الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4204 1 - حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن شعبة قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في المسجد، فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي! فقال: ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ؟ ثم قال: ألا أعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟ ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، ويحيى بن سعيد القطان، وخبيب - بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة - ابن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف - بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف السين المهملة - أبو الحارث الأنصاري الخزرجي المدني، وحفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وأبو سعيد - بفتح السين وكسر العين وسكون الياء آخر الحروف - ابن المعلى - بضم الميم وفتح العين واللام المشددة، على لفظ اسم مفعول من التعلية، واختلف في اسم أبي سعيد هذا; فقيل اسمه رافع، وقيل الحارث، وقيل أوس، وقال أبو عمر: من قال هو رافع بن المعلى فقد أخطأ; لأن رافع بن المعلى قتل ببدر، وأصح ما قيل -الله أعلم- في اسمه: الحارث بن نفيع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد بن ثعلبة من بني زريق الأنصاري الزرقي، توفي سنة أربع وسبعين وهو ابن أربع وسبعين.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو عمر أيضا: لا يعرف في الصحابة إلا بحديثين; أحدهما عن شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن - إلى آخر ما ذكر هنا، والآخر عند الليث بن سعد وهو حديث طويل، وأوله: [ ص: 81 ] كنا نغدو إلى السوق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - الحديث، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث المذكور في الباب، وقيل: نسب الغزالي والفخر الرازي وتبعهما البيضاوي هذا الحديث إلى أبي سعيد الخدري وهو وهم، وإنما هو أبو سعيد بن المعلى، وقال بعضهم: وروى الواقدي هذا الحديث أيضا في رواية عن أبي سعيد بن المعلى عن أبي بن كعب - وليس كذلك، والذي هنا هو الصحيح، وشيخ الواقدي هنا مجهول أيضا، وهو محمد بن معاذ، وقال أيضا: الواقدي شديد الضعف إذا انفرد، فكيف إذا خالف؟!

                                                                                                                                                                                  قلت: ذكر الحافظ المزي هذا ولم يتعرض إلى شيء من ذلك، ومن العجب أن الواقدي أحد مشايخ إمامه الشافعي ويحط عليه هذا الحط! وهو وإن كان ضعفه بعضهم فقد وثقه آخرون; فقال إبراهيم الحربي: الواقدي أمين الناس على أهل الإسلام. وعن مصعب بن الزبير: ثقة مأمون، وكذا وثقه أبو عبيد، وأثنى عليه ابن المبارك وآخرون.

                                                                                                                                                                                  وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في فضائل القرآن عن علي بن عبد الله، وفي التفسير أيضا عن إسحاق بن منصور، وعن بندار، وأخرجه أبو داود في الصلاة عن عبيد الله بن معاذ، وأخرجه النسائي فيه وفي التفسير عن إسماعيل بن مسعود، وفي فضائل القرآن عن بندار. وأخرجه ابن ماجه في ثواب التسبيح عن أبي بكر بن أبي شيبة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "في المسجد" أي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فلم أجبه" لأنه ظن أن الخطاب لمن هو خارج عن الصلاة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ؟ هذا خاص به صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ألا أعلمنك" كلمة "ألا" للحث والتحضيض على ما يقوله القائل في مثل هذا الموضع، و" أعلمنك" بنون التأكيد المشددة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أعظم سورة في القرآن" قال ابن بطال: يحتمل أن يكون "أعظم" بمعنى عظيم. وقال ابن التين: معناه أن ثوابها أعظم من غيرها، واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض، وقد منع ذلك الأشعري وجماعة; لأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل، وأسماء الله وصفاته وكلامه لا نقص فيها، وأجيب عن هذا بأن الأفضلية من حيث الثواب والنفع للمتعبدين لا من حيث المعنى والصفة.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: يؤيد التفضيل قوله تعالى نأت بخير منها أو مثلها - قلت: الخيرية في المنفعة والرفق لعباده لا من حيث الذات.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قال الحمد لله رب العالمين " هذا صريح في الدلالة على أن البسملة ليست من الفاتحة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "هي السبع المثاني" أما "السبع" فلأنها سبع آيات بلا خلاف، إلا أن منهم من عد أنعمت عليهم "دون التسمية، ومنهم من مذهبه على العكس - قاله الزمخشري.

                                                                                                                                                                                  قلت: الأول قول الحنفية، والعكس قول الشافعية فإنهم يعدون التسمية من الفاتحة ولا يعدون أنعمت عليهم آية، ولكل فريق حجج وبراهين عرفت في موضعها.

                                                                                                                                                                                  وأما تسميتها بالمثاني فلأنها تثنى في كل ركعة، وقيل: المثاني من التثنية وهي التكرير؛ لأن الفاتحة تكرر قراءتها في الصلاة، أو من الثناء؛ لاشتمالها على ما هو ثناء على الله تعالى - وفيه نظر، والمثاني جمع مثنى الذي هو معدول عن اثنين اثنين. فافهم!

                                                                                                                                                                                  وروى ابن عباس أن السبع المثاني هي السبع الطوال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس - وكذا روي عن سعيد بن جبير، وكذا ذكره الحاكم، وقال: "الكهف" بدل "يونس" وذكر الداودي عن غيره أنها من البقرة إلى "براءة" قال: وقيل هي السبع التي تلي هذه السبع. وقيل: السبع الفاتحة، والمثاني القرآن. وقال الخطابي: يعني بالعظيم عظيم المثوبة على قراءتها؛ وذلك لما تجمع هذه السورة من الثناء والدعاء والسؤال، والواو في "والقرآن العظيم" ليست واو العطف الموجبة للفصل بين الشيئين، وإنما هي الواو التي تجيء بمعنى التخصيص، كقوله تعالى وملائكته ورسله وجبريل وكقوله فاكهة ونخل ورمان وقال الكرماني: المشهور بين النحاة أن هذه الواو للجمع بين الوصفين، فمعنى ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم أي ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم وما يوصف بهما. انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: قول الخطابي: "إن هذه الواو ليست للعطف" خلاف ما قاله النحاة وغيرهم، وهذا من عطف العام على الخاص، وقد مثل هو أيضا بقوله فاكهة ونخل ورمان وهذا يرد كلامه على ما لا يخفى، وكون العطف عطف العام على الخاص أو بالعكس لا يخرج الواو عن العطفية.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية