الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3800 وقال الليث : عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب : وقعت الفتنة الأولى ، يعني مقتل عثمان ، فلم تبق من أصحاب بدر أحدا ، ثم وقعت الفتنة الثانية ، يعني الحرة ، فلم تبق من أصحاب الحديبية أحدا ، ثم وقعت الثالثة فلم ترتفع ، وللناس طباخ .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  تعليق الليث بن سعد هذا الذي رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري نحوه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " يعني مقتل عثمان " تفسير لقوله الفتنة الأولى ، وكان مقتل عثمان - رضي الله تعالى عنه - يوم الجمعة لثمان ليال خلت من ذي الحجة يوم التروية سنة خمس وثلاثين ، قاله الواقدي ، وعنه أيضا أنه قتل يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة ، وحاصروه تسعة وأربعين يوما ، وقال الزبير : حاصروه شهرين وعشرين يوما . قوله : " فلم تبق " بضم التاء من الإبقاء ، قيل : هذا غلط ; لأن عليا وطلحة والزبير وآخرين من البدريين عاشوا بعد عثمان زمانا ، وكيف يقال : فلم تبق ، أي : الفتنة الأولى ، من أصحاب بدر أحدا ، وأجيب بأنه ظن أنهم قتلوا عند مقتل عثمان ، وليس ذلك مرادا وفيه نظر لا يخفى ، وقال الكرماني : المراد : عثمان صار سببا لهلاك كثير من البدريين ، كما في القتال الذي بين علي ومعاوية ونحوه ، ثم قال : أحد نكرة في سياق النفي فيفيد العموم ، ثم أجاب بقوله : ما من عام إلا وقد خص إلا قوله تعالى : والله بكل شيء عليم مع أن لفظ العام الذي قصد به المبالغة اختلفوا فيه هل معناه العموم أم لا ، وقال الداودي : الفتنة الأولى مقتل الحسين - رضي الله تعالى عنه - قيل : هذا خطأ ; لأن في زمن مقتل الحسين لم يكن أحد من البدريين موجودا . قوله : " يعني الحرة " تفسير للفتنة الثانية يعني الفتنة الثانية هي وقعة الحرة ، أي : حرة المدينة وهي خارجها ، وهو موضع الذي قاتل عسكر يزيد بن معاوية فيه أهل المدينة في سنة اثنتين وستين ، الأصح أنها كانت في سنة ثلاث وستين ، وكان رأس عسكر يزيد مسلم بن عقبة ، قال المدائني : كان في سبعة وعشرين ألفا اثني عشر ألف فارس وخمسة عشر ألف راجل ، وكانوا نزلوا شرقي المدينة في الحرة ، وهي أرض ذات حجارة سود ، ولما وقع القتال انتصر مسلم بن عقبة ، وقتل سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ، وكان السبب في ذلك أن أهل المدينة خلعوا يزيد ، وولوا على قريش عبد الله بن مطيع ، وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر ، وأخرجوا عامل يزيد من بين أظهرهم ، وهو عثمان بن [ ص: 120 ] محمد بن أبي سفيان ابن عم يزيد ، واجتمعوا على إجلاء بني أمية من المدينة ، فاجتمعوا وهم قريب من ألف رجل في دار مروان بن الحكم ، والقصة في ذلك طويلة بسطناها في تاريخنا الكبير .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ثم وقعت الفتنة الثالثة " كذا وقع في الأصول ولم يبينها ، وزعم الداودي أنها فتنة الأزارقة ، قيل : فيه نظر ولم يبين وجهه ، وقال ابن التين : يحتمل أن يكون يوم خرج بالمدينة أبو حمزة الخارجي ، وبه جزم محمد بن عبد الحكم ، وكان ذلك في خلافة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم سنة ثلاثين ومائة ، وكان مجيئه من حضرموت من عند عبد الله بن يحيى بن زيد مظهرا لخلاف مروان في سبعمائة فارس ، وكان حضوره في الموسم ، وكان على مكة والمدينة والطائف عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان ، ووقع بينهما الاتفاق إلى أن ينفر الناس النفير الأخير ، ووقعوا بعرفة ، ودفع بالناس عبد الواحد ، ثم مضى إلى المدينة وخلى مكة لأبي حمزة فدخلها من غير قتال ، ولما بلغ الخبر مروان انتخب من عسكره أربعة آلاف ، واستعمل عليهم عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي ، ولما تلاقيا اقتتلوا فقتل أبو حمزة وعسكره ، والله أعلم . قوله : " وللناس طباخ " بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة الخفيفة ، وفي آخره خاء معجمة ، أي : قوة وشدة ، وقال الخليل : أصل الطباخ السمن والقوة ، ويستعمل في الفعل والخير ، وقال حسان :


                                                                                                                                                                                  المال يغشى رجالا لا طباخ لهم كالسيل يغشى أصول الدندن البالي

                                                                                                                                                                                  والدندن بكسر الدالين المهملتين وسكون النون بينهما هو الذي يسود من النبات لقدمه ، ويروى : وبالناس ، ويروى : وفي الناس .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية