الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4400 197 - حدثني محمد، حدثنا أحمد بن أبي شعيب، حدثنا موسى بن أعين، حدثنا إسحاق بن راشد، أن الزهري حدثه قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: سمعت أبي كعب بن مالك، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، أنه لم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط غير غزوتين: غزوة العسرة، وغزوة بدر، قال: فأجمعت صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى، وكان قلما يقدم من سفر سافره إلا ضحى، وكان يبدأ بالمسجد فيركع ركعتين، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامي، وكلام صاحبي، ولم ينه عن كلام أحد من المتخلفين غيرنا، فاجتنب الناس كلامنا فلبثت كذلك حتى طال علي الأمر، وما من شيء أهم إلي من أن أموت فلا يصلي علي النبي صلى الله عليه وسلم، أو يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم، ولا يصلى علي، فأنزل الله توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الآخر من الليل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة، وكانت أم سلمة محسنة في شأني معنية في أمري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم سلمة تيب على كعب، قالت: أفلا أرسل إليه فأبشره. قال: إذا يحطمكم الناس فيمنعونكم النوم سائر الليلة، حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر آذن بتوبة الله علينا، وكان إذا استبشر استنار وجهه حتى كأنه قطعة من القمر، وكنا أيها الثلاثة الذين خلفوا عن الأمر الذي قبل من هؤلاء الذين اعتذروا حين أنزل الله لنا التوبة، فلما ذكر الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المتخلفين، واعتذروا بالباطل ذكروا بشر ما ذكر به أحد، قال الله سبحانه يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله الآية.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 279 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 279 ] مطابقته للترجمة ظاهرة، ومحمد شيخ البخاري مختلف فيه، فقال الحاكم: هو محمد بن النضر النيسابوري، وقد مر في تفسير سورة الأنفال، وقال مرة: هو محمد بن إبراهيم البوشنجي، وقال أبو علي الغساني: هو محمد بن يحيى الذهلي، وأحمد بن أبي شعيب هو أحمد بن عبد الله بن مسلم، وأبو شعيب كنية مسلم لا كنية عبد الله، وكنية أحمد أبو الحسن، وقد وقع في رواية أبي علي بن السكن: حدثني أحمد بن أبي شعيب بلا ذكر محمد، والأول هو قول الأكثرين، وإن كان أحمد بن أبي شعيب من مشايخه، وهو ثقة باتفاق، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع، وموسى بن أعين -بفتح الهمزة، والياء آخر الحروف، وسكون العين المهملة بينهما- الجزري -بالجيم، والزاي، والراء- وقد مر في الصوم، وإسحاق بن راشد الجزري أيضا، والزهري محمد بن مسلم.

                                                                                                                                                                                  وهذا الحديث قطعة من قصة كعب بن مالك، وقد تقدمت بكمالها في المغازي في غزوة تبوك.

                                                                                                                                                                                  قوله: (تيب) بكسر التاء المثناة، وسكون الياء آخر الحروف مجهول تاب توبة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (غزوة العسرة) ضد اليسرة، وهي غزوة تبوك.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فأجمعت) أي عزمت.

                                                                                                                                                                                  قوله: (صاحبي) وهما مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أهم) من أهمني الأمر إذا أقلقك وأحزنك.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ولا يصلى) على صيغة المجهول، وفي رواية الكشميهني: ولا يسلم، وحكى عياض أنه وقع لبعض الرواة: فلا يكلمني أحد منهم، ولا يسلمني، واستبعده؛ لأن المعروف أن السلام إنما يتعدى بحرف الجر، وقد وجهه بعضهم بأن يكون إتباعا أو يرجع إلى قول من فسر السلام بأنت مسلم مني.

                                                                                                                                                                                  قلت: هذا توجيه لا طائل تحته.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عند أم سلمة) الواو فيه للحال، وأم سلمة هند.

                                                                                                                                                                                  قوله: (معنية) بفتح الميم، وسكون العين المهملة، وكسر النون، وبالياء آخر الحروف المشددة من الاعتناء، وهذه رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني "معينة" بضم الميم، وكسر العين، وسكون الياء، وفتح النون من الإعانة، وليست بمشتقة من العون كما قاله بعضهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إذا يحطمكم) من الحطم، وهو الدوس، وفي رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني: "إذا يخطفكم" بالخاء المعجمة وبالفاء من الخطف، وهو مجاز عن الازدحام.

                                                                                                                                                                                  قوله: (آذن) أي أعلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (كذبوا) بتخفيف الذال و"رسول الله" بالنصب؛ لأن كذب يتعدى بدون الصلة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (يعتذرون إليكم) يعني المنافقين إذا رجعوا إلى المدينة يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (لن نؤمن لكم) أي لن نصدقكم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (قد نبأنا الله) أي قد أخبرنا الله من سرائركم، وما تخفي صدوركم، وسيرى الله عملكم ورسوله فيما بعد أتتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه، وتردون بعد الموت إلى عالم الغيب والشهادة "فينبئكم" فيخبركم "بما كنتم تعملون" في السر والعلانية، ويجزيكم عليها.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية