الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3706 399 - حدثنا أصبغ ، حدثنا ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، أن أبا بكر رضي الله عنه تزوج امرأة من كلب يقال لها : أم بكر ، فلما هاجر أبو بكر طلقها فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر الذي قال هذه القصيدة ، رثى كفار قريش .


                                                                                                                                                                                  وماذا بالقليب قليب بدر من الشيزى تزين بالسنام     وماذا بالقليب قليب بدر
                                                                                                                                                                                  من القينات والشرب الكرام     تحيي بالسلامة أم بكر
                                                                                                                                                                                  وهل لي بعد قومي من سلام     يحدثنا الرسول بأن سنحيا
                                                                                                                                                                                  وكيف حياة أصداء وهام

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " فلما هاجر وأصبغ ". بفتح الهمزة وبالغين المعجمة أبو عبد الله المصري ، وهو من أفراده ، وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ، ويونس هو ابن يزيد الأيلي ، وابن شهاب محمد بن مسلم بن شهاب الزهري .

                                                                                                                                                                                  والحديث من [ ص: 58 ] أفراده ، وذكره الحافظ المزي في مسند أبي بكر رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من كلب " : أي من بني كلب ، وهو كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وأما الكلبي المشهور فهو من بني كلب بن وبرة بن ثعلب بن قضاعة . قوله : " هذا الشاعر " ، وهو أبو بكر شداد بن الأسود بن عبد شمس بن مالك بن جعونة ، ويقال له : ابن شعوب بفتح الشين المعجمة ، وضم العين المهملة وسكون الواو ، وفي آخره باء موحدة ، وقال ابن حبيب : وهي أمه ، وهي خزاعية ، وقال ابن هشام : وله شعر كثير ، قاله وهو كافر ، ثم أسلم ، ثم ارتد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " رثى " من رثيت الميت أرثيه ورثوته أيضا إذا بكيته ، وعددت محاسنه ، وكذلك إذا نظمت فيه شعرا ، ورثى له : أي رق له وتوجع ، قال ابن الأثير : المرثئة من أبنية المصادر نحو المغفرة والمعذرة . قوله : " بالقليب " وهو البئر التي لم تطو ، وقليب بدر وهي البئر التي ألقى رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فيها جيف صناديد قريش الذين قتلوا يوم بدر ، قال الشاعر المذكور هذه الأبيات المذكورة في مرثيتهم . قوله : " من الشيزى " بكسر الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الزاي مقصورا ، وهو شجر يتخذ منه الجفان والقصاع الخشب التي يعمل فيها الثريد ، وقال الأصمعي : هي من شجر الجوز ، يسود بالدسم ، وأراد بالشيزى ما تتخذ منه الجفنة ، وبالجفنة صاحبها كأنه قال : ماذا بقليب بدر من أجل أصحاب الجفان المزينة بلحوم أسنمة الإبل ، وقيل : كانوا يسمون الرجل المطعام جفنة ; لأنه يطعم الناس فيها ، وقال الداودي : الشيزى الجمال قال ; لأن الإبل إذا سمنت تعظم أسمنتها ، ويعظم جمالها ، ورد عليه ابن التين فقال : إنما أراد أن الجفنة من الثريد تزين بقطع اللحم من السنام .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من القينات جمع قينة " بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون ، وهي المغنية ، وتطلق على الأمة أيضا سواء كانت مغنية أو لا . قوله : " والشرب " بفتح الشين المعجمة وسكون الراء جمع شارب كتجر وتاجر ، وقيل : هو اسم جمع ، وأراد بهم الندماء الذين يجتمعون للشرب . قوله : " تحيي بالسلامة أم بكر " : تحيي من حيى يحيي بالتشديد تحية ، وفاعله هو قوله : " أم بكر " ، وأراد بالسلامة السلام ; لأن معنى السلام الذي هو التحية السلامة ، ألا ترى كيف عطف عليه في المصراع الآخر بالسلام يريد وهل لي بعد هلاك قومي من سلامة ، وفي رواية الكشميهني : تحييني بالإفراد ، وفي رواية غيره : تحيينا بضمير الجمع . وقوله : " وهل لي " بالواو في رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره : فهل لي بالفاء . قوله : " أصداء " بفتح الهمزة جمع صدى وهو ذكر البوم ، وهام جمع هامة ، وهي جمجمة الرأس ، وقيل : الصدى هو الطائر الذي يطير بالليل ، وقيل : الصدى ما كان يزعمه أهل الجاهلية من أن روح الإنسان تصير طائرا ، يقال له : الصدى وذلك من ترهات الجاهلية وأباطيلهم ، وإنكارهم البعث ، وقال الداودي : الصدى عظام الميت ، والهام جمع هامة وهم الموتى يقال : أصبح فلان هامة إذا مات ، ويحتمل أن يريد الإشراف ; لأن هامة القوم سيدهم ، وعن أبي عبيد في تفسيره أن العرب كانت تقول : إذا مات الميت يكون من عظامه هامة تطير ، وقال الهروي : يسمون ذلك الطائر الذي يخرج من هامة الميت إذا مات الصدى ، وذكر ابن فارس أن العرب كانت تقول : إن القتيل إذا لم يدرك بثأره يصير هامة في القبر ، فتزقو فتقول : اسقوني اسقوني ، فإذا أدرك بثأره طارت .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية