الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3993 251 - حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا أبو إسحاق ، عن مالك بن أنس ، قال : حدثني ثور ، قال : حدثني سالم مولى ابن مطيع : أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهبا ولا فضة ، إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط ، ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ومعه عبد له يقال له : مدعم أهداه له أحد بني الضباب ، فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر حتى أصاب ذلك العبد ، فقال الناس : هنيئا له الشهادة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا ، فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين ، فقال : هذا شيء كنت أصبته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شراك - أو شراكان - من نار .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وعبد الله بن محمد الجعفي المعروف بالمسندي ، ومعاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي البغدادي ، وأصله كوفي ، وهو من مشايخ البخاري ، روى عنه بالواسطة ، وروى عنه في الجمعة بلا واسطة ، وأبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد الفزاري ، وثور بلفظ الحيوان المشهور - ابن زيد أبو خالد الكلاعي السامي ، حمصي مات ببيت المقدس سنة خمس وخمسين ومائة ، وهو من أفراد البخاري ، وسالم أبو الغيث مولى عبد الله بن مطيع بن الأسود القرشي العدوي المدني ، روى عن أبي هريرة حديثا واحدا .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري في الأيمان والنذور ، عن إسماعيل بن عبد الله ، عن مالك ، وهاهنا بينه وبين مالك ثلاثة أنفس ، ونزل في هذا الحديث درجتين ; لأن البخاري له حرص شديد على الإتيان بالطرق المصرحة بالتحديث ، وأخرجه مسلم أيضا عن القعنبي وغيره ، وأخرجه أبو داود عن القعنبي به ، وأخرجه النسائي في السير ، عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين .

                                                                                                                                                                                  قوله : " افتتحنا خيبر " ، وفي رواية عبيد الله بن يحيى عن يحيى عن أبيه في الموطأ : " حنين " بدل خيبر ، وخالفه محمد بن وضاع عن يحيى بن يحيى ، فقال : خيبر ، مثل الجماعة ، وحكى الدارقطني عن موسى بن هارون أنه قال : وهم ثور في هذا الحديث ; لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ، وإنما قدم بعد خروجهم ، وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت قال أبو مسعود : ويؤيده حديث عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما افتتحوها ، ولما روى محمد بن إسحاق هذا الحديث لم يذكر هذه اللفظة ; لأنه استشعر توهم ثور بن زيد ، وأخرجه ابن حبان والحاكم وابن منده من طريقه بلفظ : " انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ، وقال بعضهم : إذا حمل افتتحنا على افتتح المسلمون لا يلزم شيء من ذلك . قلت : هذا بعيد بهذا الوجه ، قوله : " ولم نغنم ذهبا " إلى قوله : " والحوائط " ، وهو جمع حائط ، وهو البستان من النخل ، وفي رواية مسلم غنمنا المتاع والطعام والثياب ، وفي رواية الموطأ : إلا الأموال والمتاع والثياب ، قوله : " إلى وادي القرى " ، جمع قرية موضع بقرب المدينة ، وهو من أعمالها ، قوله : " ومعه عبد له " ، وفي رواية الموطأ : " عبد أسود " ، قوله : " مدعم " ، بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين . قوله : " أهداه له " ، أي أهدى العبد للنبي صلى الله عليه وسلم أحد بني الضباب كذا في رواية أبي إسحاق بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الباء الموحدة الأولى بلفظ جمع الضب ، وفي رواية مسلم : أهداه له رفاعة بن زيد أحد بني الضبيب بضم الضاد بصيغة التصغير ، وفي رواية ابن إسحاق رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبيني بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة بعدها نون ، وقيل : بفتح المعجمة وكسر الموحدة بطن من جذام ، وضبطه الكرماني بضم المعجمة وفتح الموحدة الأولى [ ص: 255 ] وسكون التحتانية بينهما ، وقال الرشاطي : الضبيبي في جذام ، وضبطه بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة الأولى ، وكسر الثانية بينهما ياء آخر الحروف ساكنة ، ثم قال ابن حبيب في جذام الضبيب ، ولم يرد شيئا ، وذكر أبو عمر رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي ثم الضبيبي من بني الضبيب ، قال : هكذا يقول بعض أهل الحديث ، وأما أهل النسب فيقولون : الضبيني - يعني بالنون في آخره ، يعني من بني الضبين من جذام ، قال : ولم أر هذا القول لأحد ، وقال أبو يعلى العالي : صوابه الضبيني - يعني بفتح الضاد والباء الموحدة وبالنون ، من بني ضبينة من جذام .

                                                                                                                                                                                  قلت : النسبة إلى لفظ فعيلة فعلي ، مثل الحنفي نسبة إلى أبي حنيفة ، وكذلك الضبيني فافهم ; فإنه موضع التباس ، وقال الواقدي : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي ، ثم الضبيني في هدنة الحديبية قبل خيبر في جماعة من قومه ، فأسلموا وعقد له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على قومه ، وهو الذي أهدى له عبدا ، قوله : " إذ جاءه سهم عائر " كلمة " إذ " للمفاجأة ، جواب قوله : " فبينما " ، والعائر بالعين المهملة والهمزة بعد الألف ، أي حائد عن قصده ، وقيل : هو سهم لا يدرى من أين أتى ، قوله : " بل والذي نفسي بيده " ، وفي رواية الكشميهني : " بلى " ، وهو تصحيف ، وفي رواية مسلم : " كلا والذي نفسي بيده " ، وهو رواية الموطأ ، قوله : " إن الشملة " هي كساء يشتمل به الرجل ، ويجمع على الشمال . قوله : " لتشتعل " خبر إن ، واللام المفتوحة فيه للتأكيد ، ويحتمل أن يكون اشتعال النار حقيقة ، بأن تصير الشملة بعينها نارا ، فيعذب بها ، ويحتمل أن يكون المراد أنها سبب لعذاب النار ، وكذا القول في الشراك الذي يأتي ، قوله : " بشراك " بكسر الشين المعجمة وتخفيف الراء ، وهو سير النعل على ظهر القدم ، قوله : " أو بشراكين " شك من الراوي .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية