الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4610 386 - حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب عن حفصة بنت سيرين ، عن أم عطية رضي الله عنها قالت : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا : أن لا يشركن بالله شيئا ونهانا عن النياحة ، فقبضت امرأة يدها فقالت : أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها . فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، فانطلقت ورجعت فبايعها .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد البصري ، وعبد الوارث هو ابن سعيد [ ص: 232 ] وأيوب هو السختياني ، وحفصة هي بنت سيرين أخت محمد بن سيرين ، وأم عطية اسمها نسيبة بنت الحارث ، وقد ترجمناها في كتاب الجنائز .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه أيضا في كتاب الأحكام عن مسدد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ونهانا عن النياحة " ، وهو اسم من ناحت المرأة على الميت إذا ندبته ، وذلك أن تبكي وتعدد محاسنه . وقيل : النوح بكاء مع الصوت ، ومنه : ناح الحمام نوحا . قوله : " فقبضت امرأة يدها " هذه المرأة هي أم عطية المذكورة ، ولكنها أبهمت نفسها ، والدليل عليه ما في رواية النسائي : أن امرأة ساعدتني فلا بد أن أسعدها ، وفي رواية عاصم : فقلت يا رسول الله إلا آل فلان ; فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية ، فلا بد من أن أسعدهم . قال الخطابي : يقال أسعدت المرأة صاحبتها إذا قامت في نياحة معها تراسلها في نياحتها ، والإسعاد خاص في هذا المعنى بخلاف المساعدة ; فإنها عامة في جميع الأمور . قوله : " فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا " يعني سكت ، ولم يرد عليها بشيء ، وفي رواية النسائي : " اذهبي فأسعديها " قالت : فذهبت فأسعدتها ، ثم جئت فبايعت ، وهو معنى قولها : " فانطلقت ورجعت " يعني انطلقت وأسعدت تلك المرأة التي أسعدتها هي ، ثم رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعها النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لأم عطية في إسعاد تلك المرأة ، وقال النووي : هذا محمول على الترخيص لأم عطية خاصة ، وللشارع أن يخص من شاء من العموم . قيل : فيه نظر إلا إن ادعى أن التي ساعدتها لم تكن أسلمت . وجه النظر أن تحليل شيء من المحرمات لا يختص به ، وأيضا أخرج ابن مردويه من حديث ابن عباس قال : لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء فبايعهن أن لا يشركن بالله شيئا ... الآية قالت خولة بنت حكيم : يا رسول الله إن أبي وأخي ماتا في الجاهلية وإن فلانة أسعدتني ، وقد مات أخوها ، وأخرج الترمذي من طريق سعد بن حوشب عن أم سلمة الأنصارية أسماء بنت يزيد قالت : قلت يا رسول الله إن بني فلان أسعدوني على عمي ، ولا بد من قضائهن ، فأبى قالت : فراجعته مرارا ، فأذن لي ، ثم لم أنح بعد ، وأخرج أحمد والطبراني من طريق مصعب بن نوح قال : أدركت عجوزا لنا كانت فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فأخذ علينا أن لا ننحن فقالت العجوز : يا نبي الله إن ناسا كانوا أسعدونا على مصائب أصابتنا ، وإنهم قد أصابتهم مصيبة ، فأنا أريد أن أسعدهم قال : اذهبي فكافئيهم . قالت : فانطلقت فكافأتهم ، ثم إنها أتت فبايعته . قلت : فبهذه الأحاديث استدل بعض المالكية على جواز النياحة ، وأن المحرم منها ما كان معه شيء من أفعال الجاهلية من شق جيب وخمش خد ونحو ذلك ، والصواب أن النياحة حرام مطلقا ، وهو مذهب العلماء ، والجواب الذي هو أحسن الأجوبة ، وأقربها أن يقال : إن النهي ورد أولا للتنزيه ، ثم لما تمت مبايعة النساء وقع التحريم ، فيكون الإذن الذي وقع لمن ذكر في الحالة الأولى ، ثم وقع التحريم ، وورد الوعيد الشديد في أحاديث كثيرة ، والله أعلم . فإن قلت : في حديث الباب : " فقبضت يدها " ، وهو يعارض حديث عائشة المذكور قبل هذا . قلت : قد ذكرنا هناك أن المراد بالقبض التأخر عن القبول جمعا بين الحديثين ، فافهم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية