الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3766 37 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن جده قال : قال عبد الرحمن بن عوف : إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن ، فكأني لم آمن بمكانهما ، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه : يا عم ، أرني أبا جهل ، فقلت : يا ابن أخي ، وما تصنع به ؟ قال : عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه ، فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله ، قال : فما سرني أني بين رجلين مكانهما ، فأشرت لهما إليه ، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه ، وهما ابنا عفراء .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  وجه ذكره هنا ما ذكرناه في أول الباب .

                                                                                                                                                                                  ويعقوب ذكر مجردا في رواية الأكثرين ، ووقع في رواية أبي ذر والأصيلي يعقوب بن إبراهيم ، وجزم الكلاباذي بأنه ابن حميد بن كاسب ، وذكر في رجال الصحيحين ، وللبخاري وحده يعقوب غير منسوب ، يقال : هو ابن حميد بن كاسب أبو يوسف المدني ، سكن مكة ، سمع إبراهيم بن سعد ، روى عنه البخاري ، وقيل له : يعقوب بن كاسب ما قولك فيه ؟ قال : لم نر إلا خيرا ، وهو في الأصل صدوق ، روى عنه في الصلح ، وفي باب من شهد بدرا من الملائكة ، وقال : مات آخر سنة أربعين ومائتين ، وقال الكرماني : الحديث مسلسل بالأبوة ; إذ هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ، يعني كل واحد منهم يروي عن أبيه ، قلت : هذا غلط ; لأن يعقوب مات قبل أن يرحل البخاري ، وروى له الكثير بواسطة ، والذي قاله الكرماني جوزه أبو مسعود في الأطراف ، ولكنهم غلطوه ، فكأن الكرماني لم يطلع إلا على هذا فجزم بأنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، والآفة في مثل هذا من عدم التأمل والتقليد ، ومال المزي إلى أنه يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، والله أعلم ، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه - يروي عن أبيه سعد ، وسعد يروي عن جده عبد الرحمن بن عوف .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في الخمس في باب من لم يخمس الأسلاب ، فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يوسف بن الماجشون بأتم منه وأطول ، ومضى الكلام فيه هناك .

                                                                                                                                                                                  قوله: " فكأني لم آمن بمكانهما " أي : من العدو لجهة مكانهما ، ويحتمل أن يكون مكانهما كناية عنهما ، أي : لم أثق بهما لأنه لم يعرفهما فلم يأمن أن يكونا من العدو ، وجاء في مغازي ابن عائذ ما يوضح معنى هذا ، فإنه أخرج هذه القصة مطولة بإسناد منقطع ، وزاد فيها : فأشفقت أن يؤتى الناس من ناحيتي لكوني بين غلامين حديثين . قوله : " إذ قال " أي : حين قال لي أحدهما ، أي : أحد الغلامين المذكورين . قوله : " أرني " بفتح الهمزة أمر من الإراءة . قوله : " إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه " أي : أو أن أموت دونه ، وكلمة أو هنا يصلح أن تكون شرطية لأنها من جملة معانيها الاثنا عشر ، ولكن التحقيق هنا أن كلمة أو بمعنى الواو ، ولكن الفعل الذي قبلها دل على معنى حرف الشرط فدخلها معنى الشرط ، والأولى أن تكون بمعنى إلى ، والمعنى : إن رأيته أعالج قتله إلى أن أموت دونه . قوله : " فما سرني " كلمة ما للنفي . قوله : " مكانهما " أي : بدلهما . قوله : " إليه " أي : إلى أبي جهل . قوله : " مثل الصقرين " تثنية صقر ، وهو الطائر الذي يصاد به ، وإنما شبههما بالصقر لما فيه من الشهامة والإقدام على الصيد ، ولأنه إذا نشب لم يفارقه حتى يأخذه ، وأول من صاد بالصقر من العرب الحارث بن معاوية بن ثور الكندي ، ثم اشتهر الصيد به . قوله : " وهما " أي : الغلامان المذكوران ابنا عفراء معاذ ومعوذ ، وقد مر البحث فيه قريبا وبعيدا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية