الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  401 73 - حدثنا يحيى بن بكير قال : حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة وأبا سعيد أخبراه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى نخامة في حائط المسجد ، فتناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصاة فحتها ، ثم قال : إذا تنخم أحدكم فلا يتنخم قبل وجهه ولا عن يمينه ، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " فلا يتنخم قبل وجهه ولا عن يمينه " ؛ أي : ولا يتنخم عن يمينه . ( فإن قلت ) : الترجمة " لا يبصق عن يمينه " ، ولفظ حديث الباب : " لا يتنخم " ! قلت : جعل النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - حكم النخامة والبصاق واحدا ، ألا ترى أنه قال في حديث أنس الآتي : " لا يبزقن في قبلته ، ولكن عن يساره " بعد أن رأى نخامة في القبلة ؟ فدل ذلك على تساويهما في الحكم ، وهذا الحديث هو عين الحديث الذي مضى في الباب الذي قبله غير أنه من طريق أخرى عن ابن شهاب ، فبين البخاري وبين ابن شهاب ثلاثة أنفس ؛ وهم : يحيى بن بكير بضم الباء الموحدة ، والليث بن سعد ، وعقيل بن خالد . وفي ذاك الحديث بينهما اثنان ؛ وهما : موسى بن إسماعيل ، وإبراهيم بن سعد . وهناك أن أبا هريرة وأبا سعيد حدثاه وهاهنا أخبراه ، وهناك : " في جدار المسجد " وهاهنا : " في حائط المسجد " ، وهناك : " فحكها " وهاهنا : " فحتها " ، وهناك : " فلا يتنخمن " بالنون المؤكدة وهاهنا : " فلا يتنخم " بدون التأكيد ، وهناك : " تحت قدمه " وهاهنا : " تحت قدمه اليسرى " ، وقوله هناك : " تحت قدمه " أعم من أن يكون قدمه اليمنى أو اليسرى ، وهاهنا فسر أن المراد من القدم هو اليسرى لأن اليمين له فضل عن اليسار ، ثم هذا الحديث غير مقيد بحالة الصلاة إلا في حديث أنس المتقدم الذي رواه عن قتيبة وفي حديث ابن عمر المتقدم الذي رواه عن عبد الله بن يوسف وفي حديث أنس الآتي الذي رواه عن آدم ، ومن ذلك جزم النووي بالمنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها وسواء كان في المسجد أو غيره ، ونقل عن مالك أنه قال : لا بأس به خارج الصلاة . وروى عبد الرزاق عن ابن مسعود أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في الصلاة ، وعن معاذ بن جبل قال : ما بصقت عن يميني منذ أسلمت . وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقا ، وهذه كلها تشهد للمنع مطلقا . وقال القاضي عياض : النهي عن البصاق عن اليمين في الصلاة إنما هو مع إمكان غيره ، فإن تعذر فله ذلك . وقال الخطابي : إن كان عن يساره واحد فلا يبزق في واحد من الجهتين ، لكن تحت [ ص: 153 ] قدمه أو ثوبه . وقد روى أبو داود عن طارق بن عبد الله المحاربي قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إذا قام الرجل إلى الصلاة - أو إذا صلى أحدكم - فلا يبزق أمامه ولا عن يمينه ، ولكن عن تلقاء يساره إن كان فارغا أو تحت قدمه اليسرى ، ثم ليقل به . وهذا الحديث يؤيد ما قاله الخطابي ، ومعنى قوله : " إن كان فارغا " أي : متمكنا من البزق في يساره .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ثم ليقل به ) ؛ أي : ليدفنه إذا بزقه تحت قدمه اليسرى ، وقد ذكرنا أن لفظ القول يستعمل عند العرب في معان كثيرة . .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية