الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  394 66 - حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن حميد ، عن أنس قال : قال عمر : وافقت ربي في ثلاث ؛ فقلت : يا رسول الله ، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ! فنزلت : واتخذوا من مقام [ ص: 144 ] إبراهيم مصلى وآية الحجاب ؛ قلت : يا رسول الله ، لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر ! فنزلت آية الحجاب ، واجتمع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغيرة عليه ، فقلت لهن : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن - فنزلت هذه الآية .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة هذا الحديث للترجمة في الجزء الأول وهو قوله : " لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى " ، والمراد من مقام إبراهيم الكعبة على قول ، وهي قبلة ، والباب فيما جاء في القبلة ، وعلى قول من فسر مقام إبراهيم بالحرم فالحرم كله قبلة في حق الآفاقيين ، والباب في أمور القبلة ، وأما على قول من فسر المقام بالحجر الذي وقف عليه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فتكون المطابقة للترجمة متعلقة بالمتعلق بالقبلة لا بنفس القبلة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم خمسة ؛ الأول : عمرو بن عون ، أبو عثمان الواسطي ، البزاز - بالزاي المكررة - نزيل البصرة ، مات سنة خمس وعشرين ومائتين . الثاني : هشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف ، ابن بشير بفتح الباء الموحدة ، وقد مر ذكره في أول كتاب التيمم . الثالث : حميد الطويل ، وقد تكرر ذكره . الرابع : أنس بن مالك . الخامس : عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه القول ، وفيه أن رواته ما بين واسطي وبصري ، وفيه رواية صحابي عن صحابي .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن عمرو بن عون ، وفي التفسير أيضا عن مسدد عن يحيى عن حميد بقصة الحجاب فقط . وأخرجه الترمذي في التفسير عن أحمد بن منيع عن هشيم بالقصة الأولى ، وعن عبد بن حميد عن حجاج . وأخرجه النسائي فيه عن هناد عن يحيى بن زائدة عن حميد بالقصة الأولى ، وعن محمد بن المثنى عن خالد بن الحارث عن حميد بالقصة الثانية قصة الحجاب ، وعن يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن هشيم بالقصة الثالثة " اجتمع نساؤه في الغيرة " . وأخرجه ابن ماجه في الصلاة عن محمد بن الصباح عن هشيم بالقصة الأولى .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه وإعرابه ) : قوله ( وافقت ربي ) من الموافقة من باب المفاعلة التي تدل على مشاركة اثنين في فعل ينسب إلى أحدهما متعلقا بالآخر ، والمعنى في الأصل : وافقني ربي فأنزل القرآن على وفق ما رأيت ، ولكنه راعى الأدب فأسند الموافقة إلى نفسه لا إلى الرب جل وعز .

                                                                                                                                                                                  قوله ( في ثلاث ) ؛ أي : في ثلاثة أمور ، وإنما لم يؤنث الثلاث مع أن الأمر مذكر لأن المميز إذا لم يكن مذكورا جاز في لفظ العدد التذكير والتأنيث ، ( فإن قلت ) : حصلت الموافقة له في أشياء غير هذه الثلاث ، منها في أسارى بدر حيث كان رأيه أن لا يفدون فنزل : ما كان لنبي أن يكون له أسرى ومنها في منع الصلاة على المنافقين فنزل : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ومنها في تحريم الخمر . ومنها ما رواه أبو داود الطيالسي من حديث حماد بن سلمة ، حدثنا علي بن زيد ، عن أنس ، قال عمر : وافقت ربي في أربع . . . وذكر ما في البخاري ، قال : ونزلت : " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين " إلى قوله : " ثم أنشأناه خلقا آخر " ، فقلت أنا : فتبارك الله أحسن الخالقين - فنزلت كذلك . ومنها في شأن عائشة - رضي الله عنها - لما قال أهل الإفك ما قالوا ، فقال : يا رسول الله ، من زوجكها ؟ فقال : الله تعالى . قال : أفتنظر أن ربك دلس عليك فيها ! " سبحانك هذا بهتان عظيم " ، فأنزل الله ذلك . ذكره المحب الطبري في أحكامه ، وقد ذكر أبو بكر بن العربي أن الموافقة في أحد عشر موضعا ، قلت : يشهد لذلك ما رواه الترمذي مصححا من حديث ابن عمر : ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر - رضي الله تعالى عنه - إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر رضي الله عنه ، وهذا يدل على كثرة موافقته ، فإذا كان كذلك فكيف نص على الثلاث في العدد ؟ قلت : التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد ، وقيل : يحتمل أنه ذكر ذلك قبل أن يوافق في أربع وما زاد ، وفيه نظر ؛ لأن عمر أخبر بهذا بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يتجه ما ذكر من ذلك ، ويقال : يحتمل أن الراوي اعتنى بذكر الثلاث دون ما سواها لغرض له .

                                                                                                                                                                                  قوله ( قلت ) ، ويروى : " فقلت " .

                                                                                                                                                                                  قوله ( لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ) ، جواب " لو " محذوف ، ويجوز أن يكون " لو " للتمني فلا يحتاج إلى جواب ، واختلفوا فيه ؛ فقال ابن الصائغ وابن هشام : هي قسم برأسها لا يحتاج إلى جواب كجواب الشرط ، [ ص: 145 ] ولكن قد يؤتى لها بجواب منصوب كجواب ليت . وقال بعضهم : هي لو الشرطية ، أشربت معنى التمني . وقال ابن مالك : هي لو المصدرية ، أغنت عن فعل التمني .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وآية الحجاب ) ، هي قوله تعالى : يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن و : " آية الحجاب " كلام إضافي يجوز فيه الرفع والنصب والجر ؛ أما الرفع فيحتمل وجهين ، أحدهما بالابتداء محذوف الخبر تقديره : وآية الحجاب كذلك ، والآخر : أن يكون معطوفا على مقدر تقديره : هو اتخاذ المصلى وآية الحجاب ، وأما النصب فعلى الاختصاص ، وأما الجر فعلى أنه معطوف على مجرور وهو بدل من " ثلاث " ، والتقدير : في ثلاث ؛ اتخاذ المصلى ، وآية الحجاب .

                                                                                                                                                                                  قوله ( البر ) بفتح الباء الموحدة ، صفة مشبهة من بررت أبر - من باب علم يعلم - فأنا بر وبار ، ويجمع البر على أبرار ، والبار على البررة ، والبر مقابل الفاجر من الفجور ، قال الجوهري : فجر فجورا أي : فسق ، وفجر أي : كذب ، وأصله الميل ، والفاجر المائل .

                                                                                                                                                                                  قوله ( في الغيرة ) بفتح الغين المعجمة ، وهي الحمية والأنفة ، يقال : رجل غيور وامرأة غيور بلا هاء ؛ لأن فعولا يشترك فيه الذكر والأنثى ، يقال : غرت على أهلي أغار غيرة فأنا غائر وغيور للمبالغة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر استنباط الأحكام ) : وهي على ثلاثة أنواع كما صرح بها في الحديث ؛ الأول : سؤال عمر رضي الله تعالى عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ من مقام إبراهيم مصلى ، وقال الخطابي : سأل عمر رضي الله تعالى عنه أن يجعل ذلك الحجر الذي فيه أثر مقامه مصلى بين يدي القبلة يقوم الإمام عنده ، فنزلت الآية . وقال ابن الجوزي : فإن قيل : ما السر في أن عمر رضي الله تعالى عنه لم يقنع بما في شرعنا حتى طلب الاستنان بملة إبراهيم عليه السلام وقد نهاه - صلى الله عليه وسلم - عن مثل هذا حين أتى بأشياء من التوراة ؟ فالجواب : أن عمر لما سمع قوله تعالى في إبراهيم : " إني جاعلك للناس إماما " ثم سمع : " أن اتبع ملة إبراهيم " علم أن الائتمام به مشروع في شرعنا دون غيره ، ثم رأى أن البيت مضاف إليه وأن أثر قدمه في المقام كرقم اسم الباني في البناء ليذكر به بعد موته ، فرأى الصلاة عند المقام كقراءة الطائف بالبيت اسم من بناه ، انتهى . ولم تزل آثار قدمي إبراهيم عليه السلام ظاهرة فيه معروفة عند العرب في جاهليتها ، ولهذا قال أبو طالب في قصيدته اللامية المعروفة :


                                                                                                                                                                                  وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة على قدميه حافيا غير ناعل

                                                                                                                                                                                  وقد أدرك المسلمون ذلك فيه أيضا ، كما قال عبد الله بن وهب : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثهم قال : رأيت المقام فيه أصابعه - صلى الله عليه وسلم - أخمص قدميه ، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم . وقال ابن جرير : حدثنا بشر بن معاذ ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه ، ولقد تكلفت هذه الأمة شيئا ما تكلفته الأمم قبلها ، ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيها ، فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى .

                                                                                                                                                                                  الثاني : الحجاب ، فكان - صلى الله عليه وسلم - جاريا فيه على عادة العرب ، ولم يكن يخفى عليه - صلى الله عليه وسلم - أن حجبهن خير من غيره ، لكنه كان ينتظر الوحي بدليل أنه لم يوافق عمر حين أشار بذلك ، قاله القرطبي . وكان الحجاب في السنة الخامسة في قول قتادة ، وقيل : في السنة الثالثة ؛ قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى ، وعند ابن سعد : في ذي القعدة سنة أربع ، وكان السبب في ذلك أنه لما تزوج زينب بنت جحش أولم عليها ، فأكل جماعة وهي مولية بوجهها إلى الحائط ، ولم يخرجوا ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يخرجوا ، وعاد ولم يخرجوا ، فنزلت آية الحجاب . وقال عياض : أما الحجاب الذي خص به زوجات النبي - عليه الصلاة والسلام - فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين ، فلا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا لغيرها ولا إظهار شخصهن إذا خرجن كما فعلت حفصة يوم مات أبوها ستر شخصها حين خرجت وبنيت عليها قبة لما توفيت ، قال تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب

                                                                                                                                                                                  الثالث : اجتماع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغيرة عليه ، وهو ما ذكره البخاري في تفسير سورة البقرة : حدثنا مسدد ، عن يحيى بن سعيد ، عن حميد ، عن أنس قال : قال عمر رضي الله تعالى عنه : وافقت ربي في ثلاث - أو وافقني ربي في ثلاث - فقلت : يا رسول الله ، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ! وقلت : يا رسول الله ، يدخل عليك البر والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ! فأنزل الله آية الحجاب . قال : وبلغني معاتبة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض نسائه فدخلت عليهن ، قلت : إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيرا منكن ، حتى أتيت إحدى [ ص: 146 ] نسائه ، فقالت : يا عمر ، أما في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت ! فأنزل الله تعالى : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات الآية . . . وأخرج في سورة التحريم ، وقال : حدثنا عمرو بن عون ، حدثنا هشيم ، عن حميد ، عن أنس قال : قال عمر رضي الله تعالى عنه : اجتمع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغيرة عليه ، فقلت لهن : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ! فنزلت الآية . وأصل هذه القضية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى الغداة دخل على نسائه امرأة امرأة ، وكانت قد أهديت لحفصة بنت عمر رضي الله تعالى عنهما عكة من عسل ، فكانت إذا دخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلما حبسته وسقته منها ، وإن عائشة رضي الله تعالى عنها أنكرت احتباسه عندها ، فقالت لجويرية عندها حبشية يقال لها خضرة : إذا دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حفصة فادخلي عليها فانظري ماذا تصنع ، فأخبرتها الخبر وشأن العسل فغارت ، فأرسلت إلى صواحبها وقالت : إذا دخل عليكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلن : إنا نجد منك ريح مغافير ! وهو صمغ العرفط كريه الرائحة ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكره ويشق عليه أن يوجد منه ريح منتنة لأنه يأتيه الملك ، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سودة ، قالت : فما أردت أن أقول ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إني فرقت من عائشة فقلت : يا رسول الله ، ما هذه الريح التي أجدها منك ؟ أكلت المغافير ؟ قال : لا ، ولكن حفصة سقتني عسلا . ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على امرأة امرأة وهن يقلن له ذلك ، ثم دخل على عائشة فأخذت بأنفها ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ما شأنك ؟ قالت : أجد ريح المغافير ! أأكلتها يا رسول الله ؟ قال : لا ، بل سقتني حفصة عسلا ! قالت : جرست إذا نحله العرفط . فقال لها : والله لا أطعمه أبدا ! فحرمه على نفسه . قالوا : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم الأيام بين نسائه ، فلما كان يوم حفصة قالت : يا رسول الله ، إن لي إلى أبي حاجة ؛ نفقة لي عنده ، فأذن لي أن أزوره وآتي بها . فأذن لها ، فلما خرجت أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جاريته مارية القبطية أم إبراهيم - وكان قد أهداها له المقوقس - فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها ، فأتت حفصة فوجدت الباب مغلقا فجلست عند الباب ، فخرج رسول الله ووجهه يقطر عرقا وحفصة تبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقالت : إنما أذنت لي من أجل هذا ! أدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها في يومي وعلى فراشي ، أما رأيت لي حرمة وحقا ؟ ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس هي جاريتي قد أحلها الله لي ؟ اسكتي فهي علي حرام ، ألتمس بذاك رضاك فلا تخبري بهذا امرأة منهن وهو عندك أمانة . فلما خرج رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت : ألا أبشرك ! إن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قد حرم عليه أمته مارية ، فقد أراحنا الله منها . وأخبرت عائشة بما رأت ، وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فلم يزل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حتى حلف أن لا يقربها ، فأنزل الله تعالى : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ؛ يعني العسل ومارية ، ثم إن عمر رضي الله تعالى عنه لما بلغه ذلك دخل على نسائه - صلى الله عليه وسلم - فوعظهن وزجرهن ، ومن جملة ما قال : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ! فأنزل الله هذه الآية .

                                                                                                                                                                                  فهذا من جملة ما وافق عمر ربه عز وجل ووافقه ربه .

                                                                                                                                                                                  وقال صاحب الكشاف : ( فإن قلت ) : كيف يكون المبدلات خيرا منهن ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين ؟ قلت : إذا طلقهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعصيانهن له وإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنزول على هواه ورضاه خيرا منهن ، وإنما أخليت الصفات كلها عن العاطف ووسط بين الثيبات والأبكار لأنهما صفتان متنافيتان لا يجتمعن فيهما اجتماعهن في سائر الصفات ، فلم يكن بد من الواو . وقال النسفي : الآية واردة في الإخبار عن القدرة لا عن الكون في الوقت ؛ لأنه تعالى قال : إن طلقكن وقد علم أنه لا يطلقهن ، وهذا كقوله : وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم الآية ، فهذا إخبار عن القدرة وتخويف لهم لا أن في الوجود من هو خير من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية