الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  454 125 - ( حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا فليح قال : حدثنا أبو النضر عن عبيد بن حنين عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري قال : خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عند الله ، فبكى أبو بكر رضي الله عنه ، فقلت في نفسي : ما يبكي هذا الشيخ إن يكن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد ، وكان أبو بكر أعلمنا ، قال : يا أبا بكر ، لا تبك إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الخوخة هي الباب الصغير ، وقد تكون بمصراع واحد ، وبمصراعين ، وأصلها فتح في الحائط ؛ قال الجوهري : هي كوة في الجدار تؤدي الضوء ، ( فإن قلت ) : الترجمة شيئان أحدهما الخوخة ، والآخر الممر فمطابقته للخوخة ظاهرة ، وليس فيه ذكر الممر . قلت : الممر من لوازم الخوخة فذكرها يغني عن ذكره .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) ، وهم ستة : الأول : محمد بن سنان بكسر السين المهملة بعدها النون ، وقد تقدم . الثاني : فليح بضم الفاء وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف ، وفي آخره حاء مهملة ابن سليمان ، وكان اسمه عبد الملك ، ولقبه فليح فغلب على اسمه ، واشتهر به . الثالث : أبو النضر بفتح النون وسكون الصاد المعجمة ، واسمه سالم بن أبي أمية . الرابع : عبيد بضم العين مصغر العبد ضد الحر ابن حنين بضم الحاء المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف ، وفي آخره نون أيضا أبو عبد الله المدني . الخامس : بسر بضم الباء الموحدة ، وسكون السين المهملة ، وفي آخره راء ابن سعيد بفتح السين . السادس : أبو سعيد الخدري ، واسمه سعد بن مالك .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه القول في ثلاثة مواضع ، وفيه عن عبيد بن حنين ، وفيه عن بسر بن سعيد هكذا في أكثر الروايات ، وسقط في رواية الأصيلي عن أبي زيد ذكر بسر بن سعيد فصار عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد ، وقال الكرماني : وقع في بعض النسخ : أبو النضر عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد ، وفي بعضها أبو النضر عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد ، وفي بعضها أبو النضر عن عبيد ، وعن بسر عن أبي سعيد بالجمع بينهما بواو العطف ، وفي بعضها : أبو النضر عن عبيد عن بسر عن أبي سعيد بدون الواو بينهما .

                                                                                                                                                                                  قلت : قال ابن السكن عن الفربري قال : محمد بن إسماعيل هكذا رواه محمد بن سليمان عن فليح عن أبي النضر عن عبيد عن بسر عن أبي سعيد ، وهو خطأ ، وإنما هو عن عبيد بن حنين ، وعن بسر بن سعيد يعني بواو العطف .

                                                                                                                                                                                  وكذا أخرجه مسلم عن سعيد بن منصور عن فليح عن أبي النضر عن عبيد ، وبسر بن سعيد جميعا عن أبي سعيد ، ورواه عن فليح كرواية سعيد بن يونس بن محمد عن ابن أبي شيبة ، ورواية أبي زيد المروزي في ( صحيح البخاري ) حدثنا محمد بن سنان حدثنا فليح حدثنا أبو النضر عن عبيد عن ابن سعيد ، ورواه البخاري في فضل أبي بكر عن عبيد الله بن محمد عن ابن عامر حدثنا فليح ، حدثنا سالم عن بسر عن سعيد عن أبي سعيد ، وفي هجرة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن إسماعيل بن عبد الله حدثني مالك عن أبي النضر عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد بلفظ : " أن يؤتيه الله من زهرة الدنيا ما شاء " ، وفيه : " فبكى أبو بكر ، وقال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا " ، وكذا رواه مالك عن عبد الله بن مسلمة ، وابن وهب ، ومعن ، ومطرف ، وإبراهيم بن طهمان ، ومحمد بن الحسن ، وعبد العزيز بن يحيى ؛ قال الدارقطني : ولم أره في ( الموطأ ) إلا في ( كتاب الجامع ) للقعنبي ، ولم يذكر في ( الموطأ ) غيره ، ومن تابعه فإنما رواه في غير ( الموطأ ) ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                  قلت : وكان هذا الاختلاف إنما أتى من فليح لأن الحديث حديثه ، وعليه يدور ، وهو عند بعضهم هو لين الرواية ، وحاصل الرواية أن فليحا كان يروي تارة [ ص: 244 ] عن عبيد ، وعن بسر كليهما ، وتارة يقتصر على أحدهما ، وأخطأ من محمد بن سنان حيث حذف الواو العاطفة فافهم .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في فضل أبي بكر رضي الله تعالى عنه عن عبد الله بن محمد ، وأخرجه مسلم في الفضائل .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه وإعرابه ) ؛ قوله ( عنده ) أي : عند الله ، وهو الآخرة ؛ قوله ( ما يبكي هذا الشيخ ) من الإبكاء ، وكلمة ما استفهامية ؛ قوله : ( إن يكن الله خير ) كذا في رواية الأكثرين ، وفي رواية الكشميهني : " إن يكن لله عبد خير " ، فإعراب الأولى هو أن "إن" بالكسر شرط ، ويكن فعل الشرط ، وهو مجزوم ، ولكنه لما اتصل بلفظ الله كسر لأن الأصل في الساكن إذا حرك حرك بالكسر ؛ قال الكرماني : الجزاء محذوف يدل عليه السياق . قلت : لا حاجة إلى هذا بل الجزاء قوله ( فاختار ما عند الله ) ؛ قوله ( خير ) على صيغة المعلوم من التخيير ، وعبدا مفعوله ، والضمير في فاختار يرجع إلى العبد ، وما عند الله في محل النصب مفعوله ، وإعراب الرواية الثانية هو أن إن أيضا كلمة شرط ، ويكن مجزوم به ، وقوله ( عبد ) مبتدأ ، وخبره هو قوله ( لله ) مقدما ، وقوله ( خير ) على صيغة المجهول في محل الرفع لأنه صفة لعبد ، والجزاء هو قوله ( فاختار ) ، وقال السفاقسي : ويصح أن تكون الهمزة يعني همزة أن مفتوحة بأن يكون منصوبا بأن فيكون المعنى : ما يبكيه لأجل أن يكون الله خير عبدا ، وقال بعضهم : وجوز ابن التين فتحها يعني فتح أن على أنها تعليلية ، وفيه نظر .

                                                                                                                                                                                  قلت : في نظره نظر لأن التعليل هنا لأجل فراقه صلى الله عليه وسلم لا على كونه خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده ؛ قوله ( هو العبد ) أي : المخير ؛ قوله ( وكان أبو بكر أعلمنا ) حيث فهم أنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وإنما قال عليه السلام : " عبدا " على سبيل الإبهام ليظهر فهم أهل المعرفة ونباهة أصحاب الحذق ، وكان ذلك في مرض موته كما يجيء في حديث ابن عباس بعده إن شاء الله تعالى ، ولما كان أبو بكر أعلم الصحابة إذ لم ينكر أحد منهم ممن حضر حين قال أبو سعيد : وكان أبو بكر أعلمنا ، اختصه الشارع بالخصوصية العظمى ، وقال : ( إن أمن الناس علي ) إلى آخره فظهر أن للصديق من الفضائل والحقوق ما لا يشاركه في ذلك مخلوق ؛ قال العلماء في معنى هذا الكلام منهم الخطابي : أي أكثرهم جودا وسماحة لنا بنفسه وماله ، وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة لأنه مبطل للثواب لأن المنة لله ولرسوله في قبول ذلك .

                                                                                                                                                                                  قال الخطابي : والمن في كلام العرب الإحسان إلى من يكافئه ، قال تعالى : هذا عطاؤنا فامنن وقال : ولا تمنن أي : لا تعط لتأخذ من المكافأة أكثر ما أعطيت ، وقال القرطبي : وزن أمن أفعل من المنة أي : الامتنان أي : أكثر منة ، ومعناه أن أبا بكر له من الحقوق ما لو كان لغيره لامتن بها ، وذلك لأنه بادر بالتصديق ، ونفقة الأموال وبالملازمة والمصاحبة إلى غير ذلك بانشراح صدر ورسوخ علم بأن الله ورسوله لهما المنة في ذلك والفضل ، لكن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بجميل أخلاقه وكريم أعراقه اعترف بذلك عملا بشكر المنعم ليس كما قال الأنصار ، وفي ( جامع الترمذي ) من حديث أبي هريرة مرفوعا : " ما لأحد عندنا يد إلا كافأناه ما خلا أبا بكر ، فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة " .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ولو كنت متخذا خليلا ) الاتخاذ افتعال من الأخذ ، واتخذ يتعدى إلى مفعول واحد ، ويتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف الجر فيكون بمعنى اختار واصطفى ، وهنا سكت عن أحد مفعوليه ، وهو الذي دخل عليه حرف الجر ، فكأنه قال : لو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت منهم أبا بكر ، والخليل المخال ، وهو الذي يخالك أي : يوافقك في خلالك أو يسايرك في طريقتك ، من الخل وهو الطريق في الرمل أو يسد خللك كما تسد خلله أو يداخلك خلال منازلك ، وقيل : أصل الخلة الانقطاع ، فخليل الله المنقطع إليه ، وقال ابن فورك : الخلة صفاء المودة بتخلل الأسرار ، وقيل : الخليل من لا يتسع قلبه لغير خليله ، وقال عياض : أصل الخلة الافتقار والانقطاع ، فخليل الله أي : المنقطع إليه لقصره حاجته عليه ، وقيل : الخلة الاختصاص بأصل الاصطفاء ، وسمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليل الله لأنه والى فيه وعادى فيه ، وقيل : سمي به لأنه تخلل بخلال حسنة وأخلاق كريمة ، وخلة الله تعالى له نصره وجعله إماما لمن بعده ، وزعم السفاقسي أنه كان اتخذ خليلا من الملائكة ، ولهذا قال : ( لو كنت متخذا خليلا من أمتي ) ، انتهى ؛ يرده قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولكن صاحبكم خليل الرحمن ) ، وفي رواية : " لو كنت متخذا خليلا غير ربي " ، ومعنى الحديث أن أبا بكر متأهل لأن يتخذه صلى الله عليه وسلم خليلا لولا المانع المذكور ، وهو أنه امتلأ قلبه بما تخلله من معرفة الله تعالى ومحبته ، ومراقبته حتى كأنها مزجت [ ص: 245 ] أجزاء قلبه بذلك فلم يتسع قلبه لخليل آخر ، فعلى هذا لا يكون الخليل إلا واحدا ، ومن لم ينته إلى ذلك ممن تعلق القلب به فهو حبيب ، ولذلك أثبت لأبي بكر وعائشة أنهما أحب الناس إليه ، ونفى عنهما الخلة التي هي فوق المحبة ، وقد اختلف أرباب القلوب في ذلك فذهب الجمهور إلى أن الخلة أعلى تمسكا بهذا الحديث ، وذهب ابن فورك إلى أن المحبة أعلى لأنها صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو أفضل من الخليل ، وقيل : هما سواء فلا يكون الخليل إلا حبيبا ، ولا الحبيب إلا خليلا ، وزعم الفراء أن معناه فلو كنت أخص أحدا بشيء من العلم دون الناس لخصصت به أبا بكر لأن الخليل من تفرد بخلة من الفضل لا يشاركه له فيها أحد ، وقيل : معنى الحديث : لو كنت منقطعا إلى غير الله لانقطعت إلى أبي بكر لكن هذا ممتنع لامتناع ذلك ؛ ( فإن قلت ) : قال بعض الصحابة : سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم . قلت : لا بأس في الانقطاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الانقطاع إليه انقطاع إلى الله تعالى ، وفي حكم ذلك .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ولكن أخوة الإسلام ) كذا هو بالألف في رواية الأكثرين ، وفي رواية الأصيلي : " ولكن خوة الإسلام " بحذف الألف ؛ قال الكرماني : وتوجيهه أن يقال : نقلت حركة الهمزة إلى نون لكن ، وحذفت الهمزة فعرض بعد ذلك استثقال ضمة من كسرة وضمة ، فسكن النون تخفيفا ، فصار : ولكن خوة ، وسكون النون بعد هذا العمل غير سكونه الأصلي ، ثم نقل عن ابن مالك أن فيه ثلاثة أوجه : سكون النون وثبوت الهمزة بعدها مضمومة ، وضم النون وحذف الهمزة ، وسكونه وحذف الهمزة ، فالأول أصل ، والثاني فرع ، والثالث فرع فرع ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : كل هذا تكلف خارج عن القاعدة ، ولكن الوجه أن يقال : إن لكن على حالها ساكنة النون ، وحذفت الهمزة من أخوة اعتباطا ، ولهذا قال ابن التين : رويناه بغير همزة ، ولا أصل لهذا ، وكأن الهمزة سقطت هنا ، وهي ثابتة في باقي المواضع ثم إن قوله ( أخوة الإسلام ) كلام إضافي مبتدأ ، وخبره محذوف تقديره : ولكن أخوة الإسلام أفضل ، ونحو ذلك ، ويؤيده أن في حديث ابن عباس الذي بعده وقع هكذا .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ومودته ) أي : مودة الإسلام ، والفرق بين الخلة والمودة باعتبار المتعلق مع أنهما بمعنى واحد ، وهو أنه أثبت المودة لأنها بحسب الإسلام والدين ، ونفى الخلة للمعنى الذي ذكرناه ، والدليل على أنهما بمعنى واحد هو قوله في الحديث الذي بعده ، ولكن خلة الإسلام بدل لفظ المودة ، وقد قيل : إن الخلة أخص وأعلى مرتبة من المودة ، فنفى الخاص وأثبت العام ؛ فإن قيل : المراد من السياق أفضلية أبي بكر وكل الصحابة داخلون تحت أخوة الإسلام ، فمن أين لزم أفضليته ؟ وأجيب بأنها تعلم مما قبله ومما بعده .

                                                                                                                                                                                  قوله ( لا يبقين ) بالنون المشددة للتوكيد ، وقال الكرماني : بلفظ المجهول ، ويروى بلفظ المعروف أيضا . قلت : في صيغة المجهول يكون لفظ باب مرفوعا على أنه مفعول ناب عن الفاعل ، والتقدير لا يبقي أحد في المسجد بابا إلا باب أبي بكر ، وفي صيغة المعلوم يكون باب مرفوعا على أنه فاعل ، ولا يقال : كيف نهى الباب عن البقاء وهو غير مكلف ؟ لأنا نقول : إنه كناية ؛ لأن عدم البقاء لازم للنهي عن الإبقاء ، فكأنه قال : لا يبقيه أحد حتى لا يبقى ، وذلك كما يقال : لا أرينك ههنا ؛ أي : لا تقعد عندي حتى لا أراك ؛ قوله ( إلا سد ) الاستثناء مفرغ تقديره : لا يبقين باب بوجه من الوجوه إلا بوجه السد إلا باب أبي بكر ، أو يكون التقدير : إلا بابا سد حتى لا يقال الفعل وقع مستثنى ومستثنى منه ، فافهم .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه من الفوائد ) الأولى : ما قاله الخطابي ، وهو أن أمره صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب غير الباب الشارع إلى المسجد إلا باب أبي بكر يدل على اختصاص شديد لأبي بكر وإكرام له ؛ لأنهما كانا لا يفترقان . الثانية : فيه دلالة على أنه قد أفرده في ذلك بأمر لا يشارك فيه ، فأولى ما يصرف إليه التأويل فيه أمر الخلافة ، وقد أكثر الدلالة عليها بأمره إياه بالإمامة في الصلاة التي بنى لها المسجد ؛ قال الخطابي : ولا أعلم أن إثبات القياس أقوى من إجماع الصحابة على استخلاف أبي بكر مستدلين في ذلك باستخلافه صلى الله عليه وسلم إياه في أعظم أمور الدين وهو الصلاة ، فقاسوا عليها سائر الأمور ، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج من باب بيته وهو في المسجد للصلاة ، فلما غلق الأبواب إلا باب أبي بكر دل على أنه يخرج منه للصلاة ، فكأنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك على أن من بعده يفعل ذلك هكذا . ( فإن قلت ) : روي عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال : " سدوا الأبواب إلا باب علي " . قلت : قال الترمذي : هو غريب ، وقال البخاري : حديث إلا باب أبي بكر أصح ، وقال الحاكم : تفرد به مسكين بن بكير الحراني عن شعبة ، وقال ابن عساكر : وهو وهم ، وقال صاحب ( التوضيح ) وتابعه [ ص: 246 ] إبراهيم بن المختار . الثالثة : قال ابن بطال : فيه التعريض بالعلم للناس وإن قل فهماؤهم خشية أن يدخل عليهم مساءة أو خزي . الرابعة : فيه أنه لا يستحق أخذ العلم حقيقة إلا من فهم ، والحافظ لا يبلغ درجة الفهم ، وإنما يقال للحافظ : عالم بالنص لا بالمعنى . الخامسة : فيه دليل على أن أبا بكر أعلم الصحابة . السادسة : فيه الحض على اختيار ما عند الله والزهد في الدنيا ، والإعلام بمن اختار ذلك من الصالحين . السابعة : فيه أن على السلطان شكر من أحسن صحبته ، ومعونته بنفسه وماله ، واختصاصه بالفضيلة التي لم يشارك فيها . الثامنة : فيه ائتلاف النفوس بقوله ( ولكن أخوة الإسلام أفضل ) . التاسعة : فيه أن المساجد تصان عن تطرق الناس إليها من خوخات ونحوها إلا من أبوابها إلا من حاجة مهمة . العاشرة : فيه أن الخليل فوق الصديق والأخ .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية