الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  499 1 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، قال: قرأت على مالك، عن ابن شهاب، أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يوما، فدخل عليه عروة بن الزبير، فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوما، وهو بالعراق فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري، فقال: ما هذا يا مغيرة، أليس قد علمت أن جبريل - صلى الله عليه وسلم - نزل فصلى، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم، ثم صلى، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم، ثم صلى، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم، ثم صلى، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم، ثم صلى، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم، ثم قال: بهذا أمرت، فقال عمر لعروة: اعلم ما تحدث، أوإن جبريل هو أقام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقت الصلاة؟ قال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه، قال عروة: ولقد حدثتني عائشة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: (إن جبريل عليه السلام نزل فصلى)، إلى آخره، وهي خمس مرات، فدل أن الصلاة موقتة بخمسة أوقات، فإن قلت: إن الحديث لا يدل إلا على عدد الصلاة؛ لأنه لم يذكر الأوقات، (قلت): وقوع الصلاة خمس مرات يستلزم كون الأوقات خمسة، واقتصر أبو مسعود على ذكر العدد؛ لأن الوقت كان معلوما عند المخاطب.

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله المذكورين فيه: تسعة: الأول: عبد الله بن مسلمة القعنبي . الثاني: مالك بن أنس . الثالث: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري . الرابع: عمر بن عبد العزيز بن مروان أمير المؤمنين من الخلفاء الراشدين. الخامس: عروة بن الزبير بن العوام . السادس: المغيرة بن شعبة الصحابي. السابع: أبو مسعود الأنصاري، واسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري، رضي الله تعالى عنه. الثامن: ابنه بشير بفتح الباء الموحدة التابعي الجليل. التاسع: عائشة رضي الله تعالى عنها.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، والإخبار بصيغة الإفراد من الماضي، وفيه القراءة على الشيخ، وفيه العنعنة في موضع واحد، وفيه أن رجاله كلهم مدنيون، وفيه ما قال ابن عبد البر، وهو أن هذا السياق منقطع عند جماعة من العلماء؛ لأن ابن شهاب لم يقل: حضرت مراجعة عروة لعمر بن عبد العزيز، وعروة لم يقل: حدثني بشير، لكن الاعتبار عند الجمهور بثبوت اللقاء والمجالسة لا بالصيغ.

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني : اعلم أن هذا الحديث بهذا الطريق ليس بمتصل الإسناد؛ إذ لم يقل أبو مسعود : شاهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: رواية الليث عند المصنف تزيل الإشكال كله، ولفظه: قال عروة : سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: فذكر الحديث، وفي رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن شهاب قال: كنا مع عمر بن عبد العزيز فذكره، وفي رواية شعيب، عن الزهري، سمعت عروة يحدث أن عمر بن عبد العزيز .. الحديث، انتهى. (قلت): قول هذا القائل: رواية الليث عند المصنف تزيل الإشكال كله إلخ، غير مسلم في الرواية التي هاهنا؛ لأنها غير متصلة الإسناد بالنظر إلى الظاهر، وإن كانت في نفس الأمر متصلة الإسناد، وكلام الكرماني بحسب الظاهر، وإن كان الإسناد في نفس الأمر متصلا.

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري أيضا في بدء الخلق، عن قتيبة، عن الليث، وفي المغازي، عن أبي اليمان، عن شعيب، ثلاثتهم عن الزهري، عن عروة عنه به، وأخرجه مسلم في الصلاة، عن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما، عن [ ص: 4 ] الليث به، وعن يحيى بن يحيى، عن مالك به، وأخرجه أبو داود فيه، عن ابن وهب، عن أسامة بن زيد، عن الزهري به، وأخرجه النسائي فيه، عن قتيبة به، وأخرجه ابن ماجه، عن محمد بن رمح به.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) قوله: (أخر الصلاة يوما) وفي رواية البخاري : في بدء الخلق (أخر العصر يوما) وقوله: (يوما) بالتنكير، ليدل على التقليل، ومراده يوما ما، لا أن ذلك كان سجيته، كما كانت ملوك بني أمية تفعل، لا سيما العصر؛ فقد كان الوليد بن عتبة يؤخرها في زمن عثمان - رضي الله تعالى عنه، وكان ابن مسعود ينكر عليه.

                                                                                                                                                                                  وقال عطاء : أخر الوليد مرة الجمعة حتى أمسى، وكذا كان الحجاج يفعل، وأما عمر بن عبد العزيز فإنه أخرها عن الوقت المستحب المرغب فيه، لا عن الوقت، ولا يعتقد ذلك فيه لجلالته. وإنكار عروة عليه إنما وقع لتركه الوقت الفاضل الذي صلى فيه جبريل عليه الصلاة والسلام.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن عبد البر : المراد أنه أخرها حتى خرج الوقت المستحب، لا أنه أخرها حتى غربت الشمس، (فإن قلت): روى الطبراني من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن أسامة بن زيد الليثي، عن ابن شهاب في هذا الحديث (قال دعا المؤذن لصلاة العصر، فأمسى عمر بن عبد العزيز قبل أن يصليها) قلت: معناه: أنه قارب المساء، لا أنه دخل فيه. قوله: (وهو بالعراق) جملة اسمية وقعت حالا عن المغيرة، وأراد به عراق العرب، وهو من عبادان إلى الموصل طولا، ومن القادسية إلى حلوان عرضا، وفي رواية القعنبي وغيره، عن مالك، وهو بالكوفة، وكذا أخرجه الإسماعيلي، عن أبي خليفة، عن القعنبي، والكوفة من جملة عراق العرب، وكان المغيرة بن شعبة إذ ذاك أميرا على الكوفة من قبل معاوية بن أبي سفيان . قوله: (فقال: ما هذا)؛ أي: التأخير. قوله: (أليس قد علمت) الرواية وقعت كذا: أليس، وكان مقتضى الكلام: ألست، بالخطاب، قال القشيري : قال بعض فضلاء الأدب: كذا الرواية، وهي جائزة، إلا أن المشهور في الاستعمال ألست؛ يعني: بالخطاب.

                                                                                                                                                                                  وقال عياض : يدل ظاهر قوله: (قد علمت)، على علم المغيرة بذلك، ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل الظن من أبي مسعود لعلمه بصحبة المغيرة، (قلت): لأجل ذلك ذكره بلفظ الاستفهام في قوله: (أليس)، ولكن يؤيد الوجه الأول رواية شعيب، عن ابن شهاب عند البخاري أيضا في غزوة بدر بلفظ: فقال: لقد علمت، بغير حرف الاستفهام، ونحوه، عن عبد الرزاق، عن معمر وابن جريج جميعا. قوله: (إن جبريل نزل) بين ابن إسحاق في المغازي أن ذلك كان صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلاة، وهي ليلة الإسراء. قوله: (فصلى، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم) الكلام هنا في موضعين: أحدهما في كلمة: ثم صلى فصلى، والآخر في كلمة الفاء، أما الأول فقد قال الكرماني : فإن قلت: لم قال في صلاة جبريل عليه الصلاة والسلام، ثم صلى بلفظ: ثم، وفي صلاة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فصلى، بالفاء، (قلت): لأن صلاة الرسول كانت متعقبة لصلاة جبريل عليه الصلاة والسلام بخلاف صلاته، فإن بين كل صلاتين زمانا، فناسب كلمة التراخي، وأما الثاني فقد قال عياض : ظاهره أن صلاته كانت بعد فراغ صلاة جبريل عليه الصلاة والسلام، لكن المنصوص في غيره أن جبريل عليه الصلاة والسلام أم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فيحمل قوله: (صلى فصلى) على أن جبريل كان كلما فعل جزءا من الصلاة تابعه النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ففعله.

                                                                                                                                                                                  وقال النووي : صلى فصلى، مكررا هكذا خمس مرات، معناه أنه كلما فعل جزءا من أجزاء الصلاة فعله النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - حتى تكاملت صلاتهما، انتهى. قلت: مبنى كلام عياض على أن الفاء في الأصل للتعقيب، فدل على أن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت عقيب فراغ جبريل عليه الصلاة والسلام من صلاته، وحاصل جوابه أنه جعل الفاء على أصله، وأوله بالتأويل المذكور، وبعضهم ذهب إلى أن الفاء هنا بمعنى الواو؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إذا ائتم بجبريل يجب أن يكون مصليا معه لا بعده، وإذا حملت الفاء على حقيقتها وجب أن لا يكون مصليا معه، واعترض عليه بأن الفاء إذا كان بمعنى الواو يحتمل أن يكون النبي - عليه الصلاة والسلام - صلى قبل جبريل؛ لأن الواو لمطلق الجمع، والفاء لا تحتمل ذلك، (قلت): مجيء الفاء بمعنى الواو لا ينكر، كما في قوله:

                                                                                                                                                                                  (بين الدخول فحومل)

                                                                                                                                                                                  فإن الفاء فيه بمعنى الواو، والاحتمال الذي ذكره المعترض يدفع بأن جبريل عليه السلام هنا مبين لهيئة الصلاة التي فرضت ليلة الإسراء، فلا يمكن أن تكون صلاته بعد صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلا لا يبقى لصلاة جبريل فائدة، ويمكن أن تكون الفاء هنا للسببية، كما في قوله تعالى: فوكزه موسى فقضى عليه قوله: (بهذا)؛ أي: بأداء الصلاة في هذه الأوقات. قوله: (أمرت)، روي بضم التاء وفتحها، وعلى الوجهين هو على صيغة المجهول.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن العربي : نزل جبريل [ ص: 5 ] عليه الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - مأمورا مكلفا بتعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بأصل الصلاة، وأقوى الروايتين فتح التاء؛ يعني: أن الذي أمرت به من الصلاة البارحة مجملا هذا تفسيره اليوم مفصلا، (قلت): فعلى هذا الوجه يكون الخطاب من جبريل عليه الصلاة والسلام للنبي - صلى الله عليه وسلم، وأما وجه الضم فهو أن جبريل عليه الصلاة والسلام يخبر عن نفسه أنه أمر به هكذا، فعلى الوجهين الضمير المرفوع في قوله: ثم قال: يرجع إلى جبريل عليه الصلاة والسلام، ومن قال في وجه الضم إن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أخبر عن نفسه أنه أمر به هكذا، وأن الضمير في قال يرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد أبعد، وإن كان التركيب يقتضي هذا أيضا. قوله: (اعلم ما تحدث به) بصيغة الأمر تنبيه من عمر بن عبد العزيز لعروة على إنكاره إياه.

                                                                                                                                                                                  وقال القرطبي : ظاهره الإنكار؛ لأنه لم يكن عنده خبر من إمامة جبريل عليه الصلاة والسلام، إما لأنه لم يبلغه أو بلغه فنسيه، والأولى عندي أن حجة عروة عليه إنما هي فيما رواه عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وذكر له حديث جبريل موطئا له ومعلما له بأن الأوقات إنما ثبت أصلها بإيقاف جبريل عليه الصلاة والسلام للنبي - عليه السلام - عليها، قوله (أو أن جبريل ) قال السفاقسي : الهمزة حرف الاستفهام دخلت على الواو فكان ذلك تقديرا.

                                                                                                                                                                                  وقال النووي : الواو مفتوحة وأن هاهنا تفتح وتكسر.

                                                                                                                                                                                  وقال صاحب الاقتضاب: كسر الهمزة أظهر؛ لأنه استفهام مستأنف، إلا أنه ورد بالواو والفتح على تقدير: أوعلمت أو حدثت أن جبريل عليه الصلاة والسلام نزل، (قلت): لم يذكر أحد منهم أن الواو؛ أي واو هي، وهي واو العطف على ما ذكره بعضهم، ولكنه قال: والعطف على شيء مقدر ولم يبين ما هو المقدر. قوله: (وقت الصلاة) بإفراد الوقت في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي : وقوت الصلاة، بلفظ الجمع. قوله: (قال عروة ): قال الكرماني : هذا إما مقول ابن شهاب، أو تعليق من البخاري، (قلت): فكيف يكون تعليقا، وقد ذكره مسندا، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، كما سيأتي في باب وقت العصر، فحينئذ يكون مقول ابن شهاب . قوله: (في حجرتها)، قال ابن سيده : الحجرة من البيوت معروفة، وقد سميت بذلك لمنعها الداخل من الوصول إليها، يقال: استحجر القوم واحتجروا اتخذوا حجرة، وفي (المنتهى) و(الصحاح): الحجرة: حظيرة الإبل، ومنه: حجرة الدار، تقول: احتجرت حجرة؛ أي: اتخذتها والجمع حجر مثل غرفة وغرف وحجرات بضم الجيم. قوله: (أن تظهر) ذكر في (الموعب) يقال: ظهر فلان السطح إذا علاه، وعن الزجاج في قوله تعالى: فما اسطاعوا أن يظهروه أي: ما قدروا أن يعلوا عليه؛ لارتفاعه وإملاسه، وفي (المنتهى) ظهرت البيت علوته، وأظهرت بفلان أعليت به، وفي كتاب ابن التين وغيره: ظهر الرجل فوق السطح إذا علا فوقه، قيل: وإنما قيل له كذلك؛ لأنه إذا علا فوقه فقد ظهر شخصه لمن تأمله. وقيل معناه: أن يخرج الظل من قاعة حجرتها فيذهب. وكل شيء خرج فقد ظهر. والتفسير الأول أقرب وأليق بظاهر الحديث؛ لأن الضمير في قوله: (تظهر) إنما هو راجع إلى الشمس، ولم يتقدم للظل ذكر في الحديث، وسنستوفي الكلام في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عن قريب في باب وقت العصر إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستنبط منه) وهو على وجوه. الأول: فيه دليل على أن وقت الصلاة من فرائضها وأنها لا تجزي قبل وقتها، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء، إلا شيء روي عن أبي موسى الأشعري، وعن بعض التابعين، أجمع العلماء على خلافه، ولا وجه لذكره هاهنا؛ لأنه لا يصح عنهم، وصح عن أبي موسى خلافه مما وافق الجماعة فصار اتفاقا صحيحا. الثاني: فيه المبادرة بالصلاة في أول وقتها، وهذا هو الأصل، وإن روي الإبراد بالظهر والإسفار بالفجر بالأحاديث الصحيحة. الثالث: فيه دخول العلماء على الأمراء وإنكارهم عليهم ما يخالف السنة. الرابع: فيه جواز مراجعة العالم لطلب البيان، والرجوع عند التنازع إلى السنة. الخامس: فيه أن الحجة في الحديث المسند دون المقطوع؛ ولذلك لم يقنع عمر به، فلما أسند إلى بشير بن أبي مسعود قنع به. السادس: استدل به قوم، منهم ابن العربي على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل من جهة أن الملائكة ليسوا مكلفين بمثل ما كلف به الإنس، (قلت): هذا استدلال غير صحيح؛ لأن جبريل عليه الصلاة والسلام كان مكلفا بتبليغ تلك الصلاة، ولم يكن متنفلا، فتكون صلاة مفترض خلف مفترض.

                                                                                                                                                                                  وقال عياض : يحتمل أن لا تكون تلك الصلاة واجبة على النبي - صلى الله عليه وسلم حينئذ، ورد بأنها كانت صبيحة ليلة فرض الصلاة، واعترض عليه باحتمال [ ص: 6 ] أن الوجوب عليه كان معلقا بالبيان فلم يتحقق الوجوب إلا بعد تلك الصلاة. السابع: فيه جواز البنيان، ولكن ينبغي الاقتصار فيه؛ ألا ترى أن جدار الحجرة كان قصيرا، قال الحسن: كنت أدخل في بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا محتلم وأنا أسقفها بيدي. الثامن: استدل به من يرى جواز الائتمام بمن يأتم بغيره، والجواب عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مبلغا فقط، كما في قصة أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - في صلاته خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلاة الناس خلفه، وسيأتي مزيد الكلام فيه في أبواب الإمامة. التاسع: فيه فضيلة عمر بن عبد العزيز - رضي الله تعالى عنه. العاشر: فيه ما قال ابن بطال : فيه دليل على ضعف الحديث الوارد في أن جبريل عليه الصلاة والسلام أم بالنبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - في يومين لوقتين مختلفين لكل صلاة ، قال: لأنه لو كان صحيحا لم ينكر عروة على عمر صلاته في آخر الوقت محتجا بصلاة جبريل عليه الصلاة والسلام، مع أن جبريل قد صلى في اليوم الثاني في آخر الوقت.

                                                                                                                                                                                  وقال: الوقت ما بين هذين، وأجيب عن هذا بأنه يحتمل أن تكون صلاة عمر - رضي الله تعالى عنه - كانت خرجت عن وقت الاختيار، وهو مصير ظل الشيء مثليه، لا عن وقت الجواز، وهو مغيب الشمس، فحينئذ يتجه إنكار عروة ولا يلزم منه ضعف الحديث. أو يكون إنكار عروة لأجل مخالفة عمر ما واظب عليه النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وهو الصلاة في أول الوقت، ورأى أن الصلاة بعد ذلك إنما هي لبيان الجواز، فلا يلزم منه ضعف الحديث أيضا، وفي قوله: ما واظب عليه النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - وهو الصلاة في أول الوقت نظر لا يخفى، فإن قلت: ذكر حديث عائشة رضي الله تعالى عنها بعد ذكر حديث أبي مسعود ما وجهه؟ (قلت): لأن عروة احتج بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها في كونه - صلى الله تعالى عليه وسلم - كان يصلي العصر والشمس في حجرتها، وهي الصلاة التي وقع الإنكار بسببها، وبذلك تظهر مناسبة ذكره بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها بعد حديث أبي مسعود؛ لأن حديث عائشة رضي الله تعالى عنها يشعر بأنه عليه السلام كان يصلي العصر في أول الوقت، وحديث أبي مسعود يشعر بأن أصل بيان الأوقات كان بتعليم جبريل عليه الصلاة والسلام.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: ما معنى قولها: قبل أن تظهر، والشمس ظاهرة على كل شيء من أول طلوعها إلى غروبها؟ (قلت): إنها أرادت: والفيء في حجرتها قبل أن يعلو على البيوت، فكنت بالشمس عن الفيء؛ لأن الفيء عن الشمس، كما سمي المطر سماء؛ لأنه من السماء ينزل، ألا ترى أنه جاء في رواية: لم يظهر الفيء من حجرتها، وفي لفظ: (والشمس طالعة في حجرتي) فافهم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية