ما نفاه وما أثبته غيره بتعدد وفود الجن على النبي -صلى الله عليه وسلم-.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية