الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4732 39 - حدثنا هدبة بن خالد أبو خالد ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، حدثنا أنس ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثل الذي يقرأ القرآن كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب ، والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها ، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة [ ص: 38 ] ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قيل : الحديث في بيان فضل قارئ القرآن ، وليس فيه التعرض إلى ذكر فضل القرآن ، قلت : لما كان لقارئ القرآن فضل كان للقرآن فضل أقوى منه ; لأن الفضل للقارئ إنما يحصل من قراءة القرآن ، فتأتي مطابقة الحديث للترجمة من هذه الحيثية .

                                                                                                                                                                                  وهمام هو ابن يحيى بن دينار الشيباني البصري .

                                                                                                                                                                                  والحديث فيه رواية تابعي عن صحابي ، ورواية صحابي عن صحابي ، وهي رواية قتادة عن أنس بن مالك ، عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن موسى بن إسماعيل ، وأخرجه مسلم في الصلاة عن هدبة به ، وعن غيره ، وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد به ، وعن عبيد الله بن معاذ ، وأخرجه الترمذي في الأمثال عن قتيبة به ، وأخرجه النسائي في الوليمة وفي فضائل القرآن عن عبيد الله بن سعيد ، وفي الإيمان عن عمرو بن علي ، وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار .

                                                                                                                                                                                  قوله : " مثل الذي يقرأ القرآن " إلى آخره ، اعلم أن هذا التشبيه والتمثيل في الحقيقة وصف اشتمل على معنى معقول صرف لا يبرزه عن مكنونه إلا تصويره بالمحسوس المشاهد ، ثم إن كلام الله المجيد له تأثير في باطن العبد وظاهره ، وإن العباد متفاوتون في ذلك فمنهم من له النصيب الأوفر من ذلك التأثير وهو المؤمن القارئ ، ومنهم من لا نصيب له ألبتة وهو المنافق الحقيقي ، ومنهم من تأثر ظاهره دون باطنه وهو المرائي أو بالعكس وهو المؤمن الذي لم يقرأه ، وإبراز هذه المعاني وتصويرها في المحسوسات ما هو مذكور في الحديث ، ولم يجد ما يوافقها ويلائمها أقرب ولا أحسن ولا أجمع من ذلك ; لأن المشبهات والمشبه بها واردة على التقسيم الحاضر ; لأن الناس إما مؤمن أو غير مؤمن ، والثاني إما منافق صرف أو ملحق به ، والأول إما مواظب عليها فعلى هذا قس الأثمار المشبه بها ، ووجه التشبيه في المذكورات مركب منتزع من أمرين محسوسين طعم وريح ، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل بما تنبته الأرض ويخرجه الشجر للمشابهة التي بينها وبين الأعمال ، فإنها من ثمرات النفوس ، فخص ما يخرجه الشجر من الأترجة والتمر بالمؤمن ، وبما تنبته الأرض من الحنظلة والريحانة بالمنافق ، تنبيها على علو شأن المؤمن وارتفاع علمه ودوام ذلك ، وتوقيفا على ضعة شأن المنافق وإحباط عمله وقلة جدواه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " مثل الذي يقرأ " فيه إثبات القراءة على صيغة المضارع ، وفي قوله : " لا يقرأ " بالنفي ليس المراد منها حصولها مرة ونفيها بالكلية بل المراد منها الاستمرار والدوام عليها وأن القراءة دأبه وعادته ، وليس ذلك من هجيراه كقولك فلان يقري الضيف ويحمي الحريم ، قوله : " كالأترجة " بضم الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق وضم الراء وتشديد الجيم وقد تخفف ، ويروى أترنجة بالنون الساكنة بعد الراء ، وحكى أبو زيد ترنجة وترنج وترج وجه التشبيه بالأترنجة ; لأنها أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان وأجدى لأسباب كثيرة جامعة للصفات المطلوبة منها والخواص الموجودة فيها ، فمن ذلك كبر جرمها وحسن منظرها وطيب مطعمها ولين ملمسها ، تأخذ الأبصار صبغة ولونا فاقع لونها تسر الناظرين تتوق إليها النفس قبل التناول ، تفيد آكلها بعد الالتذاذ بذوقها ، طيب نكهة ودباغ معدة وهضم ، واشتراك الحواس الأربع البصر والذوق والشم واللمس في الاحتظاء بها ، ثم إن أجزاءها تنقسم على طبائع قشرها حار يابس ولحمها حار رطب وحماضها بارد يابس وبزرها حار مجفف ، وفيها من المنافع ما هو مذكور في الكتب الطبية ، قوله : " ولا ريح لها " ويروى فيها ، قوله : " ومثل الفاجر " أي : المنافق ، قوله : " كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها " ووقع في الترمذي كمثل الحنظلة طعمها مر وريحها مر ، قيل : الذي عند البخاري أحسن ; لأن الريح لا طعم له إذ المرارة عرض والريح عرض ، والعرض لا يقوم بالعرض ، ووجه هذا بأن ريحها لما كان كريها استعير للكراهة لفظ المرارة لما بينهما من الكراهة المشتركة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية