الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3674 370 - حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا همام بن يحيى ، حدثنا قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما ، أخبرنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدثهم عن ليلة أسري به : بينما أنا في الحطيم - وربما قال في الحجر - مضطجعا إذ أتاني آت فقد ، قال : وسمعته يقول : فشق ما بين هذه إلى هذه ، فقلت للجارود وهو إلى جنبي : ما يعني به ؟ قال : من ثغرة نحره إلى شعرته ، وسمعته يقول : من قصه إلى شعرته فاستخرج قلبي ، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا ، فغسل قلبي ، ثم حشي ، ثم أعيد ، ثم أتيت بدابة دون البغل ، وفوق الحمار أبيض ، فقال له الجارود : هو البراق يا أبا حمزة ؟ قال أنس : نعم ، يضع خطوه عند أقصى طرفه ، فحملت عليه ، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به ، فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت ، فإذا فيها آدم ، فقال : هذا أبوك آدم فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد السلام ، ثم قال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح . ثم صعد حتى أتى السماء الثانية ، فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة قال : هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما ، فسلمت فردا ، ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة ، فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت إذا يوسف ، قال : هذا يوسف فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد ، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح .

                                                                                                                                                                                  ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : أوقد أرسل إليه قال : نعم ، قيل : مرحبا به ، فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت إلى إدريس قال : هذا إدريس فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد ، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح .

                                                                                                                                                                                  ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت ، فإذا هارون قال : هذا هارون ، فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح .

                                                                                                                                                                                  ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل: من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : من معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قال : مرحبا به فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت ، فإذا موسى قال : هذا موسى ، فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ، فلما تجاوزت بكى قيل له : [ ص: 22 ] ما يبكيك ؟ قال : أبكي ; لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ، ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه ، قال : نعم ، قال : مرحبا به فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا إبراهيم قال : هذا أبوك ، فسلم عليه ، قال : فسلمت عليه ، فرد السلام ، قال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ، ثم رفعت إلى سدرة المنتهى ، فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة قال : هذه سدرة المنتهى ، وإذا أربعة أنهار نهران باطنان ، ونهران ظاهران فقلت : ما هذان يا جبريل ؟ قال : أما الباطنان فنهران في الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات ، ثم رفع لي البيت المعمور ، ثم أتيت بإناء من خمر ، وإناء من لبن ، وإناء من عسل ، فأخذت اللبن فقال : هي الفطرة أنت عليها وأمتك .

                                                                                                                                                                                  ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاة كل يوم ، فرجعت فمررت على موسى فقال : بما أمرت ؟ قال : أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال : إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم ، وإني والله قد جربت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ; فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فرجعت فوضع عني عشرا ، فرجعت إلى موسى ، فقال مثله ، فرجعت فوضع عني عشرا ، فرجعت إلى موسى ، فقال مثله ، فرجعت فوضع عني عشرا ، فرجعت إلى موسى ، فقال مثله ، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم ، فرجعت ، فقال مثله ، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم ، فرجعت إلى موسى ، فقال : بما أمرت قلت : أمرت بخمس صلوات كل يوم قال : إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم ، وإني قد جربت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك ، فاسأله التخفيف لأمتك قال : سألت ربي حتى استحييت ، ولكن أرضى وأسلم قال : فلما جاوزت نادى مناد أمضيت فريضتي ، وخففت عن عبادي .


                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة والكلام فيه على أنواع .

                                                                                                                                                                                  الأول : في رجاله ، وهم خمسة : الأول : هدبة بضم الهاء وسكون الدال المهملة وبالباء الموحدة ابن خالد القيسي المصري أخو أمية ، ويقال : هداب ، وروى عنه مسلم أيضا ، مات سنة خمس ، أو ست ، أو سبع ، أو ثمان وثلاثين ومائتين .

                                                                                                                                                                                  ( الثاني ) : همام بتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن دينار العوذي البصري ، مات سنة ثلاث وستين ومائة في رمضان .

                                                                                                                                                                                  ( الثالث ) : قتادة بن دعامة السدوسي الأعمى البصري التابعي .

                                                                                                                                                                                  ( الرابع ) : أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ( الخامس ) : مالك بن صعصعة بفتح الصادين المهملتين وسكون العين المهملة الأولى المدني الأنصاري البصري .

                                                                                                                                                                                  ( النوع الثاني في لطائف إسناده ) ، ( منها ) أن هؤلاء كلهم بصريون ( ومنها ) أن فيه رواية الصحابي عن الصحابي ، ( ومنها ) أن مالك بن صعصعة ليس له في البخاري ، ولا في غيره سوى هذا الحديث ، ولا يعرف روى عنه إلا أنس بن مالك ، ( ومنها ) أن قوله : " عن أنس " بالعنعنة ، وقد مضى في أول بدء الخلق من وجه آخر ، عن قتادة حدثنا أنس رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ( النوع الثالث ) : أنه روى ما يتعلق بالإسراء في مواضع ، ( منها ) في أول كتاب الصلاة من حديث ابن شهاب ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن أبي ذر .

                                                                                                                                                                                  ( ومنها ) في بدء الخلق في باب ذكر الملائكة من حديث هدبة ، عن همام ، عن قتادة ، عن أنس ، ومن حديث خليفة عن يزيد بن زريع ، عن سعيد ، وهشام كلاهما عن قتادة ، عن أنس ، [ ص: 23 ] عن مالك بن صعصعة ( ومنها ) هاهنا عن هدبة أيضا ، فانظر إلى تفاوت ما بين روايتي هدبة من زيادة ونقصان .

                                                                                                                                                                                  ( النوع الرابع ) في أن مسلما أخرجه في الإيمان عن موسى ، وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن بشار ، وعن ابن أبي عدي ببعضه ، وقال : وفي الحديث قصة ، وأخرجه النسائي في الصلاة عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي بطوله ، وعن إسماعيل بن مسعود وطول فيه .

                                                                                                                                                                                  ( النوع الخامس ) في معناه ، فقوله : " أن نبي الله " ويروى : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " . قوله : " حدثهم " ، ويروى حدثني بإفراد الضمير المنصوب . قوله : " عن ليلة أسري به " على صيغة المجهول وهي صفة لليلة ، والضمير فيه يرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا رواية الكشميهني بزيادة لفظة به ، وفي رواية غيره : أسرى دون لفظ به .

                                                                                                                                                                                  قوله : " بينا أنا " قد ذكرنا غير مرة أن بين ظرف زيدت فيه الألف ، وربما تزاد فيه الميم أيضا ، ويضاف إلى جملة ، وهي مبتدأ ، وفي الحطيم خبره : أي كائن أو مستقر فيه ، والمراد بالحطيم الحجر هنا على الأصح ، واستبعد قول من قال : المراد به ما بين الركن والمقام ، أو بين زمزم والحجر ، وسمي الحطيم ; لأنه حطم من جداره فلم يسو ببناء الكعبة ، وترك خارجا منه ، وقال النضر : إنما سمي الحجر حطيما ; لأن البيت رفع وترك ذلك محطوما ، وكذلك قال الخطابي . قوله : " وربما قال في الحجر " هو شك من قتادة . قوله : " مضطجعا " نصب على الحال من قوله : " أنا " ، وفي رواية بين النائم واليقظان .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : في رواية شريك التي تأتي في التوحيد في آخر الحديث ، فلما استيقظت ( قلت ) : إن كانت القصة متعددة فلا إشكال ، وإلا فالمعنى أفقت مما كنت فيه من شغل البال بمشاهدة الملكوت . ( فإن قلت ) : قد تقدم في أول بدء الخلق بينا أنا عند البيت ، ووقع في رواية الزهري ، عن أنس ، عن أبي ذر : فرج سقف بيتي وأنا بمكة ، وفي رواية الواقدي بأسانيده : أنه أسري به من شعب أبي طالب ، وفي حديث أم هانئ عند الطبراني أنه بات في بيتها ، قالت : ففقدته من الليل ، فقال : إن جبريل عليه السلام أتاني .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : الجمع بين هذه الأقوال أنه - صلى الله عليه تعالى وسلم - نام في بيت أم هانئ ، وبيتها عند شعب أبي طالب ، ففرج سقف بيته ، وأضاف البيت إليه لكونه كان يسكنه ، فنزل منه الملك ، فأخرجه من البيت إلى المسجد ، فكان به مضطجعا ، وبه أثر النعاس ، ثم أخرجه الملك إلى باب المسجد ، فأركبه البراق .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إذ أتاني " جواب بينا . قوله : " آت " هو جبريل عليه السلام ، وأصله أتى فأعل إعلال قاض . قوله : " فقد " بالقاف وتشديد الدال : أي فشق ، وهو المستفاد من قوله : " قال وسمعته يقول فشق " ، وفاعل قال : قتادة ، والمقول عنه أنس ، وتوضحه رواية أحمد : قال قتادة ، وربما سمعت أنسا يقول فشق .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فقلت للجارود " القائل قتادة ، والجارود بالجيم وضم الراء وبالدال المهملة ابن أبي سبرة بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وبالراء الهذلي التابعي صاحب أنس ، وقد أخرج له أبو داود من روايته عن أنس حديثا غير هذا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من ثغرة " بضم الثاء المثلثة وسكون الغين المعجمة ، وهي ثغرة النحر التي بين الترقوتين . قوله : " إلى شعرته " بكسر الشين المعجمة وهو شعر العانة . قوله : " من قصه " بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة وهو رأس الصدر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إلى شعرته "، وقال الكرماني : ويروى بدل الشعرة الثنة بضم الثاء المثلثة وتشديد النون ، وهي ما بين السرة والعانة ، وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة المعراج ، وقال : إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد ، ورد بأنه ثبت شق الصدر أيضا عند البعثة ، ثم وقع أيضا عند إرادة العروج إلى السماء ، ولا إنكار في ذلك ; لكونه من الأمور الخارقة للعادة لصلاحية القدرة ، وإظهار المعجزة ، ثم الحكمة في الأول وهو في حال الطفولية ; لينشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان ، ولهذا قال في حديث أنس عند مسلم : " هذا حظ الشيطان منك " وذلك العلقة التي أخرجها .

                                                                                                                                                                                  ( وفي الثاني ) أعني عند البعث ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال ( وفي الثالث ) أعني عند العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة . قوله : " بطست " بفتح الطاء وكسرها وسكون السين المهملة وبالتاء المثناة من فوق وقد تحذف وهو الأكثر ، وقد يؤنث باعتبار الآنية ، وإنما خص الطست ; لكونه أشهر آلات الغسل عرفا ، وخص الذهب ; لكونه الأعلى أواني الحسية وأصفاها ; ولأن للذهب خواص ليست لغيره ، وهي أنه لا تأكله النار ، ولا يبليه التراب ، ولا يلحقه الصدى ، وهو أثقل الجواهر فناسب ثقل الوحي .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : استعمال الذهب حرام للرجال ( قلت ) : لعل ذلك قبل التحريم ، وقيل : إنه مخصوص بأحوال الدنيا ، وما وقع في تلك الليلة يلحق بأحكام الآخرة ; لأن الغالب أنه من أحوال [ ص: 24 ] الغيب . قوله : " مملوءة " صفة الطست ، وقد ذكرنا أنه يؤنث باعتبار الآنية . قوله : " إيمانا " نصب على التمييز ، وزاد في بدء الخلق : " وحكمة " وقال النووي : معناه أن الطست كان فيه شيء تحصل به زيادة في كمال الإيمان ، وكمال الحكمة .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : الملء المذكور حقيقة أم مجاز ؟ ( قلت ) : يجوز أن يكون حقيقة ; لأن تجسد المعاني جائز كما جاء في وزن الأعمال يوم القيامة ، وقال البيضاوي : لعل ذلك من باب التمثيل إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرا ، كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط ، وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فغسل قلبي " ، وفي رواية لمسلم : " فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم " ، وفيه فضيلة ماء زمزم على جميع المياه . ( فإن قلت ) : لم لم يغسله بماء الجنة ؟ ( قلت ) : لما اجتمع في زمزم من كون أصل مائها من الجنة ، ثم استقر في الأرض ، فأريد بذلك بقاء بركة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - في الأرض ، ويقال : لبقاء بركة إسماعيل عليه السلام فإنه ركضه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " حشي " على صيغة المجهول ، والضمير فيه يرجع إلى القلب ، قوله : " ثم أعيد " : أي قلبه إلى حالته الأولى . قوله : " ثم أتيت " على صيغة المجهول أيضا . ( فإن قلت ) : ما الحكمة في أنه أتي بدابة فلم لم تطوله الأرض ؟ ( قلت ) : إنما فعل ذلك تأنيسا له بالعادة في مقام خرق العادة ، وأيضا أن الملك إذا طلب من يحبه يبعث إليه مركوبا ، ووقع في خاطري من الفيض الإلهي أن طي الأرض يشترك فيه الأولياء ، بخلاف المركوب الذي يقطع المسافات البعيدة براكبه أسرع من طرفة العين ، فإنه مخصوص بالأنبياء عليهم السلام .

                                                                                                                                                                                  قوله : " دون البغل وفوق الحمار " ، الحكمة في كون هذه الدابة بهذه الصفة الإشارة إلى الإسراع الشديد بدابة لا توصف بذلك في العادة ، أو باعتبار أن الركوب كان في سلم وأمن لا في حرب وخوف . قوله : " أبيض " صفة دابة ، والتذكير باعتبار أنها البراق ، أو باعتبار أنها المركوب ، وكونه أبيض باعتبار أنه أصل الألوان ، أو باعتبار أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحب البياض . قوله : " فقال له " : أي لأنس ، والجارود فاعل قال . قوله : " هو البراق " : أي الدابة المذكورة المتصفة بالصفة المذكورة هو البراق بهمزة مقدرة ، وتذكير الضمير باعتبار لفظ البراق ، وإنما قال الجارود : هو البراق ; لأن أنسا رضي الله تعالى عنه لم يتلفظ بلفظ البراق في رواية قتادة عنه . قوله : " يا أبا حمزة " خطاب لأنس ; لأنه كنيته . قوله : " يضع خطوه " بفتح الخاء المعجمة وهو المرة ، وبالضم بعد ما بين القدمين في المشي . قوله : " طرفه " بفتح الطاء المهملة وسكون الراء وبالفاء ، وهو نظر عينه ، فإنه يضع خطوه عند منتهى ما يرى ببصره ، وهذا يدل على أنه كان يمشي على وجه الأرض ، ولكن بالمشي الموصوف .

                                                                                                                                                                                  وروى ابن سعد عن الواقدي بأسانيده : له جناحان ، فهذا يدل على أنه يطير بين السماء والأرض ، ويدل على وصفه بالمشي ما روي عن ابن مسعود عند أبي يعلى والبزار : إذا أتى على جبل ارتفعت رجلاه ، فإذا هبط ارتفعت يداه ، وعن ابن عباس رواه الثعلبي بسند ضعيف : له خد كخد الإنسان ، وعرف كالفرس ، وقوائم كالإبل ، وأظلاف وذنب كالبقر ، وكان صدره ياقوتة حمراء .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : البراق بضم الباء الموحدة مشتق من البريق وهو اللمعان ، سمي به لنصوع لونه وشدة بريقه ، أو هو مشتق من البرق ، سمي به لشدة حركته ، وسرعة مشيه كالبرق ، وقال ابن أبي حمزة : خص البراق بذلك ; إشارة إلى الاختصاص به ، لأنه لم ينقل أن أحدا ملكه بخلاف غير جنسه من الدواب .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : هذا يدل على أن غير نبينا - صلى الله عليه وسلم - لم يركب البراق ، وبه قال ابن دحية أيضا ، ولكن رد هذا بما رواه الترمذي من رواية قتادة ، عن أنس رضي الله تعالى عنه : " أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ليلة أسري به أتي بالبراق مسرجا ملجما ، فاستصعب عليه ، فقال له جبريل عليه السلام : ما حملك على هذا ؟ فوالله ما ركبك خلق قط أكرم على الله منه ، قال : فارفض عرقا " ، وقال الترمذي : حسن غريب ، وصححه ابن حبان ، وفي رواية النسائي ، وابن مردويه : " وكانت تسخر للأنبياء عليهم السلام قبله " : أي كانت الدابة التي تسمى بالبراق تسخر للأنبياء قبل النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ونحوه في حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق ، وهذا يصرح على أن البراق كان معدا لركوب الأنبياء ، وجاء أن إبراهيم عليه السلام لما كان يريد زيارة هاجر وإسماعيل عليهما السلام ، وهما في مكة كان يركب البراق .

                                                                                                                                                                                  ثم الحكمة في نفرته مختلف فيها ، فقال ابن بطال : بعد عهده بالأنبياء ، وطول الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، وقال غيره : قال جبريل عليه السلام للنبي - صلى الله عليه وسلم - حين شمس به البراق : لعلك يا محمد مسست الصفراء اليوم ، يعني الذهب ، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ما مسها إلا أنه مر بها ، فقال : تبا لمن يعبدك من دون الله ، وما شمس إلا لذلك .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 25 ] وقال ابن التين إنما استصعب البراق تيها وزهوا بركوب النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ، وأراد جبريل استنطاقه ، فلذلك خجل وارفض عرقا من ذلك ، وقريب من ذلك رجفة الجبل به ، حتى قال له : " اثبت ; فإنما عليك نبي ، وصديق وشهيد " ، فإنها هزة الطرب لا هزة الغضب ، وسمع العبد الضعيف من مشايخه الثقات أنه إنما شمس به ; ليعده الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بالركوب عليه يوم القيامة ، فلما وعده بذلك قر ، وذلك لأنه جاء في التفسير في قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى أن الله أعد له في الجنة أربعين ألف براق ترتع في مروج الجنة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فحملت عليه " على صيغة المجهول : أي على البراق ، وذكر في شرف المصطفى كان الذي أمسك بركابه جبريل عليه السلام ، وبزمام البراق ميكائيل عليه السلام .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : لما ركب النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - البراق ما فعل جبريل عليه السلام ؟ ( قلت ) : وقع في حديث حذيفة عند أحمد قال : أتي رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - بالبراق ، فلم يزل ظهره هو وجبريل حتى انتهيا إلى بيت المقدس ، قيل : هذا لم يسنده حذيفة إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ، فيحتمل أنه قاله عن اجتهاد ، ويحتمل أن يكون جبريل رافقه في السير لا في الركوب .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن دحية وغيره : معناه وجبريل قائد أو سائق أو دليل قال : وإنما جزمنا بذلك ; لأن قصة المعراج كانت كرامة للنبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فلا مدخل لغيره فيها .

                                                                                                                                                                                  ورد عليه ما قاله بما روى ابن حبان في صحيحه من حديث ابن مسعود أن جبريل عليه السلام حمله على البراق رديفا له ، وفي رواية الحارث في مسنده : " أتي بالبراق فركبه خلف جبريل عليه السلام ، فسار بهما " ، فهذا صريح في ركوبه معه والله أعلم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فانطلق بي جبريل " ، وفي روايته المتقدمة : " فانطلقت مع جبريل عليه السلام " ، ولا مغايرة بينهما ، وفي حديث أبي ذر في أول الصلاة : " ثم أخذ بيدي فعرج بي " ، وظاهر هذا يدل على أن جبريل كان دليلا له فيما قصد له .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : كونه دليلا لا ينافي ركوبه معه . قوله : " حتى أتى السماء الدنيا " ظاهره يدل على أنه استمر على البراق حتى عرج إلى السماء ، وتمسك به من زعم أن المعراج كان في ليلة غير ليلة الإسراء إلى بيت المقدس ، وكان في ليلة المعراج على معراج ، وهو سلم ، ويدل عليه ما رواه ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل من حديث طويل ، وفيه فإذا أنا بدابة كالبغل مضطرب الأذنين يقال له : البراق ، وكانت الأنبياء تركبه قبلي ، فركبته ، ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس ، فصليت ، ثم أتيت بالمعراج ، وفي رواية ابن إسحاق : " فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء " . . الحديث ، وفي رواية كعب : " فوضعت له مرقاة من فضة ، ومرقاة من ذهب حتى عرج هو وجبريل " .

                                                                                                                                                                                  وفي شرف المصطفى في حديث أبي سعيد : " أنه أتي بالمعراج من جنة الفردوس ، وأنه منضد باللؤلؤ ، وعن يمينه ملائكة ، وعن يساره ملائكة " ، وفي رواية ثابت عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس ، فربطته بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء عليهم السلام ، ثم دخلت المسجد ، فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت " فذكر القصة قال : ثم عرج بي إلى السماء .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : أنكر حذيفة رواية ثابت فربطته بالحلقة ، فروى أحمد والترمذي من حديث حذيفة قال : تحدثون أنه ربطه ، أخاف أن يفر منه وقد سخر له عالم الغيب والشهادة ؟ ! ( قلت ) : قال البيهقي : المثبت مقدم على النافي ; لأن المثبت له زيادة علم على من نفى فهو أولى بالقبول ، وروى البزار من حديث بريدة لما كان ليلة أسري به جاء جبريل الصخرة التي ببيت المقدس ، فوضع إصبعه فيها فخرقها ، فشد بها البراق .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : هل للباب الذي دخل منه جبريل ، والنبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - من أبواب سماء الدنيا اسم ؟ .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : نعم ، روى البيهقي حتى أتى إلى باب من أبواب السماء يقال له : باب الحفظة ، وعليه ملك يقال له : إسماعيل تحت يده اثنا عشر ألف ملك . قوله : " فاستفتح " : أي طلب فتح الباب . قوله : " فقيل : من هذا ؟ " : أي قال قائل من داخل الباب : من هذا الذي يستفتح الباب . قوله : " قيل جبريل " : أي قال قائل من خارج الباب ممن كان مع جبريل والنبي عليهما السلام : هو جبريل عليه السلام .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من معك " يدل على أنهم أحسوا معه برفيق ، وإلا لكان السؤال بلفظ : أمعك أحد . ( فإن قلت ) : من أين لهم هذا الإحساس ؟ ( قلت ) : قال بعضهم : يحتمل أن يكون بمشاهدة لكون السماء شفافة ، وفيه نظر ; لأن الأمر لو كان كذلك لما قالوا : من هذا حين استفتح جبريل عليه السلام ؟ والأوجه أن يقال : إن إحساسهم بذلك كان بزيادة أنوار ظهرت لهم ، دلت على أن جبريل لم يكن وحده .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قال محمد " : أي قال جبريل : معي محمد ، وفيه دليل على أن الاسم أولى ، وأوضح في التوضيح من [ ص: 26 ] الكنية . قوله : " قيل : وقد أرسل إليه " : أي هل أرسل إليه ليعرج به إلى السماء ؟ الحكمة في قولهم هذا : هي أن الله أراد إطلاع نبيه على أنه معروف عند الملأ الأعلى; لأنهم قالوا : أرسل إليه ، فدل على أنهم كانوا يعرفون أن ذلك سيقع ، وإلا لكانوا يقولون : من محمد ؟ مثلا . قوله : " مرحبا به " : أي أصاب رحبا وسعة ، وكنى بذلك عن الانشراح ، واستنبط منه بعضهم جواز رد السلام بغير لفظ السلام ، ورد عليه بأن هذا لم يكن ردا للسلام ، فإنه كان قبل أن يفتح الباب والسلام ، ورده بعد ذلك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فنعم المجيء جاء " كلمة نعم للمدح ، والمخصوص بالمدح محذوف ، وفيه تقديم وتأخير تقديره : جاء فنعم المجيء مجيئه في خير وقت إلى خير أمة . قوله : " فلما خلصت " بفتح اللام : أي وصلت . قوله : " فإذا فيها آدم " ، كلمة إذا للمفاجأة ، والضمير في فيها يرجع إلى السماء الدنيا . قوله : " بالابن الصالح " ذكر الابن لافتخاره بأبوة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ، ووصفه بالصالح ; لأن الصالح صفة تشمل خلال الخير ، ولذلك ذكره كل من الأنبياء الذين لاقاهم في السماوات ، والصالح هو الذي يقوم بما يلزمه من حقوق الله وحقوق العباد . قوله : " وهما ابنا خالة " : أي يحيى وعيسى ; لأن أم يحيى إيشاع بنت فاقوذا أخت حنة أم مريم ، وبيان ذلك أن زكريا عليه السلام ، وعمران بن ماثان كانا متزوجين بأختين إحداهما عند زكريا ، وهي إيشاع بنت فاقوذا ، والأخرى عند عمران وهي حنة بنت فاقوذا أم مريم ، فولدت إيشاع يحيى ، وولدت حنة مريم فتكون إيشاع خالة مريم ، وتكون حنة خالة يحيى ، فيطلق عليهما أنهما ابنا خالة بهذا الاعتبار ، ويروى ابنا الخالة بالألف واللام .

                                                                                                                                                                                  وفي رواية مسلم مثل رواية البخاري في منازل الأنبياء المذكورين فيه ، غير أن في رواية الزهري ، عن أنس ، عن أبي ذر أنه لم يثبت أسماءهم ، وقال فيه : " وإبراهيم في السماء السادسة " ، ووقع في رواية شريك عن أنس أن إدريس في الثالثة ، وهارون في الرابعة ، ورواية من ضبط أولى ، ولا سيما مع اتفاق قتادة وثابت ، فقتادة عند البخاري ، وثابت عند مسلم ، ووافقهما يزيد بن أبي مالك عن أنس ، إلا أنه خالف في إدريس ، وهارون ، فقال : هارون في الرابعة ، وإدريس في الخامسة ، ووافقهم أبو سعيد ، إلا أن في روايته يوسف في الثانية وعيسى ويحيى في الثالثة ، والأول أثبت .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : كيف رأى - صلى الله تعالى عليه وسلم - هؤلاء الأنبياء عليهم السلام في السماوات مع أن أجسادهم هي في قبورهم في الأرض ؟ ( قلت ) : أرواحهم تشكلت بصور أجسادهم ، ويقال : أحضرت أجسادهم لملاقاة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - تلك الليلة تشريفا وتكريما ، ويؤيده حديث عبد الرحمن بن هاشم عن أنس ، وفيه : " وبعث له آدم فمن دونه من الأنبياء فأمهم " .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فإذا يوسف " ، وزاد مسلم في روايته عن ثابت عن أنس : " فإذا هو قد أعطي شطر الحسن " ، وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي ، وأبي هريرة عند ابن عائذ ، والطبري : " فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله قد فضل الناس بالحسن ، كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب" . ( فإن قلت ) : هذا يدل على أن يوسف كان أحسن من جميع الناس . ( قلت ) : روى الترمذي من حديث أنس : " ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت ، وكان نبيكم أحسنهم صوتا ، وأحسنهم وجها " ، فعلى هذا حمل ما في حديث المعراج على غير النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وحمله بعضهم على أن المراد أن يوسف أعطي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم - ، وفيه ما فيه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " هذا إدريس فسلم عليه " . ( فإن قلت ) : قال بعضهم : إن إدريس في الجنة يدل عليه قوله تعالى : ورفعناه مكانا عليا قيل : المكان العلي هو الجنة ، ( قلت ) : سمعت بعض مشايخي الثقات أن إدريس لما أخبر بعروج النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - استأذن ربه أن يستقبله ، فأذن له فاستقبله ، ولقيه في السماء الرابعة . ( فإن قلت ) : كيف قال إدريس : مرحبا بالأخ الصالح ، والحال أنه أب من آباء النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ، وأنه جد أعلى لنوح عليه السلام ; لأن نوحا هو ابن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ ، وهو إدريس عليه السلام ؟ ( قلت ) : قد قيل عن إدريس أنه إلياس ، وأنه ليس بجد لنوح عليه السلام ، وقيل : ليس فيه ما يمنع أن يكون إدريس أبا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما قال له : بالأخ الصالح ; تأدبا ، وهو أخ ، وإن كان أبا فالأنبياء أخوة . قوله : " فلما تجاوزت " : أي عديت موسى عليه السلام . قوله : " بكى " : أي موسى ، وكان بكاؤه حزنا على قومه وقصور عددهم ، وعلى فوات الفضل العظيم منهم ، ويقال : لم يكن بكاء موسى حسدا - معاذ الله - فإن الحسد في ذلك العالم منزوع عن آحاد المؤمنين ، فكيف بمن اصطفاه الله ! بل كان آسفا على ما فاته من الأجر الذي يترتب عليه رفع الدرجة بسبب [ ص: 27 ] ما وقع من أمته من كثرة المخالفة المقتضية لتنقيص أجورهم المستلزمة لتنقيص أجره ; لأن لكل نبي مثل أجر كل من اتبعه ، ولهذا كان من اتبعه في العدد دون من اتبع نبينا - صلى الله عليه وسلم - مع طول مدتهم بالنسبة لمدة هذه الأمة . قوله : " لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر من يدخلها من أمتي " . قوله : " غلاما " ليس للتحقير والاستصغار به ، بل إنما هو لتعظيم منة الله على رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - من غير طول العمر ، ويقال : بل قال ذلك على سبيل التنويه بقدرة الله ، وعظيم كرمه إذ أعطى لمن كان في ذلك السن ما لم يعطه أحدا قبله ممن هو أسن منه .

                                                                                                                                                                                  وفي هذا الموضع عبارات وقعت في أحاديث ، ففي رواية شريك عن أنس : " لم أظن أحدا يرفع علي " ، وفي حديث أبي سعيد قال موسى : " يزعم بنو إسرائيل أني أكرم على الله ، وهذا أكرم على الله مني " ، زاد الأموي في روايته : ولو كان هذا وحده هان علي ، ولكن معه أمته ، وهم أفضل الأمم عند الله ، وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه " أنه مر بموسى عليه السلام يرفع صوته ، فيقول : أكرمته وفضلته ، فقال جبريل عليه السلام : هذا موسى " ، قلت : ومن يعاتب قال : يعاتب ربه فيك قلت : ويرفع صوته على ربه قال : إن الله قد عرف له حدته ، وفي حديث ابن مسعود عند الحارث ، وأبي يعلى ، والبزار : " سمعت صوتا وتذمرا ، فسألت جبريل عليه السلام ، فقال : هذا موسى " قلت : على من تذمره ؟ قال : على ربه ، قلت : على ربه ؟ قال : إنه يعرف ذلك منه .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : ما وجه قوله : " لما أتى السماء السادسة فإذا موسى " ، وقد قال في حديث آخر : " رأيت موسى ليلة الإسراء وهو يصلي في قبره " ؟ ( قلت ) : لا إشكال في ذلك على قول من يقول بتعدد الإسراء ، وعلى قول من يقول بأن الإسراء مرة واحدة ، فالجواب : أن موسى عليه السلام صعد إلى السماء السادسة بعد أن رآه النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - في قبره حتى اجتمع به هناك ، وما ذلك على الله بعزيز ، ولا على موسى بكثير .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فإذا إبراهيم عليه السلام وهو في السماء السابعة " على رواية البخاري ، وعلى رواية مسلم : " في السماء السادسة " ، وفي رواية الزهري عن أنس حيث قال : " وجد آدم في السماء الدنيا ، وإبراهيم في السماء السادسة " ، وكذا في رواية البخاري في أول كتاب الصلاة في السماء السادسة ، وأجيب بأنه لا منافاة ; لاحتمال أن يكون في السادسة ، وصعد قبل رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - إلى السابعة ، وقيل : يحتمل أنه جاء إلى السماء السادسة استقبالا ، وهو في السابعة على سبيل التوطن ، وعلى تعدد الإسراء لا إشكال .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : ما الحكمة في الاقتصار على هؤلاء الأنبياء المذكورين فيه دون غيرهم منهم ؟ ( قلت ) : للإشارة إلى ما سيقع له - صلى الله تعالى عليه وسلم - مع قومه مع نظير ما وقع لكل منهم ، ففي آدم ما وقع له من الخروج من الجنة ، فكذلك في النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وقع له من الخروج من مكة ، وفي عيسى ، ويحيى على ما وقع له أول الهجرة من عداوة اليهود وتماديهم في البغي عليه ، وفي يوسف على ما وقع له مع إخوته ، فكذلك النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ما وقع له من قريش في نصبهم الحرب له ، وفي إدريس على رفيع منزلته عند الله ، فكذلك النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ، وفي هارون على أن قومه رجعوا إلى محبته بعد أن آذوه ، فكذلك النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فأكثر قومه رجعوا إليه بعد العداوة ، وفي موسى على ما وقع له من معالجة قومه ، فكذلك النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - عالج قريشا وغيرهم أشد المعالجة ، وفي إبراهيم عليه السلام في استناده إلى البيت المعمور بما ختم الله له في آخر عمره من إقامة مناسك الحج ، وتعظيم البيت ، فكذلك النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أقام مناسك الحج ، وعظم البيت ، وأمر بتعظيمه ، وقيل : الحكمة فيه أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أمروا بملاقاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج ، فمنهم من أدركه في أول الوهلة ، ومنهم من تأخر فلحق ، ومنهم من فاته .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : ما الحكمة في كون كل منهم في مكانه المذكور فيه ؟ ( قلت ) : أما آدم فإنه أول الأنبياء ، وأول الآباء ، وهو الأصل ، فكان أولا في السماء الأولى ، وأما عيسى عليه السلام فإنه أقرب الأنبياء عهدا من نبينا - صلى الله عليه وسلم - ويليه يوسف عليه السلام ; لأن أمة محمد تدخل الجنة على صورته .

                                                                                                                                                                                  وأما إدريس فلقوله تعالى : ورفعناه مكانا عليا والسماء الرابعة من السبع وسط معتدل ، وأما هارون فلقربه من أخيه موسى ، وموسى أرفع منه لفضل كلام الله ، وأما إبراهيم فلأنه الأب الأخير فناسب أن يتجدد للنبي - صلى الله عليه وسلم - بلقيه أنسا; لتوجهه بعده إلى عالم آخر ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ثم رفعت إلى سدرة المنتهى " الرفع تقريبك الشيء ، وقد قيل في قوله تعالى : وفرش مرفوعة [ ص: 28 ] أي مقربة لهم ، وكأنه أراد أن سدرة المنتهى استبينت له كل الاستبانة حتى اطلع عليها كل الاطلاع ، بمثابة الشيء المقرب إليه ، وفي معناه : رفع لي البيت المعمور ، ورفع لي بيت المقدس ، وسميت سدرة المنتهى ; لأن علم الملائكة ينتهي إليها ، ولم يتجاوزها أحد إلا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ورفعت على صيغة المجهول للمتكلم هذا ، هكذا رواية الأكثرين ، وفي رواية الكشميهني : رفعت بفتح العين وسكونه التاء : أي رفعت السدرة لي : أي لأجلي ، وفي رواية الأكثرين صلة رفعت كلمة إلى ، وفي رواية الكشميهني حرف الجر ، وهو اللام . قوله : " فإذا نبقها " ، كلمة إذا للمفاجأة ، والنبق بفتح النون وكسر الباء الموحدة وبسكونها أيضا وهو جمع نبقة ، وهو حمل السدر .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : لم اختيرت السدرة دون غيرها ؟ ( قلت ) : لأن فيها ثلاثة أوصاف : ظل ممدود ، وطعام لذيذ ، ورائحة زكية . قوله : " مثل قلال هجر " قال الخطابي : القلال بكسر القاف جمع قلة بالضم وتشديد اللام ، وهي الجرار ، يريد أن ثمرها في الكبر مثل القلال ، وكانت معروفة عند المخاطبين ، فلذلك وقع التمثيل بها ، قال : وهي التي وقع حد الماء الكثير بها في قوله : " إذا بلغ الماء قلتين " ، ويقال : القلة جرة كبيرة تسع قربتين وأكثر ، وهجر بفتح الهاء والجيم ، وهو اسم بلد بقرب مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - مذكر منصرف ، وهو غير هجر البحرين ، وقيل : غير منصرف للعلمية والتأنيث ، ( قلت ) : إذا جعل علما للبلدة يكون غير منصرف .

                                                                                                                                                                                  قوله : " الفيلة " بكسر الفاء وفتح الياء جمع الفيل ، ووقع في بدء الخلق مثل آذان الفيول ، وهو جمع فيل أيضا . قوله : " وإذا أربعة أنهار " ، وفي بدء الخلق : " فإذا في أصلها " : أي في أصل سدرة المنتهى أربعة أنهار ، وفي رواية مسلم : " يخرج من أصلها" . ( فإن قلت ) : وقع في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : " أربعة أنهار من الجنة : النيل ، والفرات ، وسيحان ، وجيحان " ( قلت ) : أجيب بأنه يحتمل أن تكون سدرة المنتهى مغروسة في الجنة ، والأنهار تخرج من أصلها ، فيصح أنها من الجنة . قوله : " نهران باطنان " قال مقاتل : هو السلسبيل ، والكوثر . والباطن أجل من الظاهر ; لأن الباطن جعل في دار البقاء ، والظاهر جعل في دار الفناء .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وأما الظاهران فالنيل والفرات " ، النيل نهر مصر ، والفرات نهر بغداد بالجانب الغربي منها ، كذا قاله الكرماني ، وليس كذلك على ما نذكره الآن ، وهو بالتاء الممدودة في الخط في حالتي الوصل والوقف ، وقال الطيبي : النيل والفرات يخرجان من أصلها ، ثم يسيران حيث أراد الله تعالى ، ثم يخرجان من الأرض ويسيران فيها ، وهذا لا يمنعه شرع ولا عقل ، وهو ظاهر الحديث فوجب المصير إليه ، قال القاضي : يدل هذا على أن أصل السدرة في الأرض لخروج النيل والفرات من أصلها ، ( قلت ) : لا يلزم من خروجهما من أصلها أن يكون أصلها في الأرض ، بل الأوجه ما ذكرناه ، ( قلت ) : اتفقوا على أن مبدأ النيل من جبال القمر بالإضافة ، وبضم القاف وسكون الميم ، ويقال بفتح القاف والميم تشبيها للقمر في بياضه ينبع من اثني عشر عينا ، ثم ينبعث منها عشرة أنهار : أحدها نيل مصر ، وهو أول العيون يجري على بلاد الحبشة في قفار ومفاوز ، وقال ابن الأثير : ليس في الدنيا نهر أطول منه ; لأنه مسيرة شهرين في الإسلام ، وشهرين في النوبة ، وأربعة أشهر في الخراب ، والفرات اسم نهر بالكوفة قاله الجوهري .

                                                                                                                                                                                  واختلفوا في مخرجه على قولين : أحدهما أنه من جبل ببلد الروم يقال له : أفردخش بينه وبين قاليقلا مسيرة يوم ، والثاني : أنه من أطراف أرمينية . قوله : " ثم رفع لي البيت المعمور " ، وزاد الكشميهني : " يدخله كل يوم سبعون ألف ملك " ، وقد مر معنى رفع عن قريب ، قال الله تعالى : والبيت المعمور وروي عن عطاء عن ابن عباس أنه قال : اسمه الضراح بضم الضاد المعجمة ، وفي آخره حاء مهملة ، قال الصغاني : ويقال له الضريح أيضا .

                                                                                                                                                                                  واختلف العلماء في أي موضع هو ؟ فقيل : في السماء الدنيا ، وهو قول ابن عباس ومجاهد والربيع ، وقيل : في السماء السادسة ، روي عن علي رضي الله تعالى عنه ، وقيل : في السماء السابعة قاله مجاهد والضحاك ، وهو قول البخاري أيضا ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه ، ولا تنافي في هذه الأقوال ; لأنه يحتمل أن الله تعالى رفعه ليلة المعراج إلى السماء السادسة ، ثم إلى السابعة ; تعظيما للنبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - حتى يراه في أماكن ، ثم أعاده إلى السماء الدنيا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ثم أتيت بإناء " على صيغة المجهول . قوله : " هي الفطرة أنت عليها " ، ويروى : " هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك " ، قال القرطبي : يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة ; لكونه أول شيء يدخل بطن المولود ، ويشق أمعاءه ، والسر في ميل النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - إليه دون غيره ; لكونه كان مألوفا . ( فإن قلت ) : وقع في حديث أبي هريرة عند ابن عائذ في حديث المعراج بعد ذكر إبراهيم قال : ثم انطلقنا فإذا نحن [ ص: 29 ] بثلاثة آنية مغطاة ، فقال لي جبريل : يا محمد ، ألا تشرب مما سقاك ربك ، فتناولت أحدها فإذا هو عسل ، فشربت منه قليلا ، ثم تناولت الآخر فإذا هو لبن فشربت منه حتى رويت ، فقال : ألا تشرب من الثالث ؟ قلت : قد رويت قال : وفقك الله .

                                                                                                                                                                                  وفي رواية البزار من هذا الوجه : أن الثالث كان خمرا ، لكن وقع عنده أن ذلك كان ببيت المقدس ، وأن الأول كان ماء ، ولم يذكر العسل ، وفي حديث ابن عباس عند أحمد : " فلما أتى المسجد الأقصى قام يصلي ، فلما انصرف جيء بقدحين في أحدهما لبن ، وفي الآخر عسل ، فأخذ اللبن " الحديث ، ووقع في رواية مسلم من طريق ثابت ، عن أنس أيضا إتيانه بالآنية كان ببيت المقدس قبل المعراج ، ولفظه : " ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر ، وإناء من لبن ، فأخذت اللبن ، فقال جبريل : أخذت الفطرة ، ثم عرج إلى السماء " .

                                                                                                                                                                                  وفي حديث شداد بن أوس : " فصليت في المسجد حيث شاء الله ، وأخذني من العطش أشد ما أخذني ، فأتيت بإناءين : أحدهما لبن ، والآخر عسل ، فعدلت بينهما ، ثم هداني الله فأخذت اللبن ، فقال شيخ بين يدي - يعني لجبريل - : أخذ صاحبك الفطرة " ، وفي حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق في قصة الإسراء ، فصلى بهم ، يعني الأنبياء ، ثم أتي بثلاثة آنية إناء فيه لبن ، وإناء فيه خمر ، وإناء فيه ماء ، فأخذت اللبن " الحديث .

                                                                                                                                                                                  وفي رواية سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة عند البخاري في الأشربة : " أتي رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ليلة أسري به بإناء فيه خمر ، وإناء فيه لبن ، فنظر إليهما ، فأخذ اللبن ، فقال له جبريل عليه السلام : الحمد لله الذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت أمتك " ، وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة ، عن أنس ، عن البيهقي : " فعرض عليه الماء والخمر واللبن ، فأخذ اللبن فقال له جبريل : أصبت الفطرة ، ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك ، ولو شربت الخمر لغويت ، وغوت أمتك " ، قلت : قالوا بالجمع بين هذا الاختلاف إما بحمل ثم على غير بابها من الترتيب ، وإنما هي بمعنى الواو هنا ، وإما بوقوع عرض الآنية مرتين : مرة عند فراغه من الصلاة ببيت المقدس بسبب ما وقع له من العطش ، ومرة عند وصوله إلى سدرة المنتهى ورؤية الأنهار الأربعة .

                                                                                                                                                                                  وأما الاختلاف في عدد الآنية وما فيها فيحمل على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر ، ومجموعها أربعة آنية ، فيها أربعة أشياء من الأنهار الأربعة التي رآها تخرج من أصل سدرة المنتهى ، ولعله عرض عليه من كل نهر إناء ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وبما أمرت " على صيغة المجهول ، ويروى بم أمرت بدون الألف . قوله : " وعالجت بني إسرائيل " : أي مارستهم ، ولقيت الشدة فيما أردت منهم من الطاعة ، والمعالجة مثل المجادلة ، " ولكني أرضى وأسلم " فيه حذف تقديره : حتى استحييت فلا أرجع ، فإني إذا رجعت كنت غير راض ولا مسلم ، ولكني أرضى وأسلم ، وبهذا يجاب عما قيل ، لكن حقها أن تقع بين كلامين متغايرين معنى ، فما وجهه هنا ؟ وقال الطيبي : ومراجعة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - في باب الصلاة إنما جازت من رسولنا محمد وموسى عليهما السلام ; لأنهما عرفا أن الأمر الأول غير واجب قطعا ، فلو كان واجبا قطعا لا يقبل التخفيف ، وقيل في الأول فرض خمسين ، ثم رحم عباده ونسخها بخمس ، كآية الرضاع ، وعدة المتوفى عنها زوجها ، وفيه دليل على أنه يجوز نسخ الشيء قبل وقوعه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أمضيت فريضتي ، وخففت عن عبادي " ، وفي رواية أنس ، عن أبي ذر التي تقدمت في أول الصلاة : " هن خمس ، وهن خمسون " ، وفي رواية ثابت عن أنس عند مسلم : " حتى قال : يا محمد ، خمس صلوات في كل يوم وليلة ، كل صلاة عشرة ، فتلك خمسون صلاة " ، وفي رواية يزيد بن أبي مالك عند النسائي : " وأتيت سدرة المنتهى فغشيتني ضبابة ، فخررت ساجدا فقيل لي : إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة ، فقم بها أنت وأمتك ، فذكر مراجعته مع موسى عليه السلام ، وفيه أنه فرض على بني إسرائيل فما قاموا بها " وقال في آخره : " خمس بخمسين فقم بها أنت وأمتك ، فعرفت أنها عزمة من الله ، فرجعت إلى موسى ، فقال لي : ارجع فلم أرجع " .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : ما الحكمة في وقوع المراجعة مع موسى عليه السلام دون غيره من الأنبياء ؟ ( قلت ) : لأن ابتداء المراجعة كان موسى عليه السلام ، فلذلك وقعت معه ، وقيل : قد قال موسى من كلامه أنه عالج بني إسرائيل على أقل من ذلك فما قبلوه ، وما وافقوه ، ويستفاد منه أن مقام الخلة مقام الرضا والتسليم ، ومقام التكليم مقام الإدلال والانبساط ، ومن ثمة استبد موسى بأمر النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم [ ص: 30 ] بطلب التخفيف دون إبراهيم عليه السلام ، مع أن للنبي -صلى الله عليه وسلم - من الاختصاص بإبراهيم ، أزيد مما له من موسى لمقام الأبوة ورفعة المنزلة ، والاتباع في الملة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية