الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3762 32 - حدثني إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عبد الله بن إدريس ، قال : سمعت حصين بن عبد الرحمن ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي - رضي الله عنه - قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا مرثد والزبير ، وكلنا فارس ، قال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين ، فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا : الكتاب ، فقالت : ما معنا كتاب ، فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا ، فقلنا : ما كذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتخرجن الكتاب أو لنجردنك ، فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته ، فانطلقنا بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر : يا رسول الله ، قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني فلأضرب عنقه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما حملك على ما صنعت ؟ قال حاطب : والله ما بي إلا أكون مؤمنا بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي ، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : صدق ، ولا تقولوا له إلا خيرا ، فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني فلأضرب عنقه ، فقال : أليس من أهل بدر ؟ فقال : لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ، أو فقد غفرت لكم ، فدمعت عينا عمر وقال : الله ورسوله أعلم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : فقال : أليس من أهل بدر ؟ إلى آخره .

                                                                                                                                                                                  وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه ، وروى عنه مسلم أيضا ، وعبد الله بن إدريس بن يزيد الأودي بفتح الهمزة وسكون الواو وبالدال المهملة الكوفي ، وحصين بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف ، وفي آخره نون ، ابن عبد الرحمن السلمي أبو الهذيل الكوفي ، وسعد بن عبيدة مصغر عبدة ، أبو حمزة الكوفي السلمي ، ختن أبي عبد الرحمن السلمي الذي يروي عنه ، واسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة ، ولحبيب صحبة ، وعلي هو ابن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - .

                                                                                                                                                                                  وفيه ثلاثة من التابعين على نسق واحد ، وهم حصين بن عبد الرحمن وسعد بن عبيدة وأبو عبد الرحمن .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في كتاب الجهاد في باب الجاسوس ، وقد مر الكلام فيه هناك .

                                                                                                                                                                                  قوله: " وأبا مرثد " بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة ، وفي آخره دال مهملة ، واسمه كناز بكسر الكاف وتخفيف النون ، وفي آخره زاي ، أي : ابن الحصين ، ويقال : الحصين الغنوي ، قال الواقدي : توفي سنة ثنتي عشرة من الهجرة ، زاد غيره : بالشام في خلافة أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - . قوله : " والزبير " هو ابن العوام - رضي الله تعالى عنه - ، وقد تقدم في الجهاد أنه بعث عليا والمقداد والزبير ، ولا منافاة لاحتمال أنه بعث الأربعة . قوله : " تسير " جملة وقعت حالا من الضمير المنصوب في أدركناها . [ ص: 96 ] قوله: " الكتاب " بالنصب ، أي : هاتي الكتاب أو أخرجيه . قوله : " فأنخناها " أي : فأنخناها بعيرها . قوله : " أو لنجردنك " كلمة أو هنا بمعنى إلى نحو لألزمنك أو تعطيني حقي . قوله : " أهوت إلى حجزتها " بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالزاي ، قال ابن الأثير : أصل الحجزة موضع الإزار ، ثم قيل للإزار حجزة للمجاورة ، وقال غيره : وحجزة الإزار معقده ، وحجزة السراويل التي فيها التكة ، واحتجز الرجل بإزاره إذا شده على وسطه . قوله : " محتجزة " أي : شادة كساها على وسطها ، فإن قلت : تقدم في الجهاد أنها أخرجته من العقاص لا من الحجزة ، قلت : الحجزة هي المعقدة مطلقا ، وقد مر الكلام فيه من وجوه . قوله : " ما بي إلا أكون " كلمة إلا للاستثناء بكسر الهمزة ، وتقديره : أن لا أكون . قوله : " القوم " أي : المشركين . قوله : " يد " أي : يد نعمة ويد منة . قوله : " لعل الله " قال النووي : معنى الترجي راجع إلى عمر ; لأن وقوعه محقق عند الرسول ، قلت : الترجي في كلام الله وكلام رسوله للوقوع ، وقد وقع عند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ، ولفظه : إن الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعا : لن يدخل النار أحد شهد بدرا . قوله : " اعملوا ما شئتم " ظاهره مشكل لأنه للإباحة ، وهو خلاف عقد الشرع ، وأجيب بأنه إخبار عن الماضي ، أي : كل عمل كان لكم فهو مغفور ، ويؤيده أنه لو كان لما يستقبل من العمل لم يقع بلفظ الماضي ولقال فسأغفر لكم ، ورد بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - خاطب به عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب ، وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين ، فدل على أن المراد ما سيأتي ، وإنما أورده بلفظ الماضي مبالغة في تحقيقه ، وقيل : معناه الغفران لهم في الآخرة ، وإلا فلو توجه على أحد منهم حد مثلا يستوفى منه ، ألا ترى أن عمر - رضي الله تعالى عنه - حد قدامة بن مظعون حين شرب الخمر ، وهو بدري . قوله : " أو فقد غفرت لكم " شك من الراوي .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية