الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  446 [ ص: 230 ] 117 - ( حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة : أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد فمات فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا : مات . قال : أفلا كنتم آذنتموني به ؟ دلوني على قبره ، أو قال : على قبرها فأتى قبره فصلى عليها ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة في قوله ( كان يقم المسجد ) أي : يكنسه ؛ ( فإن قلت ) : التقاط الخرق إلى آخره من جملة الترجمة ، وليس في الحديث ما يدل على ذلك . قلت : قال الكرماني : لعل البخاري حمله بالقياس على الكنس ، والجامع بينهما التنظيف ، وقيل : أشار البخاري بذلك كله إلى ما ورد في بعض طرقه صريحا : " وكانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد ) رواه ابن خزيمة ، وفي حديث بريدة عن أبيه : " كانت مولعة بلقط القذى من المسجد " .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) ، وهم خمسة : الأول : سليمان بن حرب الواشحي بكسر الشين المعجمة ، وبالحاء المهملة نسبة إلى واشح بطن من الأزد البصري . الثاني : حماد بن زيد ، وقد ذكر غير مرة . الثالث : ثابت البناني . الرابع : أبو رافع نفيع بضم النون وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف الصائغ التابعي الكبير ، ولقد وهم من قال : إنه أبو رافع الصحابي ، وقال : وهو من رواية صحابي عن صحابي ، وليس كما قال ؛ فإن ثابتا البناني لم يدرك أبا رافع الصحابي . الخامس : أبو هريرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه أن رواته ما بين بصري ومدني .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن أحمد بن واقد ، وفي الجنائز عن محمد بن الفضل ، وأخرجه مسلم أيضا في الجنائز عن أبي الربيع الزهراني ، وأبي كامل الجحدري ، وأخرجه أبو داود فيه عن سليمان بن حرب ، ومسدد ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن أحمد بن عبدة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه وإعرابه ) ؛ قوله : ( أو امرأة سوداء ) الشك فيه إما من ثابت أو من أبي رافع ، ولكن الظاهر أنه من ثابت لأنه رواه عنه جماعة هكذا ، وأخرج البخاري أيضا عن حماد بهذا الإسناد قال : ولا أراه إلا امرأة ، وأخرجه ابن خزيمة من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فقال : "امرأة سوداء " من غير شك فيها ووقع في رواية البيهقي من حديث ابن بريدة عن أبيه أن اسم المرأة أم محجن ، وفائدة أخرى فيه أن الذي أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤاله عنها أبو بكر الصديق ؛ قوله ( كان يقم ) من قم الشيء يقم قما من باب نصر ينصر نصرا ، ومعناه كنسه ، والقمامة بضم القاف الكناسة قاله ابن سيده ، وقال اللحياني : قمامة البيت ما كنس منه فألقي بعضه على بعض ، وهي لغة حجازية ، والمقمة بكسر الميم المكنسة ، وفي ( الصحاح ) ، والجمع القمام ؛ قوله ( سئل عنه ) أي : عن حاله ، ومفعول سأل محذوف أي : سأل الناس عنه ؛ قوله ( أفلا كنتم ) لا بد من مقدر بعد الهمزة ، والتقدير : أدفنتم فلا كنتم آذنتموني بالمد أي : أعلمتموني بموته حتى أصلي عليه ، وإنما قال ذلك لأن صلاته صلى الله عليه وسلم رحمة ونور في قبورهم على ما جاء في رواية مسلم : " إن امرأة أو شابا . . " الحديث ، وزاد في آخره : " إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم " ، قيل : إن البخاري لم يخرج هذه الزيادة لأنها مدرجة في هذا الإسناد ، وهي من مراسيل ثابت بين ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد . قلت : قال البيهقي الذي يغلب على القلب أن هذه الزيادة في غير رواية أبي رافع عن أبي هريرة ، فإما أن يكون عن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا كما رواه أحمد بن عبدة ومن تابعه أو عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه غير حماد بن زيد عن ثابت عن أبي رافع فلم يذكرها ، وروى ابن حبان من حديث خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت قال : " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما ورد البقيع إذ مر بقبر جديد فسأل عنه فقيل : فلانة فعرفها ، وقال : ألا آذنتموني بها ؟ قالوا : كنت قائلا صائما فكرهنا أن نؤذيك ، قال : فلا تفعلوا لأعرفن ما مات فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به صلاتي عليه رحمة له ، ثم أتى القبر فصففنا خلفه فكبر عليه أربعا " ، انتهى ، كذا ذكره في صحيحه ، وقال صاحب ( التلويح ) ، وهو يحتاج إلى تأمل ونظر ، وذلك أن يزيد قتل باليمامة سنة ثنتي عشرة ، وخارجة توفي سنة مائة أو أقل من ذلك ، وسنه سبعون سنة فلا يتجه سماعه منه بحال .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 231 ] ( ذكر ما يستنبط منه من الأحكام ) فيه فضل تنظيف المسجد ، وقال ابن بطال : فيه الحض على كنس المساجد وتنظيفها لأنه صلى الله عليه وسلم إنما رخصه بالصلاة عليه بعد دفنه من أجل ذلك ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كنس المسجد ، وفيه خدمة الصالحين ، والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب ، وافتقاده .

                                                                                                                                                                                  وفيه المكافأة بالدعاء والترحم على من وقف نفسه على نفع المسلمين ومصالحهم .

                                                                                                                                                                                  وفيه الرغبة في شهود جنائز الصالحين ، وفيه جواز الصلاة على القبر ، وهي مسألة خلافية جوزها طائفة منهم : علي وأبو موسى ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وعائشة رضي الله تعالى عنهم ، وهو قول الأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، ومنعه النخعي ، والحسن البصري ، والثوري ، وهو قول أبي حنيفة ، والليث ، ومالك ، ومنهم من قال : إنما يجوز إذا لم يصل الولي أو الوالي ثم اختلف من قال بالجواز إلى كم يجوز ؟ فقيل : إلى شهر ، وقيل : ما لم يبل جسده ، وقيل : أبدا ، وسيأتي مزيد الكلام فيه في الجنائز إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                  وفيه استحباب الإعلام بالموت ، وقال الكرماني : وفيه أن على الراوي التنبيه على شكه فيما رواه مشكوكا .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية