الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4044 302 - حدثنا سعيد بن شرحبيل ، حدثنا الليث ، عن المقبري ، عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد ، وهو يبعث البعوث إلى مكة : ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح ، سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به : إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ، لا يحل لامرئ يؤمن بالله ولا باليوم الآخر أن يسفك بها دما ، ولا يعضد بها شجرا ، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له : إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم ، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، وليبلغ الشاهد الغائب ، فقيل لأبي شريح : ماذا قال لك عمرو ؟ قال : قال أنا أعلم بذلك منك يا با شريح ، إن الحرم لا يعيذ عاصيا ، ولا فارا بدم ، ولا فارا بخربة .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 287 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 287 ] مطابقته للترجمة في قوله يوم الفتح ، وسعيد بن شرحبيل بضم الشين المعجمة ، وفتح الراء ، وسكون الحاء المهملة ، وكسر الباء الموحدة ، وسكون الياء آخر الحروف ، وفي آخره لام الكندي من قدماء شيوخ البخاري ، وليس له عنه في الصحيح سوى هذا الموضع ، وآخر في علامات النبوة ، وكل منهما عنده له متابع عن الليث بن سعد ، والمقبري بفتح الميم ، وسكون القاف ، وضم الباء الموحدة هو سعيد بن أبي سعيد ، واسم أبي سعيد كيسان ، وكان يسكن مقبرة فنسب إليها وأبو شريح بضم الشين المعجمة ، وفي آخره حاء مهملة ، واسمه خويلد مصغر خالد العدوي بفتح المهملتين وبالواو ، قال أبو عمر في كتابه الاستيعاب : أبو شريح الكعبي الخزاعي اسمه خويلد بن عمرو ، وقيل ابن خويلد ، وقيل كعب بن عمرو ، وقيل هانئ بن عمرو ، والأول أصح ، أسلم قبل فتح مكة ، وكان يحمل ألوية بني كعب يوم فتح مكة ، توفي بالمدينة سنة ثمان وستين ، عداده في أهل الحجاز .

                                                                                                                                                                                  وقد مر الحديث في كتاب العلم في باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب ، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف ، عن الليث ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي شريح إلى آخره ، وقد مر الكلام فيه مستقصى ، ولكن نذكر بعض شيء لبعد المسافة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لعمرو بن سعيد " أي : ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي ، يعرف بالأشدق ، وليست له صحبة ، ولا من التابعين بإحسان ، ووالده مختلف في صحبته ، وكان أمير المدينة ، وغزا ابن الزبير ثم قتله عبد الملك بن مروان بعد أن أمنه ، وكان قتله في سنة سبعين من الهجرة ، قوله : " وهو يبعث البعوث " وهو جمع بعث ، وهو الجيش ، قوله : " الغد " بالنصب على الظرفية ، وهو اليوم الثاني من فتح مكة ، قوله : " سمعته أذناي " تأكيد ، وكذا قوله : " ووعاه قلبي " أي : حفظه ، وكذا قوله : " وأبصرته عيناي " ، قوله : " حمد الله " بيان لقوله تكلم ، قوله : " ولا باليوم الآخر " كلمة لا زائدة لتأكيد النفي ، قوله : " ولا يعضد " من عضدت الشجرة بالنصب أعضدها بالكسر ، أي : قطعتها ، قوله : " فإن أحد ترخص " أحد مفسر لقوله ترخص ، قوله : " لقتال النبي صلى الله عليه وسلم " أي : لأجل قتاله ، قوله : " وليبلغ " يجوز بكسر اللام وتسكينها ، قوله : " يا با شريح " أصله يا أبا شريح حذفت الهمزة للتخفيف ، قوله : " لا يعيذ " بضم الياء من الإعاذة بالذال المعجمة ، أي : لا يعصم العاصي عن إقامة الحد عليه ، قوله : " ولا فارا " بتشديد الراء أي : ملتجئا إلى الحرم خوفا من إقامة الحد عليه ، ومعناه في الأصل الهارب ، " ولا فارا بخربة " بفتح الخاء المعجمة ، وسكون الراء بعدها باء موحدة ، وهي السرقة ، كذا ثبت تفسيرها في رواية المستملي ، ولا فارا بخربة يعني السرقة ، وقال ابن بطال : الخربة بالضم الفساد ، وبالفتح السرقة ، وقال القاضي : وقد رواه جميع رواة البخاري غير الأصيلي بالخاء المعجمة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية