الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4069 325 - حدثنا الحميدي ، سمع سفيان ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن زينب ابنة أبي سلمة ، عن أمها أم سلمة رضي الله عنها دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث ، فسمعته يقول لعبد الله بن أبي أمية : يا عبد الله ، أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان ، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يدخلن هؤلاء عليكن .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  وجه ذكر هذا الحديث هو أن فيه ذكر فتح الطائف والحميدي هو عبد الله بن الزبير نسب إلى أحد أجداده ، وسفيان هو ابن عيينة ، وهشام هو ابن عروة بن الزبير ، وزينب ابنة أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ، وكان اسمها برة فسماها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم زينب ، واسم أمها أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية ، زوج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وفي هذا الإسناد لطيفة : هشام عن أبيه وهما تابعيان ، وزينب وأمها وهما صحابيتان .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا عن محمود بن غيلان هنا ، وفي النكاح أيضا عن عثمان بن أبي شيبة ، وفي اللباس عن أبي غسان مالك بن إسماعيل ، وأخرجه مسلم في الاستئذان عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره ، وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن محمد بن آدم وغيره ، وأخرجه ابن ماجه في النكاح وفي الحدود عن أبي بكر بن أبي شيبة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " مخنث " قال النووي : بكسر النون وفتحها والكسر أفصح ، والفتح أشهر ، وهو الذي خلقه خلق النساء سمي به لانكسار كلامه ولينه ، يقال : خنثت الشيء فتخنث ، أي : عطفته فتعطف ، قوله : " يا عبد الله " هو أخو أم سلمة راوية الحديث ، وكان إسلامه مع أبي سفيان بن الحارث في غزوة الفتح ، واستشهد بالطائف ، أصابه سهم فمات منه ، قوله : " أرأيت " أي : أخبرني ، قوله : " فعليك " أي : الزم ابنة غيلان بفتح الغين المعجمة ، وسكون الياء آخر الحروف ، وبالنون ، واسم ابنته بادية ضد الحاضرة ، وقيل : بادنة بالنون بعد الدال ، وقال أبو نعيم : أسلمت وسألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن الاستحاضة ، وأبوها غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قيس ، وهو ثقفي أسلم بعد فتح الطائف ولم يهاجر ، وهو أحد من قال : " لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " وكان أبيض طوالا جعدا فخما جميلا ، ولما وفد على ركرسرى واستحسن عقله قال له كسرى : ما غذاؤك ؟ قال : البر ، قال كسرى : هذا العقل من البر لا من اللبن والتمر ، وذكر المبرد أن كسرى قال : هذا لهوزة بن علي ، قال السهيلي : والصحيح عند الإخباريين أنه قاله لغيلان ، وكذا قاله أبو الفرج الأصبهاني ، وأم غيلان سبيعة بنت عبد شمس ، وكان شاعرا محسنا ، توفي في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، قوله : " فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان " قال : بثمان ولم يقل بثمانية لأنه أراد الأطراف ، وهي مذكرة لأنه لم يذكرها، وكذلك بأربع ولم يقل بأربعة; لأن العكن واحدتها عكنة ، وهو من التأنيث المعنوي ، يقال أربع على تأنيث العدد ، وقال الخطابي : يريد أربع عكن في البطن من قدامها ، فإذا أقبلت رؤيت مواضعها شاخصة منكسرة الغصون ، وأراد بالثمان أطراف هذه العكن من ورائها عند منقطع الجنبين ، قلت : حاصله أن السمينة يحصل لها في بطنها أربع عكن ، ويرى من الوراء لكل عكنة طرفان ، وقال الخطابي : وهذا إنما كان يؤذن له على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على أنه من جملة غير أولي الإربة من الرجال ، فلم ير بأسا به ، وقال ابن الكلبي : إنه قال تغدو وتدبر بثمان مع ثغر كالأقحوان ، إن قعدت تثنت ، وإن تكلمت تغنت ، بين رجليها مثل الإناء المكفوف ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع فقال : لقد غلغلت النظر إليها يا عدو الله ، ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى ، فلما فتح الطائف [ ص: 304 ] تزوجها عبد الرحمن بن عوف ، فولدت له نزيهة ولما قبض صلى الله عليه وسلم أبى أن يرده الصديق رضي الله تعالى عنه ، ولما ولي عمر رضي الله تعالى عنه قيل له : إنه قد ضعف وكبر فاحتاج فأذن له أن يدخل كل جمعة فيسأل الناس ويرد إلى مكانه ، وفي صحيح ابن حبان ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها دخل النبي صلى الله عليه وسلم وهيت ينعت امرأة من يهود فأخرجه صلى الله عليه وسلم فكان بالبيداء يدخل كل جمعة يستطعم ، وفي مسند سعد بن أبي وقاص : إنه خطب امرأة بمكة ، وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ليس عندي من يراها ولا من يخبرني عنها ، فقال : هيت أنا أنعتها إذا أقبلت أقبلت بست ، وإذا أدبرت أدبرت بأربع ، وكان يدخل على سودة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أراه إلا منكرا فمنعه ، ولما قدم المدينة نفاه ، ولأبي داود من حديث أبي هريرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم مخنث قد خضب يديه ورجليه ، فقيل : يا رسول الله ، هذا يتشبه بالنساء فنفاه إلى البقيع ، فقيل : ألا تقتله فقال : إني نهيت عن قتل المصلين .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية