الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4067 323 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمر بن كثير بن أفلح ، عن أبي محمد مولى أبي قتادة ، عن أبي قتادة ، قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين ، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة ، فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف ، فقطعت الدرع ، وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ، ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر ، فقلت : ما بال الناس ؟ قال : أمر الله عز وجل ثم رجعوا ، وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ، فقلت : من يشهد لي ؟ ثم جلست ، قال : ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، فقمت فقلت : من يشهد لي ؟ ثم جلست ، قال : ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، فقمت فقال : ما لك يا أبا قتادة ؟ فأخبرته فقال رجل : صدق ، وسلبه عندي ، فأرضه مني ، فقال أبو بكر : لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعطيك سلبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق ، فأعطه فأعطانيه ، فابتعت به مخرفا في بني سلمة ، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري قاضي المدينة ، وعمر بن كثير ضد القليل ابن أفلح المدني مولى أبي أيوب الأنصاري وثقه النسائي وغيره ، وهو من التابعين الصغار ، ولكن ذكره ابن حبان في أتباع التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث بهذا الإسناد ، وحرف يحيى بن يحيى الأندلسي في روايته فقال عمرو بن كثير بفتح العين والصواب عمر بضم العين ، وأبو محمد اسمه نافع بن عباس معروف باسمه وكنيته ، وهو مولى أبي قتادة ويقال مولى عقيلة بنت طلق ، ويقال عبلة بنت طلق ، وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي وقيل غيره .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في الخمس في باب من لم يخمس الأسلاب ، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة ، عن مالك إلى آخره ، ومضى الكلام فيه هناك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " جولة " بفتح الجيم ، وسكون الواو ، أي : تقدم وتأخر ، وفي العبارة لطف حيث لم يقل هزيمة ، وهذه الجولة كانت في بعض المسلمين لا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حواليه ، قوله : " قد علا رجلا " أي : ظهر على قتله ، قوله : " على حبل عاتقه " العاتق موضع الرداء من المنكب والحبل العصب ، قوله : " بالسيف " ويروى بسيف بدون الألف واللام ، قوله : " فقطعت الدرع " أي : اللبس الذي كان لابسه ، قوله : " وجدت منها " أي : من تلك الضمة ريح الموت ، أي : من شدتها ، قوله : " فأرسلني " أي : أطلقني ، قوله : " فلحقت عمر رضي الله تعالى عنه " فيه حذف تقديره : فانهزم المسلمون وانهزمت معهم فلحقت عمر ، قوله : " ما بال الناس ؟ " أي : ما حالهم ؟ قوله : " قال : أمر الله " أي : قال عمر : حكم الله تعالى وما قضى به ، وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هذا الذي أصابهم أمر الله ، قوله : " ثم رجعوا " أي : ثم تراجعوا ، وهكذا في الرواية الآتية وكيفية رجوعهم قد تقدمت عن قريب ، قوله : " من قتل قتيلا " أي : مشرفا على القتل ، فهو مجاز باعتبار المآل ، قال الكرماني : ويحتمل أن يكون حقيقة بأن يراد بالقتيل القتيل بهذا القتل لا بقتل سابق ، كما قال المتكلمون في جواب المغالطة المشهورة ، وهو أن إيجاد المعدوم محال ; لأن الإيجاد إما حال العدم فهو جمع بين النقيضين ، وإما حال الوجود ، وهو تحصيل للحاصل أن إيجاد الموجود بهذا الوجود لا بوجود متقدم ، قوله : " فأرضه مني " هكذا رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره : فأرضه منه ، قوله : " فقال أبو بكر " أي : الصديق رضي الله عنه ، قوله : " لا ها الله " كلمة ها للتنبيه ، وقد يقسم [ ص: 300 ] بها يقال : لا ها الله ما فعلت ، أي : لا والله ، وقال ابن مالك : فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه ، قال : ولا يكون ذلك إلا مع الله ، أي : لم يسمع لا ها الرحمن كما سمع لا والرحمن ، وحكى ابن التين عن الداودي أنه روى رفع الله ، والمعنى يأبى الله ، وقيل : إن ثبتت الرواية بالرفع فيكون ها للتنبيه ، والله مبتدأ ، وقوله : " لا يعمد " خبره ، وفيه تأمل ، قوله : " إذا " بكسر الهمزة وبالذال المعجمة المنونة ، وقال الخطابي : هكذا نرويه ، وإنما هو في كلامهم ، أي : العرب لا ها الله ذا يعني بدون الهمزة في أوله ، والهاء فيه بمنزلة الواو ، والمعنى : لا والله لا يكون ذا ، وقال عياض في المشارق : عن إسماعيل القاضي ، أن المازني قال : قول الرواة : لا ها الله إذا خطأ ، والصواب : لا ها الله ذا ، أي : ذا يميني وقسمي ، وقال أبو زيد : ليس في كلامهم لا ها الله إذا ، وإنما هو لا ها الله ذا ، وذا صلة في الكلام ، والمعنى : لا والله هذا ما أقسم به ، وقال الطيبي : ثبت في الرواية : لا ها الله إذا ، فحمله بعض النحويين على أنه من تعبير بعض الرواة ; لأن العرب لا تستعمل لا ها الله بدون ذا ، وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذا ; لأنها حرف جزاء ، ومقتضى الجزاء أن لا يذكر إلا في قوله : " لا يعمد " بل كان يقول : إذا يعمد إلى أسد ليصح جوابا لطالب السلب . انتهى .

                                                                                                                                                                                  وقد أطال بعضهم الكلام في هذا جدا مختلطا بعضه ببعض من غير ترتيب ، فالناظر فيه إن كان له يد يشمئز خاطره من ذلك ، وإلا فلا يفهم شيئا أصلا ، والذي يقال بما يجدي الناظر أنه إن كان إذا على ما هو الموجود في الأصول يكون معناه حينئذ ، وإن كان ذا بدون الهمزة فوجهه ما تقدم ، فلا يحتاج إلى الإطالة غير الطائلة ، قوله : " لا يعمد " أي : لا يقصد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة يقاتل عن دين الله ورسوله ، فيأخذ حظه ويعطيكه بغير طيبة من نفسه ، وقال الكرماني : ويعمد بالغيبة والتكلم ، ووقع في مسند أحمد أن الذي خاطب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك عمر ، ولفظه فيه : " فقال عمر : والله لا يفيئها الله على أسد ويعطيكها ، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : صدق عمر ، قلت : صاحب القصة أبو قتادة ، فهو أتقن لما وقع فيها من غيره ، وقيل يحتمل الجمع بأن يكون عمر أيضا قال ذلك تقوية لأبي بكر رضي الله تعالى عنه قوله : " فابتعت به " أي : اشتريت بذلك السلب ، وقال الواقدي : باعه لحاطب بن أبي بلتعة بسبع أواق ، قوله : " مخرفا " بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة ، قيل : يجوز فيه كسر الخاء ، وهو البستان ، وسمي بذلك لأنه يخترف منه التمر ، أي : يجنى ، وذكر الواقدي أن هذا البستان كان يقال له الودنين والمخرف بكسر الميم اسم الآلة التي يجتنى بها ، قوله : " في بني سلمة " بكسر اللام بطن من الأنصار ، وهم قوم أبي قتادة ، قوله : " تأثلته " بالتاء المثناة من فوق ، وفتح الهمزة ، وسكون الثاء المثلثة ، وضم التاء المثناة من فوق ، أي : اتخذته أصل المال واقتنيته ، وأثلة كل شيء أصله .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية