الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  466 137 - حدثنا حامد بن عمر ، عن بشر ، قال : حدثنا عاصم ، قال : حدثنا واقد ، عن أبيه ، عن ابن عمر أو ابن عمرو قال : شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه ، وقال عاصم بن علي : حدثنا عاصم بن محمد ، سمعت هذا الحديث من أبي ، فلم أحفظه ، فقومه لي واقد ، عن أبيه قال : سمعت أبي وهو يقول : قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله بن عمرو ، كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس بهذا ، ولفظه في جمع الحميدي في مسند ابن عمر : شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه ، وقال : كيف أنت يا عبد الله إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم ، وأماناتهم ، واختلفوا فصاروا هكذا ، وشبك بين أصابعه ، قال : فكيف أفعل يا رسول الله ؟ قال : تأخذ ما تعرف ، وتدع ما تنكر ، وتقبل على خاصتك ، وتدعهم وعوامهم . [ ص: 261 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 261 ] مطابقته للترجمة في أحد جزأيها ، واكتفى البخاري بدلالته على بعض الترجمة حيث دل حديث أبي هريرة على تمامها .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : فيه تسعة أنفس : الأول : حامد بن عمر البكراوي من ذرية أبي بكر الثقفي نزيل نيسابور ، وقاضي كرمان ، روى عنه مسلم أيضا ، مات بنيسابور أول سنة ثلاث وثلاثين ومائتين . الثاني : بشر ، بكسر الباء الموحدة ، ابن المفضل الرقاشي ، الحجة ، كان يصوم يوما ويفطر يوما ، ويصلي كل يوم أربعمائة ركعة ، مات سنة تسع وثمانين ومائة . الثالث : عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري ، المدني ، وثقه أحمد وغيره . الرابع : أخو عاصم ، وهو واقد ، بالقاف ، ابن محمد بن زيد المذكور ، وثقه أبو زرعة وغيره . الخامس : أبوه محمد بن زيد بن عبد الله ، وثقه غير واحد . السادس : عبد الله بن عمر بن الخطاب . السابع : عبد الله بن عمرو بن العاص . الثامن : أبو عبد الله ، وهو البخاري نفسه . التاسع : عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب الواسطي ، شيخ البخاري والدارمي ، وفي ( تهذيب التهذيب ) كان من ثقات الشيوخ وأعيانهم ، وقال ابن معين : ضعيف ، وفي رواية : ليس بشيء ، وفي رواية : ليس بثقة ، وفي رواية : كذاب ، مات في نصف رجب سنة إحدى وعشرين ومائتين .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع ، وفيه العنعنة في أربعة مواضع ، وفيه القول ، والسماع ، وفيه الشك بين عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وبين عبد الله بن عمرو بن العاص ، والظاهر أن الشك من واقد ، وفيه أن رواته ما بين بصري ومدني .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله : ( قال عاصم بن علي ) تعليق من البخاري ، ووصله إبراهيم الحربي في ( غريب الحديث ) له قال : حدثنا عاصم بن علي ، حدثنا عاصم بن محمد ، عن واقد ، سمعت أبي يقول : قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فذكره . قوله : ( في حثالة ) بضم الحاء المهملة ، وتخفيف الثاء المثلثة ، قال ابن سيده : هو ما يخرج من الطعام من زوان ونحوه مما لا خير فيه ، وقال اللحياني : هو أجل من التراب والدقاق قليلا ، وخصه بالحنطة ، والحثالة والحثل : الرديء من كل شيء ، وقيل : هو القشارة من التمر والشعير وما أشبههما ، وحثالة القرط نقايته . قوله : ( مرجت عهودهم ) قال أبو المعالي في ( المنتهى ) مرجت عهودهم إذا لم تثبت ، وأمرجوها إذا لم يوفوا بها وخلطوها ، ومرجت أماناتهم فسدت ، ومرج الدين اختلط واضطرب ، وفي ( المحكم ) مرج الأمر مرجا ، فهو مارج ومريج التبس ، واختلط ، ومرج أمره يمرجه ضيعه ، ورجل ممارج يمرج أموره ولا يحكمها ، ومرج العهد ، والدين ، والأمانة فسد ، وأمرج عهده لم يف به . قوله : ( وشبك بين أصابعه ) ، أي : شبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه ليمثل لهم اختلاطهم .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) فيه جواز تشبيك الأصابع سواء كان في المسجد أو غيره لإطلاق الحديث ، ولكن العلماء اختلفوا في تشبيك الأصابع في المسجد وفي الصلاة ، وكره إبراهيم ذلك في الصلاة ، وهو قول مالك ، ورخص في ذلك ابن عمر ، وابنه سالم ، فكانا يشبكان بين أصابعهما في الصلاة ، ذكره ابن أبي شيبة ، وكان الحسن البصري يشبك بين أصابعه في المسجد ، وقال مالك : إنهم لينكرون تشبيك الأصابع في المسجد ، وما به بأس ، وإنما يكره في الصلاة ، وقد ورد النهي عن ذلك في أحاديث ، منها : ما أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) ، فقال : حدثنا أبو عروبة ، حدثنا محمد بن سعدان ، حدثنا سليمان بن عبد الله ، عن عبيد الله بن عمر ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : يا كعب إذا توضأت ، فأحسنت الوضوء ، ثم خرجت إلى المسجد ، فلا تشبك بين أصابعك ، فإنك في صلاة ، ومنها ما أخرجه الحاكم في ( مستدركه ) من حديث إسماعيل بن أمية ، عن سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا توضأ أحدكم في بيته ، ثم أتى المسجد ، كان في صلاة حتى يرجع ، فلا يفعل هكذا ، وشبك بين أصابعه ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ومنها ما رواه ابن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن موهب ، عن عمه ، عن مولى لأبي سعيد ، وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فرأى رجلا جالسا وسط الناس ، وقد شبك بين أصابعه يحدث نفسه ، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يفطن له ، فالتفت إلى أبي سعيد ، فقال : إذا صلى أحدكم ، فلا يشبكن بين أصابعه ، فإن التشبيك من الشيطان ، ( ( فإن قلت ) ) : هذه الأحاديث معارضة لأحاديث الباب ، ( قلت ) : غير مقاومة لها في الصحة ، ولا مساوية ، وقال ابن بطال : وجه إدخال هذه الترجمة في الفقه معارضة بما روي من النهي عن [ ص: 262 ] التشبيك في المسجد ، وقد وردت فيه مراسيل ومسند من طرق غير ثابتة ، ( قلت ) : كأنه أراد بالمسند حديث كعب بن عجرة الذي ذكرناه ، ( ( فإن قلت ) ) : حديث كعب هذا رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة ، وابن حبان ، ( قلت ) : في إسناده اختلاف فضعفه بعضهم بسببه ، وقيل : ليس بين هذه الأحاديث معارضة ؛ لأن النهي إنما ورد عن فعل ذلك في الصلاة ، أو في المضي إلى الصلاة ، وفعله صلى الله عليه وسلم ليس في الصلاة ، ولا في المضي إليها فلا معارضة إذا ، وبقي كل حديث على حياله ، ( ( فإن قلت ) ) : في حديث أبي هريرة الذي في الباب وقع تشبيكه صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة ، ( قلت ) : إنما وقع بعد انقضاء الصلاة في ظنه ، فهو في حكم المنصرف عن الصلاة ، والرواية التي فيها النهي عن ذلك ما دام في المسجد ضعيفة ؛ لأن فيها ضعيفا ومجهولا ، وقد رواها ابن أبي شيبة ، ولفظه : ( إذا صلى أحدكم ، فلا يشبكن بين أصابعه ، فإن التشبيك من الشيطان ، وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه ) ، وقال ابن المنير : التحقيق أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض ؛ إذ المنهي عنه فعله على وجه العبث ، والذي في الحديث إنما هو لمقصود التمثيل وتصوير المعنى في اللفظ ، ( ( فإن قلت ) ) : ما حكمة النهي عن التشبيك ، ( قلت ) : أجيب بأجوبة : الأول : لكونه من الشيطان كما مر الآن ، الثاني : لأنه يجلب النوم ، وهو من مظان الحدث ، الثالث : أن صورة التشبيك تشبه صورة الاختلاف كما نبه عليه في حديث ابن عمر ، فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة حتى لا يقع في المنهي عنه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم للمصلين : ( ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ) والله تعالى أعلم .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية