الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  472 143 - حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه ، فيصلي إليها ، والناس وراءه ، وكان يفعل ذلك في السفر ، فمن ثم اتخذها الأمراء .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة . ( ( فإن قلت ) ) : كيف الظهور ، والترجمة في أن سترة الإمام سترة لمن خلفه ، وليس في الحديث ما يدل على ذلك ، ( قلت ) : يدل على ذلك من وجوه ثلاثة ، الأول : أنه لم ينقل وجود سترة لأحد من المأمومين ، ولو كان ذلك لنقل لتوفر الدواعي على نقل الأحكام الشرعية ، فدل ذلك على أن سترته صلى الله عليه وسلم كانت سترة لمن خلفه . الثاني : أن قوله : ( فيصلي إليها ، والناس وراءه ) يدل على دخول الناس في السترة ؛ لأنهم تابعون للإمام في جميع ما يفعله . الثالث : أن قوله : ( وراءه ) يدل على أنهم كانوا وراء السترة أيضا ، إذ لو كانت لهم سترة لم يكونوا وراءه ، بل كانوا وراءها ، وقد نقل القاضي عياض الاتفاق على أن المأمومين يصلون إلى سترة ، يعني به سترة الإمام ، وقال : ولكن اختلفوا : هل سترتهم سترة الإمام ، أو سترتهم الإمام نفسه ، وقال بعضهم : فيه نظر ؛ لما رواه عبد الرزاق عن الحكم بن عمرو الغفاري الصحابي أنه صلى بأصحابه في سفر ، وبين يديه سترة ، فمرت حمير بين يدي أصحابه ، فأعاد بهم الصلاة ، وفي رواية : أنه قال لهم : ( إنها [ ص: 277 ] لم تقطع صلاتي ، ولكن قطعت صلاتكم ) ، ( قلت ) : لا يرد هذا على ما نقله عياض من الاتفاق لاحتمال أنه لم يقف على قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : سترة الإمام سترة لمن خلفه ، أخرجه الطبراني من حديث أنس رضي الله تعالى عنه ، وكذا روي عن ابن عمر ، أخرجه عبد الرزاق موقوفا عليه ، على أن الرواية عن الحكم مختلفة ، ومع هذا لا يقاوم ما روي عن ابن عمر ، ثم قال هذا القائل : ويظهر أثر هذا الخلاف الذي نقله عياض فيما لو مر بين يدي الإمام أحد ، فعلى قول من يقول : إن الإمام نفسه سترة لمن خلفه تضر صلاته وصلاتهم ، وعلى قول من يقول : إن سترة الإمام سترة من خلفه تضر صلاته ، ولا تضر صلاتهم ، ( قلت ) : سترة الإمام سترة مطلقا بالحديث المذكور ، فإذا وجدت سترة لا تضر صلاة الإمام ، ولا صلاة المأموم . ( بيان رجاله ) وهم خمسة ، الأول : إسحاق ، قال أبو علي الجياني : لم أجد إسحاق هذا منسوبا من الرواة ، وقال الكرماني : وفي بعض النسخ إسحاق بن منصور ، ( قلت ) : كذا جزم به أبو نعيم ، وخلف . الثاني : عبد الله بن نمير ، بضم النون ، وقد تكرر ذكره . الثالث : عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، أبو عثمان القرشي العدوي المدني ، توفي سنة تسع وأربعين ومائة . الرابع : نافع مولى ابن عمر . الخامس : عبد الله بن عمر بن الخطاب .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه أن رواته ما بين كوفيين ومدنيين ، وفيه أن شيخه الراوي عن ابن نمير غير منسوب .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر من أخرجه غيره ) : أخرجه مسلم أيضا في الصلاة عن محمد بن عبد الله بن نمير ، وعن محمد بن المثنى ، وأخرجه أبو داود فيه عن الحسن بن علي الخلال ، عن عبد الله بن نمير .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله : ( أمر بالحربة ) ، أي : خادمه بأخذ الحربة ، وللبخاري في العيدين من طريق الأوزاعي عن نافع : ( كان يغدو إلى المصلى والعنزة تحمل وتنصب بين يديه ، فيصلي إليها ) وزاد ابن ماجه ، وابن خزيمة ، والإسماعيلي : ( وذلك أن المصلى كان فضاء ليس فيه شيء يستره ) . قوله : ( والناس ) بالرفع عطف على فاعل يصلي ، ووراءه منصوب على الظرفية . قوله : ( ذلك ) ، أي : الأمر بالحربة ، والوضع بين يديه ، والصلاة إليها لم يكن مختصا بيوم العيد . قوله : ( فمن ثم ) بفتح الثاء المثلثة ، أي : فمن أجل ذلك اتخذ الحربة الأمراء ، وهو الرمح العريض النصل ، يخرج بها بين أيديهم في العيد ، ونحوه ، وهذه الجملة ، أعني قوله : ( فمن ثم اتخذها الأمراء ) من كلام نافع كما أخرجه ابن ماجه بدون هذه الجملة ، فقال : حدثنا محمد بن الصباح ، أخبرنا عبد الله بن رجاء المكي ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج له حربة في السفر فينصبها فيصلي إليها )

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) فيه الاحتياط وأخذ آلة دفع الأعداء سيما في السفر ، وفيه جواز الاستخدام وأمر الخادم ، وفيه أن سترة الإمام سترة لمن خلفه ، وادعى بعضهم فيه الإجماع ، نقله ابن بطال ، قال : السترة عند العلماء سنة مندوب إليها ، وقال الأبهري : سترة المأموم سترة إمامه ، فلا يضر المرور بين يديه ؛ لأن المأموم تعلقت صلاته بصلاة إمامه ، قال : ولا خلاف أن السترة مشروعة إذا كان في موضع لا يأمن المرور بين يديه ، وفي الأمن قولان عند مالك ، وعند الشافعي مشروعة مطلقا لعموم الأحاديث ، ولأنها تصون البصر ، قال : فإن كان في الفضاء فهل يصلي إلى غير سترة ؟ أجازه ابن القاسم لحديث ابن عباس المذكور ، وقال المطرف ، وابن الماجشون : لا بد من سترة ، وذكر عن عروة ، وعطاء ، وسالم ، والقاسم ، والشعبي ، والحسن : أنهم كانوا يصلون في الفضاء إلى غير سترة ، ( قلت ) : قال محمد : يستحب لمن يصلي في الصحراء أن يكون بين يديه شيء مثل عصا ، ونحوها ، فإن لم يجد يستتر بشجرة ، ونحوها . ( ( فإن قلت ) ) : الحربة المذكورة هل لها حد في الطول ، وما المعتبر في طول السترة ؟ ( قلت ) : قال أصحابنا : مقدارها ذراع فصاعدا ، وأخذوا ذلك بحديث طلحة بن عبيد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جعلت بين يديك مثل مؤخرة الرحل فلا يضرك من يمر بين يديك ) رواه مسلم ، وذكر شيخ الإسلام في مبسوطه من حديث أبي جحيفة الآتي ذكره أن مقدار العنزة طول ذراع في غلظ أصبع ، ويؤيد هذا قول ابن مسعود : يجزئ من السترة السهم ، وفي الذخيرة : طول السهم ذراع ، وعرضه قدر أصبع ، واختلف مشايخنا فيما إذا كانت السترة أقل من ذراع ، وقال شيخ الإسلام : لو وضع قناة ، أو جعبة بين يديه وارتفع قدر ذراع كانت سترة بلا خلاف ، وإن كانت دونه ففيه خلاف ، وفي [ ص: 278 ] غريب الرواية : النهر الكبير ليس بسترة كالطريق ، وكذا الحوض الكبير ، وقالت المالكية : تجوز القلنسوة العالية ، والوسادة ، بخلاف السوط ، وجوز في العتبية : السترة بالحيوان الطاهر ، بخلاف الخيل ، والبغال ، والحمير ، وجوز بظهر الرجل ، ومنع بوجهه ، وتردد في جنبه ، ومنع بالمرأة ، واختلفوا في المحارم ، ولا يستتر بنائم ، ولا مجنون ، ومأبون في دبره ، ولا كافر . انتهى .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية