الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4099 354 - حدثنا يوسف بن موسى، أخبرنا أبو أسامة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تريحني من ذي الخلصة؟ فقلت: بلى، فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فضرب يده على صدري حتى رأيت أثر يده في صدري، وقال: اللهم ثبته، واجعله هاديا مهديا، قال: فما وقعت عن فرس بعد، قال: وكان ذو الخلصة بيتا باليمن لخثعم وبجيلة فيه نصب تعبد يقال له الكعبة، قال: فأتاها فحرقها بالنار وكسرها، قال: ولما قدم جرير اليمن كان بها رجل يستقسم بالأزلام فقيل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هاهنا فإن قدر عليك ضرب عنقك، قال: فبينما هو يضرب بها إذ وقف عليه جرير فقال: لتكسرنها، ولتشهدن أن لا إله إلا الله أو لأضربن عنقك، قال: فكسرها، وشهد، ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره بذلك، فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب، قال: فبرك النبي صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا طريق آخر في الحديث السابق أخرجه عن يوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي، سكن بغداد عن أبي [ ص: 12 ] أسامة حماد بن أسامة إلى آخره، والحديث مضى في الجهاد في باب حرق الدور والنخيل.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فيه نصب) بضمتين، وسكون الصاد أيضا، وهو حجر كانوا ينصبونه في الجاهلية، ويذبحون عليه فيحمر بالدم، ويعبدونه، والضمير في فيه يرجع إلى البيت، وفي قوله فأتاها إلى ذي الخلصة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فحرقها) يعني ما فيها من الأخشاب، وكسرها أي هد ما فيها من البناء.

                                                                                                                                                                                  قوله: (يستقسم) أي يطلب قسمة من الخير والشر بالقداح، قال الله تعالى وأن تستقسموا بالأزلام وليس هذا من القسم بمعنى اليمين.

                                                                                                                                                                                  قوله: (يضرب بها) أي بالأزلام.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وكسرها) أي الأزلام، وشهد أن لا إله إلا الله.

                                                                                                                                                                                  قوله: (يكنى أبا أرطاة) بفتح الهمزة، وسكون الراء، وبالطاء بعدها التاء، واسمه حصين بن ربيعة، وقع مسمى في صحيح مسلم، ووقع لبعض رواته حسين بسين مهملة بدل الصاد، وهو تصحيف، وقيل: اسمه حصن بكسر الحاء، وسكون الصاد، ومن الرواة من قلبه فقال: ربيعة بن حصين، ومنهم من سماه أرطاة، والصحيح أبو أرطاة حصين بن ربيعة بن عامر بن الأزور، وهو صحابي بجلي، وليس له ذكر إلا في هذا الحديث.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فبرك) بالتشديد أي دعا بالبركة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (خمس مرات) فإن قلت: في حديث أنس كان إذا دعا دعا ثلاثا. قلت: هذا يحمل على الغالب، والزيادة عليه لمعنى اقتضى ذلك.

                                                                                                                                                                                  وفي الحديث من الفوائد الدالة ما يفتتن به الناس من بناء وغيره، سواء كان من الصور أو الجماد، والبشارة في الفتوح، وفضل ركوب الخيل في الحرب، وقبول خبر الواحد، والمبالغة في نكاية العدو، وفيه منقبة عظيمة لجرير رضي الله تعالى عنه، وفيه بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية