الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4280 77 - حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثنا أبو ضمرة، حدثنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن اليهود جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل منهم وامرأة قد زنيا، فقال لهم: كيف تفعلون بمن زنا منكم؟ قالوا: نحممهما ونضربهما، فقال: لا تجدون في التوراة الرجم؟ فقالوا: لا نجد فيها شيئا. فقال لهم عبد الله بن سلام: كذبتم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فوضع مدراسها الذي يدرسها منهم كفه على آية الرجم، فطفق يقرأ ما دون يده وما وراءها، ولا يقرأ آية الرجم، فنزع يده عن آية الرجم، فقال: ما هذه؟ فلما رأوا ذلك قالوا: هي آية الرجم، فأمر بهما فرجما قريبا من حيث موضع الجنائز عند المسجد، فرأيت صاحبها يجنأ عليها يقيها الحجارة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "كذبتم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين" وإبراهيم بن المنذر أبو إسحاق الحزامي المديني، وأبو ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم، واسمه أنس بن عياض الليثي، والحديث قد مضى مختصرا في الجنائز في باب الصلاة على الجنازة في المصلى والمسجد.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إن اليهود جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل وامرأة زنيا" قال ابن بطال: قيل إنهما لم يكونا أهل ذمة، وإنما كانا أهل حرب، ذكره الطبري، وفي رواية عيسى عن ابن القاسم: كانا من أهل فدك وخيبر حربا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم ذاك، وعن أبي هريرة: كان هذا حين قدم سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وقال مالك: إنما كانا أهل حرب، ولو كانا أهل ذمة لم يسألهم كيف الحكم فيهم، وقال النووي: وعند مالك لا يصح إحصان الكافر، وإنما رجمهما؛ لأنهما لم يكونا أهل ذمة، قيل: هذا غير جيد؛ لأنهما كانا من أهل العهد، ولأنه رجم المرأة، والنساء الحربيات لا يجوز قتلهن مطلقا، وقال السهيلي: اسم المرأة المرجومة بسرة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كيف تفعلون" لم يرد به - صلى الله عليه وسلم - تقليدهم ولا معرفة الحكم به منهم، وإنما أراد إلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم، ولعله - صلى الله عليه وسلم - قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيروا غيره، أو أنه أخبره من أسلم منهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "نحممهما" من التحميم يعني نسود وجوههما بالحمم بضم الحاء المهملة وفتح الميم، وهو الفحم، وفي رواية "نحملهما" بالحاء المهملة واللام يعني نحملهما على شيء ليظهرا، وفي رواية "نجملهما" بالجيم واللام أي نجعلهما جميعا على شيء ليظهرا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فوضع مدراسها" بكسر الميم يريد به صاحب دراسة كتبهم، والمفعال من أبنية المبالغة، وهو عبد الله بن صوريا بضم الصاد المهملة وسكون الواو وكسر الراء وفتحها، وفي رواية أبي داود: ائتوني بأعلم رجلين منكم فأتوه بابني صوريا.

                                                                                                                                                                                  قال المنذري: لعله عبد الله بن صوريا، وكنانة بن صوريا، وكان عبد الله أعلم من بقي من الأحبار بالتوراة ثم كفر بعد ذلك، وزعم السهيلي أنه أسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فطفق" أي فجعل يقرأ ما دون يده أي ما قبلها.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فنزع يده" أي: نزع [ ص: 148 ] عبد الله بن سلام يد المدراس عن آية الرجم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فرجما" على صيغة المجهول، وفي سنن أبي داود أنه - صلى الله عليه وسلم - رجمهما بالبينة، وقال الخطابي: إنما رجمهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أوحي إليه من أمره، وإنما احتج عليهم بالتوراة؛ استظهارا للحجة وإحياء لحكم الله تعالى الذي كانوا يكتمونه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "من حيث موضع الجنائز عند المسجد" وفي رواية "عند البلاط" وهما متقاربان.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يجنأ" بالجيم، قال ابن الأثير: يعني أكب عليها، وقيل هو مهموز، وقيل الأصل فيه الهمز من جنأ يجنأ إذا مال عليه وعطف، ثم خفف وهو لغة، وقال المنذري: ياؤه مفتوحة، وجيمه ساكنة، يقال: جنى الرجل على الشيء إذا أكب عليه، ورواه بعضهم بضم الياء، وروي يجاني من جانى يجاني، وقيل: روي بجيم ثم باء موحدة ثم همزة أي يركع، وقال الخطابي: المحفوظ بالحاء والنون، يقال: حنا يحنو حنوا، وروي بالحاء وتشديد النون، وقال يحيى بن يحيى يحني بحاء ونون مكسورة بغير همزة، وقال البيهقي عند أهل الحديث يحني بالحاء، وعند أهل اللغة بالجيم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يقيها" أي يحفظها من وقى يقي وقاية.

                                                                                                                                                                                  وفي الحديث الحكم بين أهل الذمة، وفي التوضيح الأصح عندنا وجوبه؛ وفاقا لأبي حنيفة، وهو قول الزهري وعمر بن عبد العزيز والثوري والحكم، وروي عن ابن عباس، وقال القرطبي: إن كان ما رفعوه إلى الإمام ظلما كالقتل والغصب بينهم فلا خلاف في منعهم منه، ونقل عن مالك والشافعي أنه بالخيار بين الحكم بينهم وتركه، غير أن مالكا يرى الإعراض أولى، ونقل عن الشافعي أنه لا يحكم بينهم في الحدود.

                                                                                                                                                                                  وفيه أن أنكحة الكفار صحيحة; ولذلك رجمهما، وهو الأصح عند الشافعية، وفيه دليل على أنه لا يحفر لمن رجم؛ إذ لو حفر له لما استطاع أن يجنأ عليها، لكن في صحيح مسلم من حديث بريدة أنه حفر لماعز والغامدية إلى صدرها، وقيل: يحفر لمن قامت عليه البينة دون المقر.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية