الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4258 [ ص: 123 ] 55 - حدثنا حبان، حدثنا عبد الله، أخبرنا عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين قال: جلست إلى مجلس فيه عظم من الأنصار، وفيهم عبد الرحمن بن أبي ليلى، فذكرت حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث، فقال عبد الرحمن: ولكن عمه كان لا يقول ذلك، فقلت: إني لجريء إن كذبت على رجل في جانب الكوفة ورفع صوته قال: ثم خرجت فلقيت مالك بن عامر أو مالك بن عوف، قلت: كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل؟ فقال: قال ابن مسعود: أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: "أتجعلون عليها التغليظ" إلى آخره، وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وعبد الله بن عون بن أرطبان البصري.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فيه عظم" بضم العين وسكون الظاء، وهو جمع عظيم، وأراد به عظماء الأنصار، وعبد الرحمن بن أبي ليلى واسمه يسار أبو عيسى الكوفي، وقال عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم من الأنصار.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فذكرت حديث عبد الله بن عتبة" بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق ابن مسعود الهذلي ابن أخي عبد الله بن مسعود، ذكره العقيلي في الصحابة قال أبو عمر: فغلط، وإنما هو تابعي، أو من كبار التابعين بالكوفة، وهو والد عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، الفقيه المدني الشاعر، شيخ ابن شهاب، استعمله عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وذكره البخاري في التابعين، ولد في حياة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فأتي به فمسحه بيده، ودعا له، وكان إذ ذاك غلاما خماسيا أو سداسيا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "سبيعة بنت الحارث" بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة -مصغر سبعة- الأسلمية، كانت امرأة سعد بن خولة، فتوفي عنها بمكة، فقال لها أبو السنابل بن بعكك: إن أجلك أربعة أشهر وعشر، وكانت قد وضعت بعد وفاة زوجها بليال، قيل: خمس وعشرين ليلة، وقيل: أقل من ذلك، فلما قال لها أبو السنابل ذلك أتت النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فأخبرته فقال لها: قد حللت فانكحي من شئت، وبعضهم يروي: إذا أتاك من ترضين فتزوجي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ولكن عمه" أي عم عبد الله بن عتبة، وهو عبد الله بن مسعود.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لا يقول ذلك" أي لا يقول ما قيل في شأن سبيعة الأسلمية، وقد ذكرنا الآن ما قال لها أبو السنابل.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فقلت: إني لجريء" أي صاحب جراءة غير مستحي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "على رجل في جانب الكوفة" أراد به عبد الله بن عتبة، وكان سكن الكوفة، ومات بها في زمن عبد الملك بن مروان.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال: ثم خرجت" أي قال محمد بن سيرين.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فلقيت مالك بن عامر الهمداني" يكنى بأبي عطية، قال الكرماني: الصحابي باختلاف، وقال الذهبي: مالك بن عامر الوداعي تابعي كوفي، يقال: أدرك الجاهلية.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أو مالك بن عوف" شك من الراوي، وهو مالك بن عوف بن نضلة بن جريج بن حبيب الجشمي صاحب ابن مسعود.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وهي حامل" الواو فيه للحال.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أتجعلون عليها التغليظ" أي طول العدة بالحمل إذا زادت مدته على مدة الأشهر، وقد يمتد ذلك حتى تجاوز تسعة أشهر إلى أربع سنين، أي: إذا جعلتم التغليظ عليها، فاجعلوا لها الرخصة إذا وضعت أقل من أربعة أشهر.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لنزلت" اللام فيه للتأكيد.

                                                                                                                                                                                  قوله: "سورة النساء القصرى" وهي سورة الطلاق، وفيها وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن

                                                                                                                                                                                  قوله: "بعد الطولى" ليس المراد منها سورة النساء، وإنما المراد السورة التي هي أطول جميع سور القرآن، يعني سورة البقرة، وفيها والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا وقال الخطابي: حمل ابن مسعود على النسخ، أي جعل ما في الطلاق ناسخا لما في البقرة، وكان ابن عباس يجمع عليها العدتين فتعتد أقصاهما، وذلك لأن إحداهما ترفع الأخرى، فلما أمكن الجمع بينهما جمع، وأما عامة الفقهاء فالأمر عندهم محمول على التخصيص لخبر سبيعة الأسلمية.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية