الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  435 106 - ( حدثنا علي بن عبد الله قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال : حدثني أبي عن صالح بن كيسان قال : حدثنا نافع أن عبد الله أخبره أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن ، وسقفه الجريد ، وعمده خشب النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئا ، وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد ، وأعاد عمده خشبا ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة ، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة ، والقصة ، وجعل عمده من حجارة منقوشة ، وسقفه بالساج ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم ستة ، الأول : علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح أبو الحسن ، يقال له : ابن المديني البصري . الثاني : يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ، أصله مدني ، كان بالعراق . الثالث : أبوه إبراهيم بن سعد . الرابع : صالح بن كيسان أبو محمد مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز . الخامس : نافع مولى ابن عمر . السادس : عبد الله بن عمر بن الخطاب .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع ، وفيه العنعنة في موضع واحد ، وفيه الإخبار بصيغة الإفراد ، وفيه أن رواته ما بين بصري ومدني ، وفيه رواية الأقران ، وهي رواية صالح عن نافع لأنهما من طبقة واحدة ، وفيه رواية التابعي عن التابعي لأن صالحا ونافعا كلاهما تابعيان ، وفيه زاد الأصيلي لفظة ابن سعد بعد قوله : حدثنا يعقوب بن إبراهيم .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه أبو داود في الصلاة عن محمد بن يحيى بن فارس ، ومجاهد بن موسى ، وهو أتم ، قالا : حدثنا يعقوب بن إبراهيم إلى آخره .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) ؛ قوله ( كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي : في زمانه وأيامه ؛ قوله ( باللبن ) بفتح اللام وكسر الباء الموحدة ، وقد مر تفسيره عن قريب ، وكذلك معنى الجريد مر عن قريب ، والعمد بضمتين وفتحتين أيضا ، وقد ذكرناه ؛ قوله ( فلم يزد فيه أبو بكر رضي الله تعالى عنه ) يعني لم يغير فيه شيئا بالزيادة والنقصان ؛ قوله ( وزاد فيه عمر رضي الله تعالى عنه ) يعني في الطول والعرض ، ولم يغير في بنائه بل بناه على بنيان النبي عليه الصلاة والسلام ؛ يعني بآلاته التي بناها النبي عليه الصلاة والسلام ؛ قوله ( في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) إما صفة للبنيان أو حال ، وإنما غير عمده لأنها تلفت . قال السهيلي : نخرت عمده في خلافة عمر فجددها ، وهو معنى قوله ( وأعاد عمده خشبا ) ؛ قوله ( ثم غير عثمان ) يعني من جهة التوسيع وتغيير الآلات ؛ قوله ( بحجارة منقوشة ) هكذا في رواية الحموي والمستملي ، وفي رواية غيرهما ( بالحجارة المنقوشة ) يعني بدل اللبن ؛ قوله ( والقصة ) أي : وبالقصة بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة ، وهي الجص بلغة أهل الحجاز ، قلت : الجص لغة فارسية معربة ، وأصلها كج ، وفيه لغتان فتح الجيم وكسرها ، وهو الذي يسميه أهل مصر جيرا ، وأهل البلاد الشامية يسمونه كلسا ؛ قوله ( وجعل عمده ) عطف على قوله ( وبنى جداره ) ؛ قوله ( وسقفه بلفظ الماضي من التسقيف من باب التفعيل عطفا على جعل ، ويروى بلفظ الاسم عطفا على عمده ؛ قوله ( بالساج ) بالسين المهملة ، وبالجيم ، وهو ضرب من الخشب معروف يؤتى به من الهند وله قيمة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستنبط منه ) قال ابن بطال : ما ذكره البخاري في هذا الباب يدل على أن السنة في بنيان المساجد القصد وترك الغلو في تشييدها خشية الفتنة والمباهاة ببنيانها ، وكان عمر رضي الله تعالى عنه مع الفتوح التي كانت في أيامه ، وتمكنه [ ص: 207 ] من المال لم يغير المسجد عن بنيانه الذي كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم جاء الأمر إلى عثمان ، والمال في زمانه أكثر ، ولم يزد على أن يجعل مكان اللبن حجارة وقصة ، وسقفه بالساج مكان الجريد فلم يقصر هو وعمر رضي الله عنهما عن البلوغ في تشييده إلى أبلغ الغايات إلا عن علمهما بكراهة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، وليقتدى بهما في الأخذ من الدنيا بالقصد والزهد والكفاية في معالي أمورها وإيثار البلغة منها .

                                                                                                                                                                                  قلت : أول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك بن مروان ، وذلك في أواخر عصر الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفا من الفتنة ، وقال ابن المنير : لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها فانتدب أن يصنع ذلك بالمساجد صونا لها عن الاستهانة ، وقال بعضهم : ورخص في ذلك بعضهم ، وهو قول أبي حنيفة إذا وقع ذلك على سبيل التعظيم للمساجد ، ولم يقع الصرف على ذلك من بيت المال . قلت : مذهب أصحابنا أن ذلك مكروه ، وقول بعض أصحابنا : ولا بأس بنقش المسجد معناه : تركه أولى ، وقد مر الكلام فيه عن قريب .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية