الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4025 283 - حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، قال : أخبرني الحسن بن محمد أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يقول : سمعت عليا رضي الله عنه يقول : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 274 ] أنا والزبير والمقداد فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوا منها ، قال : فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة ، فإذا نحن بالظعينة ، قلنا لها : أخرجي الكتاب ، قالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتخرجن الكتاب ، أو لتلقين الثياب ، قال : فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا حاطب ، ما هذا ؟ قال : يا رسول الله ، لا تعجل علي ; إني كنت امرأ ملصقا في قريش يقول : كنت حليفا ، ولم أكن من أنفسها ، وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا ; يحمون قرابتي ، ولم أفعله ارتدادا عن ديني ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إنه قد صدقكم ، فقال عمر : يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال : إنه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا ، قال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، فأنزل الله السورة : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق إلى قوله : فقد ضل سواء السبيل

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وسفيان هو ابن عيينة ، والحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم يعرف أبوه بابن الحنفية ، قال الواقدي : توفي زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه ، وعبيد الله بن أبي رافع مولى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وأبو رافع اسمه أسلم .

                                                                                                                                                                                  والحديث قد مضى في الجهاد في باب الجاسوس ، ومضى الكلام فيه هناك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " والزبير " بالنصب عطف على الضمير المنصوب في بعثني ، وهو الزبير بن العوام ، قوله : " والمقداد " بالنصب أيضا عطفا على " والزبير " وأكد الضمير المنصوب في بعثني بلفظ " أنا " كما في قوله تعالى : إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا ( فإن قلت ) : في رواية أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي رضي الله تعالى عنه بعثني وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام كما تقدم في فضل من شهد بدرا ، قلت يحتمل أن يكون هؤلاء الثلاثة مع علي فذكر أحد الراويين عنه ما لم يذكر الآخر ، وذكر ابن إسحاق الزبير مع علي ليس إلا وساق الخبر بالتثنية ، قال : فخرجا حتى أدركاها فاستنزلاها إلى آخره ، قوله : " روضة خاخ " بخاءين معجمتين موضع بين مكة والمدينة ، قوله : " ظعينة " أي : امرأة واسمها سارة ، وقال الواقدي : كنود ، وفي رواية أم سارة : وجعل لها حاطب عشرة دنانير على ذلك ، وقيل : دينارا واحدا ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها يوم الفتح مع هند بنت عتبة ، ثم استؤمن لها فأمنها ، ثم بقيت حتى أوطأها رجل من الناس فرسا في زمن عمر رضي الله تعالى عنه فقتلها ، وكانت مولاة لبني عبد المطلب ، قوله : " تعادى بنا خيلنا " أي : أسرعت بنا وتعدت عن مشيها المعتاد ، قوله : " أو لتلقين " بكسر الياء وفتحها ، قوله : " من عقاصها " بكسر العين وبالقاف ، وهي الشعور المظفورة ، ( فإن قلت ) : تقدم في باب إذا اضطر الرجل إلى النظر أنها أخرجته من الحجزة ، ( قلت ) : قال الكرماني : لعلها أخرجته من الحجزة فأخفته في العقيصة ثم أخرجته منها ، ( قلت ) : لا يخلو هذا من نظر ، وقد مر الكلام فيه في الجهاد ، قوله : " يقول : كنت حليفا " تفسير قوله : " وكنت امرأ ملصقا في قريش " ، وقال السهيلي : كان حاطب حليفا لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى ، قوله : " يدا " أي : منة وحقا ، قوله : " فقال : إنه " أي : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن حاطبا شهد بدرا ، أي : غزوة بدر ، وحاطب بالمهملتين ابن أبي بلتعة ، واسمه عمير بن سلمة بن صعب بن سهل بن عتيك .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 275 ] وقال أبو عمر : حاطب بن أبي بلتعة اللخمي من ولد لخم بن عدي في قول بعضهم ، وقيل : كان عبدا لعبد الله بن حميد المذكور آنفا بالكتابة ، فأدى كتابته يوم الفتح ، مات سنة ثلاثين بالمدينة ، وهو ابن ثنتين وستين سنة ، وصلى عليه عثمان رضي الله تعالى عنه ، وبعثه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بكتاب إلى المقوقس صاحب مصر والإسكندرية في محرم سنة ست بعد الحديبية ، فأقام عنده خمسة أيام ، ورجع بهدية منها مارية أم إبراهيم ، وأختها سيرين فوهبها لحسان بن ثابت ، وبغلته دلدل ، وحماره عفير وعسل وثياب ، وغير ذلك من الظرف ، وقال أبو عمر : أهدى المقوقس لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثلاث جوار ; منهن أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وأخرى وهبها لأبي جهم بن حذيفة العدوي ، وأخرى وهبها لحسان بن ثابت ، ثم بعثه الصديق رضي الله تعالى عنه أيضا إلى المقوقس فصالحهم ، فلم يزالوا كذلك حتى دخلها عمرو بن العاص ، فنقض الصلح ، وقاتلهم وافتتح مصر ، وذلك في سنة عشرين ، وكان حاطب تاجرا يبيع الطعام ، وترك يوم مات أربعة آلاف دينار ودراهم وغير ذلك ، وروى حاطب عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : من رآني بعد موتي فكأنما رآني في حياتي ، ومن مات في أحد الحرمين يبعث في الآمنين يوم القيامة ، وقال أبو عمر : لا أعلم له غير هذا الحديث ، وفي الصحابة حاطب أربعة سواه ، قاله صاحب التوضيح ، ولم يذكر أبو عمر إلا أربعة منهم حاطب بن عمرو بن عتيك ، شهد بدرا ولم يذكره ابن إسحاق في البدريين ، وحاطب بن عمرو بن عبد شمس ، وحاطب بن الحارث ، مات بأرض الحبشة مهاجرا ، وحاطب بن أبي بلتعة ، قوله : " فأنزل الله السورة " إلى آخره قال أبو عمر : قد شهد الله لحاطب بن أبي بلتعة بالإيمان في قوله : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء قال مجاهد : هذا صريح في نزول الآية فيه وفي قوم معه كتبوا إلى أهل مكة يخبرونهم ، قوله : تلقون إليهم بالمودة أي : تلقون إليهم النصيحة بالمودة ، قوله : وقد كفروا أي : والحال أن أهل مكة المشركين قد كفروا بما جاءكم الرسول من الحق ، وهو القرآن وأمره ، قوله : يخرجون الرسول أي : من مكة ، وهو استئناف كالتفسير لكفرهم ، وقيل حال من كفروا ، أي : يخرجون الرسول وإياكم من مكة لأجل إيمانكم ، قوله : إن كنتم خرجتم المعنى إن كنتم خرجتم للجهاد ولطلب مرضاة الله ، فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ، قوله : تسرون بدل من تلقون ، وقيل استئناف ، قوله : وأنا أعلم بما أخفيتم فكيف يخفى علي تحذيركم الكفار ، قوله : ومن يفعله منكم أي : ومن يفعل الإسرار في هذا فقد ضل أي : فقد أخطأ سواء السبيل أي : طريق الحق .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية