الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4424 221 - حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كالسلسلة على صفوان ، قال علي : وقال غيره : صفوان ينفذهم ذلك ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترقو السمع ، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر ، ووصف سفيان بيده ، وفرج بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض ، فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه ، وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه إلى الذي هو أسفل منه حتى يلقوها إلى الأرض ، وربما قال سفيان : حتى تنتهي إلى الأرض فتلقى على فم الساحر فيكذب معها مائة كذبة ، فيصدق ، فيقولون : ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا ، فوجدناه حقا للكلمة التي سمعت من السماء .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وعلي بن عبد الله هو ابن المديني ، وسفيان هو ابن عيينة ، وعمرو هو ابن دينار ، وعكرمة هو مولى ابن عباس .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا عن الحميدي في التفسير ، وفي التوحيد أيضا عن علي بن عبد الله ، وأخرجه أبو داود في الحروف عن أحمد بن عبدة ، وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن يحيى ، وأخرجه ابن ماجه في التفسير عن يعقوب بن حميد بن كاسب ، وقال الدارقطني : رواه علي بن حرب عن سفيان ، فوقفه ، ورواه أيضا عن إسحاق بن عبد الواحد ، عن ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن أبي هريرة قال : هذا غلط في ذكره ابن عباس بأن جماعة رووه عن سفيان فقالوا : عن عكرمة حدثنا أبو هريرة .

                                                                                                                                                                                  قوله : "يبلغ به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم" ولم يقل صريحا : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتمال الواسطة أو شيء من كيفية البلاغ ، قوله : "إذا قضى الله" أي إذا حكم الله عز وجل بأمر من الأمور ، والقضاء فصل الأمر سواء كان بقول أو فعل ، وهذا بمعنى التقدير ، ويجيء بمعنى الخلق كما في قوله عليه السلام : "لما قضى الله" أي لما خلقه ، قوله : "ضربت الملائكة" أي ملائكة السماء بأجنحتها ، قوله : "خضعانا" بضم الخاء مصدر من خضع نحو غفر غفرانا ، ويقال : خضع يخضع خضوعا وخضعانا ، وهو الانقياد والطاعة ، ويروى بكسر الخاء كالوجدان ، ويجوز أن يكون جمع خاضع ، وقال الكرماني : أي خاضعين ، وقال شيخ شيخنا الطيبي : إذا كان خضعانا جمعا كان حالا ، وإذا كان مصدرا يجوز أن يكون مفعولا مطلقا لما في ضرب الأجنحة من معنى الخضوع ، أو مفعولا له ، وذلك لأن الطائر إذا استشعر خوفا أرخى جناحيه مرتعدا ، قوله : "لقوله" أي لقول الله عز وجل ، قوله : "كالسلسلة على الصفوان" تشبيه القول المسموع بالسلسلة على الصفوان كما شبه في بدء الوحي بقوله : كصلصلة الجرس ، وهو صوت الملك بالوحي ، والصفوان الحجر الأملس ، وقال الخطابي : الصلصلة [ ص: 10 ] صوت الحديد إذا تحرك وتداخل ، وكأن الرواية وقعت له هنا بالصاد ، أو أراد أن التشبيه في الموضعين بمعنى واحد ، قوله : "قال علي" هو علي بن عبد الله شيخه ، قوله : "وقال غيره" أي غير سفيان الراوي المذكور ينفذهم ذلك ، وهذه اللفظة هي زيادة غير سفيان ، أي ينفذ الله إلى الملائكة ذلك القول ، وروي : ينفذ ذلك أي ينفذ الله ذلك الأمر ، والصفوان تلك السلسلة أي صوتها ، وفي تفسير ابن مردويه من حديث ابن مسعود رفعه إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات صلصلة أي كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون ، ويرون أنه من أمر الساعة ، وقرأ حتى إذا فزع الآية ، وأصل الحديث عند أبي داود ، قوله : "فإذا فزع" أي فإذا أزيل الخوف عن قلوبهم ، وزوال الفزع هنا بعد سماعهم القول كالفصم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سماع الوحي ، قوله : "ماذا قال ربكم" أي قالت الملائكة أي شيء قال ربكم ، قوله : "قالوا" القائلون هم المجيبون وهم الملائكة المقربون كجبريل وميكائيل وغيرهما على ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود قال : إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفوان فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل عليه السلام ، فإذا جاء جبريل فزع عن قلوبهم فيقولون : يا جبريل ، ماذا قال ربكم ؟ فيقول : الحق ، فيقولون : الحق الحق ، قوله : "الذي قال" أي الذي قالوا الحق لأجل ما قال الله عز وجل ، والمعنى أنهم عبروا عن قول الله ، وما قضاه وقدره بلفظ الحق ، قوله : "الحق" منصوب على أنه صفة مصدر محذوف تقديره : قال الله القول الحق ، ويحتمل الرفع على تقدير : قال المجيبون : قوله الحق هكذا قدر الزمخشري في سورة سبأ في قوله تعالى ماذا قال ربكم قالوا الحق بالرفع ، والقول : يجوز أن يراد به كلمة كن ، وأن يراد بالحق ما يقابل الباطل ، ويجوز أن يراد به القول المسطور في اللوح المحفوظ ، فالحق بمعنى الثابت في اللوح المحفوظ ، قوله : "فيسمعها" أي يسمع تلك الكلمة ، وهي القول الذي قال الله عز وجل ، ومسترقو السمع فاعله ، وأصله مسترقون للسمع فلما أضيف حذفت النون ، وفي رواية أبي ذر : "فيسمعها مسترق السمع" بالإفراد ، قوله : "ومسترقو السمع" مبتدأ وخبره هو قوله : "هكذا" ، ثم فسره بقوله : هكذا واحد فوق آخر ، ووصف سفيان إلى قوله : فوق بعض من الوصف ، وهو بيان كيفية المستمعين بركوب بعضهم على بعض ، وقال الكرماني : وصف بتشديد الفاء ، ويروى ووصف، قوله : "بيده" ، ويروى بكفه أي بين ركوب بعضهم فوق بعض بأصابعه ، قوله : "بعضها فوق بعض" توضيح أو بدل ، وفيه معنى التشبيه أي مسترقو السمع بعضهم راكب بعضهم مردفين ركوب أصابعي هذه بعضها فوق بعض ، قوله : "ووصف سفيان" إلى آخره كلام معترض بين الكلامين ، قوله : "فربما أدرك الشهاب المستمع ، قد مر أن الشهاب هو النار ، وقيل : هو كواكب تضيء ، قال الله تعالى إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد وسمي شهابا لبريقه وشبهه بالنار ، وقيل : الشهاب شعلة نار ، واختلفوا في أنه يقتل أم لا ، فعن ابن عباس أنه يجرح ويحرق ولا يقتل ، وقال الحسن وغيره : يقتل ، قوله : "إلى الذي هو أسفل منه" بدل عن قوله : "إلى الذي يليه" ، قوله : "وربما قال سفيان حتى ينتهي إلى الأرض" أيضا معترض قوله : "فتلقى" أي الكلمة التي يسترقها المستمع ، قوله : "على فم الساحر" أي المنجم ، وفي الحديث : "المنجم ساحر" ، وفي رواية سورة سبأ "على لسان الساحر أو الكاهن" وفي رواية سعيد بن منصور ، عن سفيان : "على الساحر أو الكاهن" ، قوله : "فيكذب معها" أي فيكذب الساحر مع تلك الكلمة الملقاة على فمه ، قوله : "فيصدق" على صيغة المجهول أي فيصدق الساحر في كذباته ، قوله : "فيقولون" أي السامعون منه : ألم يخبرنا الساحر يوم كذا وكذا ، وهو بضم الياء من الإخبار ، قوله : "كذا" كناية عن الخرافات التي يذكرها الساحر ، قوله : "فوجدناه" الضمير المنصوب فيه يرجع إلى ما أخبر به الساحر ، قوله : "للكلمة التي" أي لأجل الكلمة التي سمعت من السماء جعلوا كل أخباره حقا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية