الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4473 271 - حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، قال أخبرني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا ، وكل حدثني طائفة من الحديث وبعض حديثهم يصدق بعضا وإن كان بعضهم أوعى له من بعض ، الذي حدثني عروة عن عائشة رضي الله عنها ، أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ، قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج سهمي ، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي ، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع ، فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت ، وهم يحسبون أني فيه ، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم ، إنما تأكل العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب ، فأممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش ، فأدلج فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته فوطئ على يديها [ ص: 81 ] فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك ، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول ، فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا ، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ، لا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول : كيف تيكم ؟ ثم ينصرف ، فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت ، فخرجت معي أم مسطح قبل المناصع ، وهو متبرزنا ، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط ، فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة ، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي قد فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت ، أتسبين رجلا شهد بدرا ؟ قالت : أي هنتاه ، أولم تسمعي ما قال ؟ قالت : قلت : وما قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا على مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تعني سلم ، ثم قال : كيف تيكم ؟ فقلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت : وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما . قالت : فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ، ما يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية ، هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر ، إلا كثرن عليها . قالت : فقلت : سبحان الله ! ولقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله ، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود ، فقال : يا رسول الله ، أهلك وما نعلم إلا خيرا ، وأما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله ، لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك . قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ، فقال : أي بريرة ، هل رأيت من شيء يريبك ؟ قالت بريرة : لا والذي بعثك بالحق ، إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي ابن سلول ، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر : يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي [ ص: 82 ] فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي ، فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك . قالت : فقام سعد بن عبادة ، وهو سيد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت ، قالت : فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، قالت : فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع ، يظنان أن البكاء فالق كبدي ، قالت : فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي ، فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها ، فجلست تبكي معي قالت : فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس ، قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني ، قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال : أما بعد يا عائشة ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه . قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال . قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت لأمي : أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد علمت ، لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، فلئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني ، والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف قال فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ، قالت : وأنا حينئذ أعلم أني بريئة ، وأن الله يبرئني ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها ، قالت : فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول [ ص: 83 ] الذي ينزل عليه ، قالت : فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سري عنه وهو يضحك ، فكانت أول كلمة تكلم بها : يا عائشة ، أما الله عز وجل فقد برأك ، فقالت أمي : قومي إليه . قالت : فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل ، وأنزل الله إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه العشر الآيات كلها ، فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال ، فأنزل الله ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم قال أبو بكر : بلى والله ، إني أحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال : والله لا أنزعها منه أبدا . قالت عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري . فقال : يا زينب ، ماذا علمت أو رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله ، أحمي سمعي وبصري ، ما علمت إلا خيرا . قالت : وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا الحديث أخرجه البخاري مطولا ومختصرا في عدة مواضع ، ذكرناها في كتاب الشهادات في باب تعديل النساء بعضهن بعضا ، وذكرنا أيضا ما يتعلق بالمعاني وغيرها هناك ، ولنذكر هنا بعض شيء .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وكل حدثني طائفة " أي : بعضا ، قال عياض : انتقدوا على الزهري ما صنعه من روايته لهذا الحديث ملفقا عن هؤلاء الأربعة وقالوا : كان ينبغي له أن يفرد حديث كل واحد منهم عن الآخر ، انتهى . قد ذكرنا هناك ما فيه جواب عما قالوه . قوله : " عن عروة عن عائشة أن عائشة قالت " ليس المراد أن عائشة تروي عن نفسها ، بل معنى قوله " عن عائشة " أي : عن حديث عائشة في قصة الإفك ، ثم شرع يحدث عن عائشة فقال إن عائشة قالت ، ووقع في رواية فليح " أن عائشة قالت " والزعم قد يقع موقع القول . قوله : " في غزوة غزاها " هي غزوة بني المصطلق . قوله : " فخرج سهمي " هذا يشعر بأنها كانت في تلك الغزوة وحدها ، ويروى عن الواقدي أن أم سلمة أيضا كانت في تلك الغزوة ، وهو ضعيف . قوله : " بعدما نزل الحجاب " أي : بعدما نزل الأمر بالحجاب ، والمراد حجاب النساء عن رؤية الرجال لهن ، وكن قبل ذلك لا يمنعن . قوله : " فسرنا حتى إذا فرغ " فيه حذف تقديره : فسرنا وغنمنا أموالهم وأنفسهم إلى أن فرغ ، قوله : " لم يثقلهن " من التثقيل ، وفي رواية فليح " لم يثقلهن ولم يغشهن اللحم " وفي رواية معمر " لم يهبلهن " وحكى ابن الجوزي أن ابن الخشاب ضبطه بفتح أوله وسكون الهاء وكسر الباء الموحدة ، وقال القرطبي بضمها ، وقال النووي : المشهور في ضبطه ضم أوله وفتح الهاء وتشديد الموحدة ، وبفتح أوله وثالثه أيضا ، وبضم أوله وكسر ثالثه من الرباعي ، يقال : هبله اللحم وأهبله إذا أثقله ، وأصبح فلان مهبلا أي كثير اللحم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إنما نأكل " بنون المتكلم مع الغير ، وهي رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره " إنما يأكلن " . قوله : " خفة الهودج " ووقع في رواية فليح ومعمر " ثقل الهودج " والأول أوضح . قوله : " حديثة السن " ، لأنها حينئذ لم تكمل خمس عشرة سنة . قوله : " فأممت " أي : قصدت ، وفي رواية أبي ذر هنا بتشديد الميم الأولى . قوله : " بعدما استمر الجيش " أي : بعدما مر الجيش ، أي : ذهبوا ماضين ، والسين فيه زائدة . قوله : " سيفقدوني " هذا في رواية فليح بنون واحدة ، وفي رواية غيره بنونين لعدم الجازم والناصب والأولى لغة . قوله : " فيرجعون إلي " ، ووقع في رواية معمر : " فيرجعوا " بغير نون ، وقد قلنا إنه لغة . قوله : " غير استرجاعه " ، وهو قوله : إنا لله وإنا إليه راجعون . قوله : " موغرين " بالغين المعجمة وبالراء ، أي : داخلين في شدة الحر ، من أوغر من الوغرة وهي شدة الحر ، ويروى " مغورين " بتقديم الغين المعجمة وتشديد الواو [ ص: 84 ] من التغوير ، وهو النزول وقت القائلة ، وفي رواية فليح " معرسين " من التعريس وهو نزول المسافر في آخر الليل . قوله : " في نحر الظهيرة " بالنون ، أي : في أولها . قوله : " فاشتكيت " أي : مرضت . قوله : " شهرا " أي : مدة شهر . قوله : " فهلك " أي : بسبب الإفك ، و " من " فاعله ، وزاد صالح في روايته " في شأني " . قوله : " والناس يفيضون " بضم الياء من الإفاضة ، أي : يخوضون في القول ، يقال : أفاض في القول إذا أكثر منه . قوله : " وهو يريبني " بفتح الياء من الريب وبضمها من الإرابة ، وهو التشكيك ، يقال : رابه وأرابه . قوله : " اللطف " وفيه لغة بفتحتين . قوله : " كيف تيكم " بكسر التاء المثناة من فوق ، وهي للمؤنث مثل : ذاكم للمذكر . قوله : " نقهت " بفتح القاف وقد تكسر ، من نقه من مرضه يعني : أفاق ، ولم تتكامل صحته . قوله : " قبل المناصع " بكسر القاف وفتح الباء ، أي : جهة المناصع ، وهي المواضع الخارجة عن المدينة يتبرزون فيها . قوله : " متبرزنا " بفتح الراء قبل الزاي ، وهو موضع التبرز . قوله : " الكنف " بضمتين ، جمع كنيف . قوله : " الأول " بضم الهمزة ، وفتح الواو صفة العرب وبفتح الهمزة وتشديد الواو صفة الأمر ، وقال النووي : وكلاهما صحيح . قوله : " في التبرز " وفي رواية فليح " في البرية " بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء المكسورة " أو في التنزه " بالشك ، وهو بفتح التاء المثناة من فوق والزاي المشددة وهو طلب النزاهة ، والمراد البعد عن البيوت . قوله : " أم مسطح " اسمها سلمى . قوله : " بنت أبي رهم " بضم الراء واسم أبي رهم أنيس . قوله : " أثاثة " بضم الهمزة وبثاءين مثلثتين مخففتين ، ابن عباد بن عبد المطلب ، وهو مطلبي من أبيه وأمه ، والمسطح عود من أعواد الخباء ، وهو لقب ، واسمه عوف وقيل : عامر ، والأول أصح . قوله : " أي هنتاه " بفتح الهاء وسكون النون ، وقد تفتح بعدها تاء مثناة من فوق وآخرها ساكنة وقد تضم ، أي : يا هذه ، وقيل : يا امرأة ، وقيل : بلها كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكائد الناس ، وهذه اللفظة تختص بالنداء وإذا خوطب المذكر قيل : يا هنة ، وحكي تشديد النون ، وأنكره الأزهري .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ودخل علي " وفي رواية " فدخل " قيل الفاء زائدة ، والأولى أن يقال فيه حذف تقديره : فلما رجعت إلى بيتي واستقررت فيه فدخل . قوله : " وضيئة " على وزن عظيمة ، أي : جميلة حسناء ، من الوضاءة وهي الحسن ، وفي رواية مسلم " حظيئة " من الحظوة ، بالظاء المعجمة ، أي : رفيعة المنزلة . قوله : " ضرائر " جمع ضرة ، وقيل للزوجات ضرائر لأن كل واحدة يحصل لها الضرر من الأخرى بالغيرة . قوله : " إلا كثرن " بالتشديد من التكثير ، وفي رواية الكشميهني وفي رواية غيره " أكثرن " أي : أكثرن القول في عيبها . قوله : " لا يرقأ " بفتح القاف وبالهمزة ، أي : لا يسكن ولا ينقطع . قوله : " ولا أكتحل بنوم " استعارة عن السهر ، قوله : " حين استلبث الوحي " والوحي بالرفع فاعل استلبث ، ويحوز بالنصب على معنى استبطاء النبي صلى الله عليه وسلم نزوله . قوله : " يستأمرهما " أي : يستشيرهما . قوله : " في فراق أهله " ، ولم يقل في فراقها لكراهة إضافة التفريق إليها صريحا . قوله : " أهلك " ذكر بالرفع ، أي : هي أهلك وعلم من هذا جواز إطلاق الأهل على الزوجة وفي رواية معمر " هم أهلك " ذكر بلفظ الجمع للتعظيم ، ويجوز النصب ، أي : الزم أهلك . قوله : " لم يضيق الله عليك " لم يقصد علي رضي الله تعالى عنه بهذا الكلام إلا إسكان ما عند النبي صلى الله عليه وسلم من القلق بسببها وإلا لم يكن في قلبه منها شيء . قوله : " أغمصه " بغين معجمة وصاد مهملة ، أي : أعيبه ، قوله : " الداجن " بالجيم هي الشاة التي تقتنى في البيت ولا تخرج إلى المرعى ، وقيل : كل ما يقتنى في البيت من شاة أو طير فهو داجن . قوله : " فاستعذر يومئذ من عبد الله " أي : طلب من يعذره منه ، أي : ينصفه . قوله : " ضربت عنقه " هذا في رواية صالح بن كيسان ، وفي رواية غيره " ضربنا " بنون الجمع . قوله : " وإن كان من إخواننا من الخزرج " كلمة " من " الأولى تبعيضية ، والثانية بيانية ، قوله : " وكان قبل ذلك رجلا صالحا " أي : كامل الصلاح ولكنه تغير ، يدل عليه رواية الواقدي " وكان صالحا لكن الغضب بلغ منه ، ومع ذلك لم يغمص عليه في دينه " . قوله : " لعمر الله " بفتح العين ، لأنه لا يستعمل في القسم إلا بالفتح . قوله : " ولكن احتملته الحمية " أي : أغضبته ، وفي رواية مسلم " اجتهلته " بالجيم ، أي : حملته على الجهل . قوله : " أسيد بن حضير " بالتصغير فيهما ، قوله : " فتثاور " تفاعل من الثورة ، يقال : ثار يثور إذا ارتفع ، وأراد به النهوض للنزاع والعصبية ، والحيان تثنية حي ، وهي كالقبيلة ، ووقع في حديث ابن عمر " قام سعد بن معاذ فسل سيفه " . قوله : يخفضهم " أي : يسكنهم ، وفي رواية ابن حاطب " فلم يزل يومئ بيده إلى الناس هاهنا حتى هدأ الصوت " وفي رواية فليح " فنزل يخفضهم حتى سكتوا " وفي رواية عن الزهري " فحجز بينهم " قوله [ ص: 85 ] " فمكثت " من المكث ، وفي رواية الكشميهني " فبكيت " من البكاء . قوله : " ليلتين ويوما " أي : الليلة التي أخبرتها فيها أم مسطح الخبر واليوم الذي خطب فيه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم للناس والليلة التي تليها . قوله : " فاستأذنت علي " تقديره : جاءت فاستأذنت علي ، بتشديد الياء . قوله : " فبينا نحن كذلك " رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره " فبينا نحن على ذلك " . قوله : " فتشهد " وفي رواية هشام بن عروة فحمد الله وأثنى عليه . قوله : " عنك كذا وكذا " كناية عما رميت به من الإفك ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وإن كنت ألممت " أي : وقع منك على خلاف العادة . قوله : " قلص " بفتح القاف واللام وبالصاد المهملة ، أي : ارتفع دمعي لاستعظام ما بغتني من الكلام وتخلف بالكلية . قوله : " وأنا جارية حديثة السن " إلى آخره ، ذكرت هذه الأشياء توطئة لعذرها لكونها لم تستحضر اسم يعقوب عليه السلام ، قوله : " وصدقتم به " وفي رواية هشام بن عروة " لقد تكلمتم به وأشربته قلوبكم " . قوله : " لا تصدقوني بذلك " ويروى " لا تصدقونني " بنونين على الأصل ، أي : لا تقطعون بصدقي ، وفي رواية هشام بن عروة :" ما ذاك بنافعي عندكم " . قوله : " لا تصدقوني " فأدغمت إحدى النونين في الأخرى . قوله : " وإن الله يبرئني " والرواية المشهورة " وإن الله يبرئ " بغير نون ، وقال ابن التين : إنه وقع عندي " مبرئني " بنون ، وزعم أنه هو الصحيح ، ولكن المشهور بغير نون ، فافهم . قوله : " ما رام " أي : ما فارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا من الريم ، وأما رام بمعنى طلب فمن الروم . قوله : " من البرحاء " بضم الباء الموحدة وفتح الراء وتخفيف الحاء المهملة وبالمد ، وهي شدة الحمى ، وقيل : شدة الكرب ، ووقع في رواية إسحاق بن راشد " وهو العرق " وبه جزم الداودي ، وهي رواية ابن حاطب " وشخص بصره إلى السقف " وفي رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن عائشة " فأتاه الوحي وكان إذا أتاه الوحي أخذه السبل " أخرجه الحاكم ، وفي رواية أبي إسحاق " فسجي بثوب ووضعت تحت رأسه وسادة من أدم " . قوله : " الجمان " بضم الجيم وتخفيف الميم اللؤلؤ ، وقيل : حب يعمل من الفضة كاللؤلؤ . وقال الداودي : خرز أبيض . قوله : " فلما سري " بضم السين المهملة وكسر الراء المشددة ، أي : كشف . قوله : " العشر الآيات آخرها والله يعلم وأنتم لا تعلمون " فإن قلت : وقع في رواية عطاء الخرساني عن الزهري " فأنزل الله تعالى إن الذين جاءوا إلى قوله أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم " وعدد الآي إلى هذا الموضع ثلاث عشرة آية ، ووقع في رواية الحكم بن عتيبة مرسلا " فأنزل الله خمس عشرة آية من سورة النور ، حتى بلغ ( الخبيثات للخبيثين ) " أخرجه الطبري ، وعدد الآي إلى هذا الموضع ست عشرة ، ووقع في مرسل سعيد بن جبير " فنزلت ثمان عشرة آية متوالية إن الذين جاءوا إلى قوله ( رزق كريم ) " أخرجه ابن أبي حاتم والحاكم في الإكليل . قلت : أجاب بعضهم عن هذه بما لا طائل تحته ، حيث قال في الأول : لعلها في كون العشر الآيات مجاز بطريق إلغاء الكسر ، وهذا لا يصدر عمن له أدنى تأمل ، وفي الثاني : وهذا فيه تجوز ، وفي الثالث وفيه ما فيه ، انتهى ، ويمكن أن يقال إن كلا منهم ذهب إلى ما انتهى علمه به ، وروى على قدر ما أحاط به علمه ، على أن التنصيص على عدد معين لا يستلزم نفي الزيادة .

                                                                                                                                                                                  قوله : ولا يأتل " ولا يحلف ، من الألية وهو اليمين ، والفضل هنا المال والسعة والعيش في الرزق . قوله : " أحمي " من الحماية ، والمعنى فلا أنسب إلى سمعي ما لم أسمع وإلى بصري ما لم أبصر . قوله : " تساميني " أي : تعاليني ، من السمو ، وهو العلو ، أي : تطلب من العلو والحظوة عند النبي صلى الله عليه وسلم ما أطلب ، أو تعتقد أن لها مثل الذي لي عنده ، كذا قيل ، وهذا يدل على أن زينب كانت في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم . وقال الكرماني : واختلفوا في أنها كانت وقت الإفك تحت نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تزوجها بعد ذلك . قوله : " فعصمها الله " أي : فحفظها ومنعها " بالورع " أي : بالمحافظة على دينها ومجانبة ما تخشى من سوء العاقبة . قوله : " وطفقت " بكسر الفاء وفتحها ، أي : شرعت " أختها حمنة تحارب " أي : تجادل لها وتتعصب وتحكي ما قال أهل الإفك لتنخفض منزلة عائشة وترتفع منزلة أختها زينب . قوله : " فهلكت " أي حمنة ، أي : حدت فيمن حد أو أثمت مع من أثم . وحمنة بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وفتح النون ، بنت جحش بن رباب الأسدية أخت زينب بنت جحش كانت عند مصعب بن عمير ، وقتل عنها يوم أحد فتزوجها طلحة بن عبيد الله ، وقد ذكرنا فوائده وأشياء غير ما ذكرنا هنا في كتاب الشهادات ولله الحمد والله تعالى أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية